خطبة استسقاء مؤثرة عن تعظيم الله وفضله ورحمته وفضل الاستغفار
فهد فالح الشاكر
الحمدُ للهِ العَظيمِ الجليلِ، الكَريمِ المنّانِ، واسِعِ الرَّحمَةِ، جَزيلِ العَطاءِ، الذي خَلَقَ فَسَوّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وأغدَقَ على عِبادِهِ النِّعَمَ ظاهِرَةً وَباطِنَةً، نَحمَدُهُ سُبحانَهُ وَنَشكُرُهُ على آلائِهِ وَنِعَمِهِ، وَنَسأَلُهُ المَزيدَ مِن فَضلِهِ وَكَرَمِهِ.
وأشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَه، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ، وَهوَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، وَأشهَدُ أنَّ مُحَمّدًا عبدُهُ وَرَسولُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وَعلى آلِهِ وَصَحبِهِ أجمعين، وَمَن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يَومِ الدِّين.
أمّا بعدُ، عِبادَ اللهِ:
سُبحانَ مَن عَظُمَ سُلطانُهُ، وَاتَّسَعَ مُلكُهُ، وَجَلَّت قُدرَتُهُ، وَكَمُلَ عِلمُهُ، وَشَمَلَ لُطفُهُ، وَعَمَّت رَحمَتُهُ، لا يُعجِزُهُ شَيءٌ فِي الأرضِ وَلا فِي السَّماءِ، أَمرُهُ بالكافِ وَالنّونِ، إِذا أَرادَ شَيئًا قالَ لَهُ كُن فَيَكونُ.
هُوَ الأوَّلُ فَلا شَيءَ قَبلَهُ، وَالآخِرُ فَلا شَيءَ بَعدَهُ، وَالظّاهِرُ فَلا شَيءَ فَوقَهُ، وَالباطِنُ فَلا شَيءَ دُونَهُ، يَعلَمُ خائِنَةَ الأَعيُنِ وَمَا تُخفِي الصُّدورُ، وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ عِلمًا وَرَحمَةً وَحِكمَةً وَقُدرَةً.
سُبحانَ مَن خَضَعَت لَهُ الرِّقابُ، وَذَلَّت لَهُ الجِباهُ، وَسَجَدَ لَهُ كُلُّ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوعًا وَكَرهًا، وَسَبَّحَهُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ وَالمَلائِكَةُ مِن خِيفَتِهِ، لا تُحصى نِعَمُهُ، وَلا تُدرَكُ عَظَمَتُهُ، وَلا يُرَدُّ قَضاؤُهُ، وَلا يُعقَّبُ حُكمُهُ.
سُبحانَ مَن يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ وَيَقدِرُ، وَيُحيي وَيُمِيتُ، وَيَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا، وَيُبدِّلُ السَّيِّئاتِ حَسَناتٍ، لا يُرَدُّ لَهُ دُعاءٌ، وَلا يَخيِّبُ مَن رَجاهُ، وَلا يَضيعُ مَن لاذَ بِحِماهُ.
سُبحانَ مَن يُطاعُ فَيُشكَرُ، وَيُعصى فَيُغفَرُ، وَيُنادَى فيستجيب، وَيُرجى فَلا يُخيِّبُ الرَّجاءَ، لَهُ الحَمدُ مِلءَ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَمَا بَينَهُمَا، وَمِلءَ مَا شاءَ ربُنا مِن شَيءٍ بَعد، لَهُ الحَمدُ عَدَدَ خَلقِهِ، وَزِنَةَ عَرشِهِ، وَمِدادَ كَلِماتِهِ.
سُبحانَ مَن سَجَدَت لِعَظَمَتِهِ الجِباهُ، وَخَضَعَت لَهُ الرقاب، وَتَهاوَت لِعِزَّتِهِ الجِبالُ وَالصَّلباءُ، يَا مَن رَحمَتُهُ وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ، وَجُودُهُ عَمَّ كُلَّ حَيٍّ، يَا واسِعَ المَغفِرَةِ، يَا عَظيمَ المِنَّةِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ.
يَا رَبَّنَا، مَا أَعظَمَكَ وَمَا أَكرَمَكَ وَمَا أَرحَمَكَ! تَفتَحُ لِعِبادِكَ أَبوابَ السَّماءِ إِذا ضاقَت بِهِمُ الأَرضُ، وَتَغفِرُ لِمَن تابَ وَلَو بَعدَ طُولِ عِنادٍ، وَتُكرِمُ مَن دَعاكَ وَلَو بَعدَ غَيابٍ، فَسُبحانَكَ مَا أَكرَمَكَ! سُبحانَكَ مَا أَرحَمَكَ! سُبحانَكَ مَا أَعظَمَكَ!
عِبادَ اللهِ:
لَقَد أَجدَبَتِ الأَرضُ، وَتَأَخَّرَ المَطَرُ، وَجَفَّتِ العُيونُ، وَذَبُلَ الزَّرعُ
وَها أَنتُم خَرَجتُم وَوَقَفتُم بَينَ يَدَيِ اللهِ تَستَغيثونَهُ، وَتَسأَلونَهُ الغَيثَ وَالرَّحمَةَ، وَتَرجونَ كَرَمَهُ وَجودَهُ، فَإِنَّ رَبَّكُم سُبحانَهُ عَظيمٌ فِي قَدرِهِ، كَريمٌ فِي عَطائِهِ، رَحيمٌ بِعِبادِهِ، إِذا أَقبَلوا عَلَيهِ أَقبَلَ عَلَيهِم، وَإِذا استَغفَروهُ غَفَرَ لَهُم، وَإِذا سَأَلوهُ أَعطاهُم، وَإِذا دَعَوهُ أَجابَهُم.
قالَ تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾
وقالَ سُبحانَهُ:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾
إِنَّ تَأَخُّرَ الغَيثُ لَيسَ إِلَّا تَذكِيرًا وَتَنبِيهًا لِنَرجِعَ إِلى رَبِّنَا بِالتَّوبَةِ وَالاستِغفَارِ، فَإِنَّ الذُّنوبَ سَبَبٌ لِرَفعِ النِّعَمِ، وَالطَّاعَةَ سَبَبٌ لِجَلبِها.
قالَ تَعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾
وَمَا أَعظَمَ قَولَ نَبِيِّ اللهِ نُوحٍ عَلَيهِ السَّلامُ:
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾
فَانظُروا كَيفَ جَعَلَ اللهُ الاستِغفَارَ مِفتاحًا لِلغَيثِ، وَبَابًا لِلرِّزقِ، وَسَبَبًا لِلبَرَكَةِ وَالخَيرِ.
فَمَن أَكثَرَ مِنَ الاستِغفَارِ، وَصَدَقَ فِي تَوبَتِهِ، وَأخلَصَ فِي دُعائِهِ، فَتَحَ اللهُ لَهُ أَبوَابَ رَحمَتِهِ، وَأَغدَقَ عَلَيهِ مِن بَرَكَاتِهِ.
فَيَا مَن ضَاقَت أَرضُهُ وَيَبِسَ زَرعه، وَيَا مَن جَفَّ ماؤُهُ وَقَلَّ رِزقُهُ، ارجِع إِلى اللهِ، وَأَكثِر مِن قَولِكَ: أَستَغفِرُ اللهَ وَأَتوبُ إِلَيهِ، فَبِها تُفرَّجُ الكُروبُ، وَتُمحَى الذُّنوبُ، وينزل الغيث.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنتَ غَفَّارًا، فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغَيثَ وَلا تَجعَلنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسقِ عِبادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانشُر رَحمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا، وَإِن لَم تَغفِر لَنَا وَتَرحَمنَا لَنَكونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ.
اللَّهُمَّ اجعَل مَا تُنزِلُهُ عَلَينَا قُوَّةً لَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَبَلاغًا إِلى حِينٍ، وَسُقيَا رَحمَةٍ لا سُقيَا عَذَابٍ وَلا بَلاءٍ وَلا هَدمٍ وَلا غَرَقٍ.
عباد الله:
وفي ختام هذه الاستسقاء، يُسنُّ أن يُحوِّل الإمامُ رداءه، ويُقلِب الناسُ أرديتَهم، اقتداءً بالنبيِّ ﷺ حين قلب رداءه في الاستسقاء، رجاءً أن يُغيِّرَ اللهُ حالَنا من الجَدبِ إلى الخِصب، ومن القَحطِ إلى الغيث، ومن الشِّدَّةِ إلى الفَرَج.
فلعلَّ اللهَ أن يقلبَ حالَنا إلى خيرٍ وبركةٍ ورحمةٍ، إنَّهُ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، وبالإجابةِ جَدير.
وصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ
المرفقات
1762973873_خطبة استسقاء مؤثرة عن تعظيم الله وفضله ورحمته وفضل الاستغفار .pdf