خالفوا اليهود والنصارى
راكان المغربي
خَالِفُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
الخطبة الأولى
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، أما بعد:
فَفِي كُلِّ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا الْمُسْلِمُ؛ بَلْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَوَاتِهِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْمَسْنُونَةِ، يَجْأَرُ الْمُسْلِمُ إِلَى رَبِّهِ دَاعِيًا مُتَضَرِّعًا فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، بِأَنْ يَهْدِيَهُ اللهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَأَنْ يُجَنِّبَهُ طَرِيقَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَهُمُ الْيَهُودُ، وَطَرِيقَ الضَّالِّينَ وَهُمُ النَّصَارَى. وَهَكَذَا يَخْرُجُ الْمُصَلِّي الْخَاشِعُ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مُوَالِيًا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، سَائِلًا رَبَّهُ سُلُوكَ طَرِيقِهِمْ، مُتَبَرِّئًا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، سَائِلًا رَبَّهُ اجْتِنَابَ سَبِيلِهِمْ.
وَقَدْ أَلَّفَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ كِتَابًا أَسْمَاهُ "اقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مُخَالَفَةَ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ"، وَمَعْنَى هَذَا الْعُنْوَانِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ سُلُوكَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ فِي مَنْهَجِهِمْ وَعَقِيدَتِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ.
وَقَدْ تَكَاثَرَتِ الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا النَّبِيُّ ﷺ: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ)، (خَالِفُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى ضَرُورَةِ أَنْ يَتَمَيَّزَ الْمُسْلِمُ عَنِ الْكُفَّارِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَالِاعْتِزَازِ بِهَا، وَتَشْكِيلِ الْهُوِيَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ، وَالْحَصَانَةِ مِنَ الذَّوَبَانِ فِي ثَقَافَاتٍ وَأَدْيَانٍ تُضَادُّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ.
ولذا فقد جاءت الكثير من الشرائع في الإسلام تحقق مقصد مخالفة الكفار، فمن ذلك:
شَرِيعَةُ الْأَذَانِ، فَقَدِ اقْتَرَحَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يُؤَذَّنَ لِلصَّلَاةِ بِبُوقِ الْيَهُودِ، أَوْ بِنَاقُوسِ النَّصَارَى، فَكَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ، حَتَّى أَرْشَدَهُ اللهُ لِلْأَذَانِ الْمَرْفُوعِ الْيَوْمَ.
وَمِنْ ذَلِكَ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، فَمَعَ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُصَلِّي لِلهِ، إِلَّا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَقَعُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ التَّشَبُّهِ بِعُبَّادِ الشَّمْسِ، فَسَدَّتِ الشَّرِيعَةُ هَذَا الْبَابَ، وَنَهَتْ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا تَحْقِيقًا لِمَقْصِدِ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ.
وَمِنْ ذَلِكَ شَرِيعَةُ السُّحُورِ قَبْلَ الصِّيَامِ، فَقَدْ شُرِعَتْ لِيُمَيَّزَ صِيَامُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ صِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أُكْلَةُ السَّحَر). وَكَذَا شُرِعَ صِيَامُ يَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ مُحَرَّمٍ مَعَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، لِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصُومُونَهُ فَأَرَادَتِ الشَّرِيعَةُ أَنْ تُمَيِّزَ صِيَامُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ صِيَامِ الْيَهُودِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ)
وَكَذَلِكَ شُرِعَ التَّعْجِيلُ فِي الْفِطْرِ عِنْدَ الصِّيَامِ، وَعِلَّةُ التَّعْجِيلِ قَوْلُ النَّبِيُّ ﷺ: (لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ).
عباد الله
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ تَرْهِيبٌ خَطِيرٌ، وَفِيهِ كَذَلِكَ تَرْغِيبٌ جَمِيلٌ، فَمَنْ تَشَبَّهَ بِالْفُسَّاقِ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِالْكُفَّارِ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِالْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مِنْهُمْ.
قَالَ الْقَارِي: أَيْ مَنْ شَبَّهَ نَفْسه بِالْكُفَّارِ مَثَلا مِنْ اللِّبَاس وَغَيْره، أَوْ بِالْفُسَّاقِ أَوْ الْفُجَّار أَوْ بالصُّلَحَاء الأَبْرَار فَهُوَ مِنْهُمْ: أَيْ فِي الإِثْم وَالْخَيْر.
وَقَدْ يَسْأَلُ السَّائِلُ هُنَا: هَلِ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْكُفَّارُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَجَنُّبُهُ وَمُخَالَفَتُهُ؟
وَنَقُولُ جَوَابًا عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ التَّشَبُّهَ الْمُحَرَّمَ هُوَ مَا كَانَ مِنْ خَصَائِصِ الْكُفَّارِ الَّتِي يَخْتَصُّونَ بِهَا وَيَتَمَيَّزُونَ بِفِعْلِهَا، بِحَيْثُ يَظُنُّ مَنْ رَآهُ أَنَّ صَاحِبَهُ مِنْهُمْ، كَمَنْ يَلْبَسُ لِبَاسَ الرُّهْبَانِ، أَوْ يَتَقَلَّدُ الصُّلْبَانَ، أَوْ يَلْبَسُ قُبَّعَةَ الْيَهُودِ، أَوْ يَتَزَيَّنُ بِزِينَةِ عُبَّادِ الشَّيَاطِينِ، أَوْ يُقَلِّدُ قَصَّاتٍ خَاصَّةً أَوْ يَلْبَسُ لِبَاسًا خَاصًّا لِلْمُمَثِّلِ الْفُلَانِيِّ وَاللَّاعِبِ الْعَلَانِيِّ الْكَافِرِ.
وَأَمَّا فِعْلُ مَا لَيْسَ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْكُفَّارِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْمُشْتَرَكَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ، فَهَذَا لَيْسَ مِنَ التَّشَبُّهِ الْمُحَرَّمِ. كَكَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ الشَّائِعَةِ، مِنْ اسْتِخْدَامِ التِّقْنِيَةِ الْحَدِيثَةِ، وَالصِّنَاعَاتِ الْمُبْتَكَرَةِ، أَوْ كَلُبْسِ الْمَلَابِسِ الشَّائِعَةِ بَيْنَ النَّاسِ كَالْبَنْطَالِ وَالْكَابَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَلَابِسِ الَّتِي مَنْ يَرَاهَا عَلَى أَحَدٍ لَا يَخْطُرُ فِي بَالِهِ أَنَّهُ مِنَ الْيَهُودِ أَوِ النَّصَارَى أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "التَّشَبُّهُ أَنْ يَأْتِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِمْ بِحَيْثُ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ، كَلِبَاسٍ لَا يَلْبَسُهُ إِلَّا الْكُفَّارُ، فَإِنْ كَانَ اللَّبَاسُ شَائِعًا بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ تَشَبُّهًا، لَكِنْ إِذَا كَانَ لِبَاسًا خَاصًّا بِالْكُفَّارِ، سَوَاءٌ كَانَ يَرْمُزُ إِلَى شَيْءٍ دِينِيٍّ، كَلِبَاسِ الرُّهْبَانِ، أَوْ إِلَى شَيْءٍ عَادِيٍّ لَكِنْ مَنْ رَآهُ قَالَ: هَذَا كَافِرٌ بِنَاءً عَلَى لِبَاسِهِ، فَهَذَا حَرَامٌ".
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، أَمَّا بَعْدُ:
أَخْبَرَنَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ﷺ أَنَّ فِئَامًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَتَتَّبِعُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبَعْتُمُوهُمْ)، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ؟).
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَدْ وَقَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي اتِّبَاعِ سَنَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَخُصُوصًا فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي دَالَتْ فِيهِ الْغَلَبَةُ لِأَهْلِ الْكُفْرِ، فَأَدَّتْ إِلَى الْهَزِيمَةِ النَّفْسِيَّةِ لِكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَوَلَعِ الْمَغْلُوبِ بِتَقْلِيدِ الْغَالِبِ.
وَهَذِهِ الْأَيَّامُ تُصَادِفُ عِيدَيْنِ مِنْ أَعْيَادِ النَّصَارَى الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِمْ، فَالْأَوَّلُ هُوَ عِيدُ الْكِرِيسْمَاسِ الَّذِي يُوَافِقُ الْخَامِسَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ دِيسَمْبِرَ، يَحْتَفِلُونَ فِيهِ بِمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ تَارِيخُ مِيلَادِ ابْنِ الرَّبِّ، وَيَنْصِبُونَ فِيهِ شَجَرَةَ الْمِيلَادِ، وَتَظْهَرُ فِيهِ شَخْصِيَّةُ "بَابَا نُوِيل" أَوْ "سَانْتَا كُلُوز"، وَهُوَ شَخْصِيَّةٌ رَمْزِيَّةٌ لِرَجُلِ دِينٍ نَصْرَانِيٍّ ذَا لِحْيَةٍ بَيْضَاءَ يُوَزِّعُ الْحَلْوَى وَالْهَدَايَا لِلْأَطْفَالِ.
وَأَمَّا الْعِيدُ الثَّانِي فَهُوَ عِيدُ رَأْسِ السَّنَةِ، وَالْمُوَافِقُ لِلْأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ يَنَايِرَ، وَأَصْلُهُ أَيْضًا مِنْ أَعْيَادِ النَّصَارَى، فَهُوَ كَمَا يَزْعُمُونَ ذِكْرَى خِتَانِ الْمَسِيحِ، وَبِدَايَةُ السَّنَةِ الْمِيلَادِيَّةِ عَلَى التَّارِيخِ النَّصْرَانِيِّ.
فَكِلَا الْعِيدَيْنِ مِنْ أَعْيَادِ النَّصَارَى الْخَاصَّةِ بِهِمْ، الَّتِي هِيَ مِنْ أَصْلِ دِينِهِمْ، يَحْتَفِلُونَ بِهَا فِي كَنَائِسِهِمْ وَأَدْيِرَتِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ.
وَإِنَّ مِنَ الْمُؤْسِفِ أَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي يَقْرَأُ فِي الْفَاتِحَةِ كُلَّ يَوْمٍ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) مِنَ الْمُؤْسِفِ أَنَّكَ تَجِدُهُ يُقَلِّدُ النَّصَارَى فِي أَفْعَالِهِمْ، وَيُشَارِكُهُمْ فِي أَعْيَادِهِمْ.
وَيَجِبُ عَلَيْنَا التَّنْبِيهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُشَارَكَةُ فِي هَذِهِ الْأَعْيَادِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِاحْتِفَاءِ. وَإِذَا كَانَ اتِّخَاذُ الْأَعْيَادِ مُحَرَّمًا بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ عِيدًا شَخْصِيًّا أَوْ قَوْمِيًّا أَوْ مَوْلِدًا نَبَوِيًّا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ هَذَا الْعِيدُ خَاصًّا بِالْكُفَّارِ؟ حِينَهَا يَغْلُظُ التَّحْرِيمُ مِن جَانِبِ اتِّخَاذِ عِيدٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ، وَمِن جَانِبِ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ.
إِنَّ الْمُسْلِمَ يَزِنُ الْأُمُورَ بِمِيزَانِ اللهِ، فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى ذَلِكَ الِاحْتِفَالِ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَجُرْمٌ فِي حَقِّ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَكَيْفَ يُهَنِّئُ الْكَافِرَ عَلَى جَرِيمَتِهِ؟
تَخَيَّلُوا أَنَّ إِنْسَانًا يُهَنِّئُ قَاتِلَ أَبِيهِ بِمُرُورِ عَامٍ عَلَى ذِكْرَى انْتِصَارِهِ، أَوْ أَنَّ فِلَسْطِينِيًّا يُهَنِّئُ إِسْرَائِيلِيًّا بِمُرُورِ سَبْعِينَ عَامًا عَلَى احْتِلَالِهِمْ لِأَرْضِهِ وَوَطَنِهِ، أَوْ أَنَّ يَابَانِيًّا يُهَنِّئُ أَمْرِيكِيًّا عَلَى نَجَاحِ الْقُنْبُلَةِ النَّوَوِيَّةِ الَّتِي أَبَادَتْ هِيرُوشِيمَا وَنَاجَازَاكِي.
كُلُّ تِلْكَ الصُّوَرِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَقْلًا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَحْدُثَ، لِأَنَّهَا جَرَائِمُ فِي نَظَرِ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَجَرِيمَةُ الْكُفْرِ تَفُوقُ جَرِيمَةَ الْقَتْلِ وَالِاحْتِلَالِ وَالِاغْتِصَابِ فِي نَظَرِ الْمُسْلِمِ.
(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا)
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: "وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ: فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ، مِثْلَ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ، وَصَوْمِهِمْ. فَيَقُولُ: "عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ"، أَوْ "تُهَنَّأُ بِهَذَا الْعِيدِ"، وَنَحْوَهُ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ: فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللهِ وَأَشَدُّ مَقْتًا مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ، وَنَحْوَهُ".
أَمَّا التَّهْنِئَةُ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، كَزَوَاجٍ أَوْ قُدُومِ مَوْلُودٍ أَوْ تَرْقِيَةٍ فِي وَظِيفَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، فَهَذَا جَائِزٌ، بَلْ هُوَ مِنَ الْبِرِّ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ سُبْحَانَهُ. قال جل وعلا: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
اللهم اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ
المرفقات
1766661159_خالفوا اليهود والنصارى.docx
1766661160_خالفوا اليهود والنصارى.pdf