خطبة استسقاء 1447 هـ
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا، فَهِيَ وَصِيَّتُهُ تَعَالَى لِلْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.
لِنَلْزَمْ - رَحِمَكُمُ اللهُ - تَقْوَى اللهِ فِي أَنْفُسِنَا، لِنَلْزَمْ تَقْوَى اللهِ فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا، لِنَتَّقِ اللهَ فِي سِرِّنَا وَجَهْرِنَا، وَفِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا، وَفِي أَهْلِنَا وَأَوْلَادِنَا وَمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِنَا، لِنَتَّقِ اللهَ فِي عِبَادَاتِنَا وَمُعَامَلَاتِنَا، وَفِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا.
الْزَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - تَقْوَى اللهِ؛ فَفِيهَا خَيْرُ دُنْيَاكُمْ وَأُخْرَاكُمْ، الْزَمُوا تَقْوَى اللهِ فَفِيهَا الحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ؛ فِيهَا تَنْفِيسُ الكُرُوبِ، وَتَفْرِيجُ الهُمُومِ، وَتَيْسِيرُ الأُمُور، وَسَعَةُ الرِّزْقِ، وَمَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق 2ـ3] وَقَالَ:{وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}[الطلاق4] وَقَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً}[الطلاق 5]
عِبَادَ اللهِ: وَإنَّ مِنْ أَعْظَمِ الكُرُوبِ، يَوْمَ أَنْ تَقِلَّ الأَمْطَارُ، وَتُجْدِبَ الدِّيارُ، وَتَغُورَ مِيَاهُ الأَرْضِ؛ فَبِالمَاءِ حَيَاةُ المَخْلُوْقَاتِ، وَبِفَقْدِهِ تُفْقَدُ الحَيَاةُ.
وَقَدْ قَلَّتِ الْأَمَطَارُ فِي دِيَارِنَا؛ فَلْنُرَاجِعْ أَنْفُسَنَا، وَلْنَتَنَبَّهْ مِنْ غَفْلَتِنَا، وَلْنَعْلَمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنِ اِسْتَقَامُوا عَلَى دِينِهِ أَصْلَحَ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ؛ كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَلَا :{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}[الأعراف96]
أَمَّا إِنْ أَعْرَضَ النَّاسُ عَنِ اللهِ، وَتَجَاوَزُوا حُدُودَ اللهِ، وَتَجَرَّؤُوا عَلَى حُرُمَاتِهِ؛ أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ العُقُوبَاتِ مَا أَصَابَهُمْ؛ مِنَ الضِّيقِ وَالضَّنْكِ وَالشِّدَّةِ، وَهُمْ مُتَوَعَّدُونَ فِي الآخِرَةِ بِالعَذَابِ الأَشَدِّ.
إِذَا أَعْرَضُوا عَنِ اللهِ وَتَعَرَّضُوا لِغَضَبِهِ؛ فَلَا يَأْمَنُوا أَمْرَاضًا وَأَوْبِئَةً تَظْهَرُ فِيهِمْ، وَتَفْتِكُ بِصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ.
لَا يَأْمَنُوا قَحْطًا فِي دِيَارِهِمْ، وَجَدْبًا فِي أَرْضِهِمْ، وَمَحْقًا فِي أَرْزَاقِهِمْ، وَفَسَادًا فِي زُرُوْعِهِمْ؛ قَالَ تَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم 41]
أَلَا فَلْنَرْجِعْ إِلَى اللهِ؛ وَلْنُبَادِرْ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ إِلَى اللهِ، وَلْنُكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ؛ يَجْعَلِ اللهُ لَنَا مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا؛ فَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِقَومِهِ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[ 10 ــ 12 نوح] وَقَالَ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}[ هود52]
وَقَالَ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَومِهِ: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[النمل 46] وَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال 33] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: [كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاسْتِغْفَارُ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَ الاِسْتِغْفَارُ]
فَمَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا لِكَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ، وَلِلتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ النَّصُوحِ؛ الَّتِي يَغْفِرُ اللهُ بِهَا الذُّنُوبَ، وَيَسْتُرُ بِهَا العُيُوبَ، وَيَرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتِ، وَيُعْطِي جَزِيلَ الهِبَاتِ.
إِنَّنَا فِي أَمَسِّ الحَاجَةِ، وَأَشَدِّ الضَّرُوْرَةِ؛ لِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ؛ فَاللهُ تَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَينِ.
فَارْفَعُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَيْدِيَكُمْ، وَأَلِحُّوا فِي دُعَائِكُمْ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة186]
اللهُمَّ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ، أنت القّوِيُّ وَنَحْنُ الضُّعَفَاءُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ حَاجَتَنَا، وَقِلَّةَ الْأَمْطَارِ عَلَى دِيَارِنَا، نَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَنَا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِحَالِنَا، نَرْجُو رَحْمَتَك وَأَنْتَ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا؛ نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، البَرُّ الرَّحِيمُ؛ نَسْتَغِيثُكَ وَقَدْ أَجْدَبَتْ أَرْضُنَا، وَقَلَّ الغَيثُ عَلَى دِيَارِنَا؛ وَأَنْتَ مَنْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ، نَدْعُوكَ وَأَنْتَ مَنْ يَكْشِفُ الضُّرَّ وَيُجِيبُ المُضْطَرَّ.
اللهم إنا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا؛ فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.
اللهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا، اللهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا، اللهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا. اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً هَنِيْئاً مَرِيئاً غَدَقاً، سَحَّاً طَبَقاً، عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ، اللهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبِلَادَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ.
اللهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللهمَّ أنْزِلْ عَلَينَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء، وَاجْعَلْ مَا أنْزَلْتَهُ قوةً لَنَا عَلَى طَاعَتِكَ وَبَلَاغاً إلى حِينٍ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.
اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتجدون هذه الخطبة وغيرها على قناة التليجرام (احرص على ما ينفعك)
https://t.me/benefits11111/2980
المرفقات
1762862328_خطبة استسقاء 1447.pdf
1762862344_خطبة استسقاء 1447.doc