خطبة استسقاء 1447هـ مشكولة ومختصرة ( وورد - pdf )
محمد بن سليمان المهوس
« خطبة استسقاء 1447هـ »
محمد بن سليمان المهوس /جامع الحمادي بالدمام
1447/5/22
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة : 21 - 22]
فِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَأْمُرُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلاَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِمَا خَلَقَهُمْ لَهُ وَهُوَ عِبَادَتُهُ وَتَوْحِيدُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [ الذاريات : 56 ] فَهُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ لِهَذِهِ الْغَايَةِ النَّبِيلَةِ، وَهُوَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِنِعَمٍ عَظِيمَةٍ، مِنْهَا: إِنْزَالُ الْغَيْثِ، كَمَا جَاءَ فِي الآيَةِ: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ ﴾ فَإِنْزَالُ الْغَيْثِ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ، فَالأَرْضُ تَحْيَا وَتَزْدَانُ، وَيَفْرَحُ النَّاسُ بِهِ وَالأَنْعَامُ، وَهُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ الرَّحِيمِ بِعِبَادِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الروم: 48 -50].
وَانْحِبَاسُ الْغَيْثِ مِنْ أَعْظَمِ النِّقَمِ، فَبِانْحِبَاسِهِ تَجِفُّ الآبَارُ، وَيَحْصُلُ الْقَحْطُ فِي الدِّيَارِ، وَتَتَقَلَّبُ الأَبْصَاُر يَمِينًا وَشِمَالاً، وَتُرْفَعُ الرُّؤُوسُ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَتَّجِهُ الْعُيُونُ إِلَى الآفَاقِ، نَاظِرَةً إِلَى الْبَرْقِ، تَنْتَظِرُ الْغَيْثَ، وَتَرْجُوا مِنَ اللهِ أَنْ يُغَيِّرَ أَحْوَالَهُمْ وَأَحْوَالَ بِلاَدِهِمْ مِنْ جَدْبٍ وَقِلَّةِ مَرْعًى وَمَاءٍ ، إِلَى غَيْثٍ وَسُقْيَا خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ وَنَمَاءٍ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنُزُولِ الْغَيْثِ، وَحُصُولِ الْبَرَكَةِ أَسْبَابٌ مِنْهَا:
صِدْقُ التَّوْبَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَالإِقْبَالُ عَلَيْهِ، وَالبُعْدُ عَنْ كُلِّ أَمْرٍ يُغْضِبُهُ، وَمُحَاسِبَةُ الـمَرْءِ نَفْسَهُ أَنْ لاَ يَكُونَ سَبَبًا فِي مَنْعِ القَطْرِ عَنِ العِبَادِ وَالبِلاَدِ وَالبَهَائِمِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].
وَمِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ الْغَيْثِ وَحُصُولِ الْبَرَكَةِ: تَقْوَى اللهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ جَامِعَةٌ لِلْخِيْرِ كُلِّهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 3].
وَمِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ الْغَيْثِ وَحُصُولِ الْبَرَكَةِ: مُدَاوَمَةُ الاسْتِغَفَارِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلامُ - : ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [ نوح : 10 – 12 ]
وَمِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ الْغَيْثِ وَحُصُولِ الْبَرَكَةِ: حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ وَتَعْظِيمُ الرَّجَاءِ فِيهِ سُبْحَانَهُ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ لَيَضْحَكُ مِنْكُمْ أَزِلِينَ بقُرْبِ الْغَيْثِ مِنْكُمْ»، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَاهِلَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ إِنَّ رَبَّنَا لَيَضْحَكُ ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: فَوَاللَّهِ، لاَ عَدِمْنَا الْخَيْرَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ» [حَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَمِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ الْغَيْثِ وَحُصُولِ الْبَرَكَةِ: الإِحْسَانُ لِلْخَلْقِ بِبَذْلِ النَّدَى وَكَفِّ الأَذَى؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56].
وَمِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ الْغَيْثِ وَحُصُولِ الْبَرَكَةِ: مُلازَمَةُ الدُّعَاءِ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، مَعَ دَوامِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
وَقَالَ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا دَخَلَ الْبَحْرَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: صَاحِبُ الجُودِ وَالكَرَمِ،عَظِيمُ الإِحْسَانِ وَالْمَنِّ وَالعَطَاءِ؛ يَفْتَحُ رَحْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا﴾ [ فاطر : 2 ]
فَأَقْبِلُوا عَلَى رَبِّكُمْ خَاضِعِينَ، وَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ دَاعِينَ مُسْتَغْفِرِينَ؛ فَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ، وَيُصْلِحُ أَحْوَالَ الْعِبَادِ أَجْمَعِينَ.
ارْفَعُوا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ، وَادْعُوا وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ؛ فَرَبُّكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى، وَنِعْمَ الْمُرْتَجَى، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَكْرَمُ الأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ.
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا، طَبَقًا مُجَلِّلاً عَامًّا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلاً غَيْرَ رَائِثٍ، اللَّهُمَّ تُحْيِي بِهِ الْبِلاَدَ، وَتُغِيثُ بِهِ الْعِبَادَ، وَتَجْعَلُهُ بَلاَغًا لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ.
اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لاَ سُقْيَا عَذَابٍ وَلاَ هَدْمٍ وَلاَ غَرَقٍ.
اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبِلاَدَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ ؛ اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلاَدِ مِنَ اللأْوَاءِ وَالْبَلاَءِ مَا لاَ نَشْكُوهُ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِّرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ ؛ اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، فَلاَ تَمْنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضْلَكَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَآمِنَّا مِنَ الْخَوْفِ، وَلاَ تَجْعَلْنَا آيِسِينَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَطْفَالَ الرُّضَّعَ، وَالشُّيُوخَ الرُّكَّعَ، وَالْبَهَائِمَ الرُّتَّعَ، وَارْحَمِ الْخَلاَئِقَ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ وَسِّعْ أَرْزَاقَنَا، وَيَسِّرْ أَقْوَاتَنَا، وَأَصْلِحْ أَحْوَالَنَا وَأَحْوَالَ إِخْوانِنَا الْمُسْلِمِينَ.
عِبَادَ اللهِ : أَكْثِرُوا الاسْتِغْفَارَ وَالدُّعَاءَ، وَتَأَسَّوْا بِنَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْمَقَامِ بِقَلْبِ الرِّدَاءِ، تَفَاؤُلاً بِتَغَيُّرِ الأَحْوَالِ، وَنُزُولِ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ.
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ، فَيُغِيثَ الْقُلُوبَ بِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَالْبَلَدَ بِإِنْزَالِ غَيْثِهِ وَرَحْمَتِهِ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
1762848309_خطبة استسقاء 1447هـ.doc
1762848323_خطبة استسقاء 1447هـ.pdf