خطبة الاستسقاء مع الدعاء

الشيخ محمد الوجيه
1447/05/21 - 2025/11/12 23:22PM

خطبة الاستسقاء مع الدعاء

الحمد لله واهب النعم، ورافع النقم، مجيب السائلين، وغافر ذنب المذنبين. نحمده حمداً يسع الأرض والسماء، ويملأ ما بين الظلمة والضياء.

أشهد أن لا إله إلا الله، شهادةً ترفع المُذنب التائب، وتُحيي القلب الذائب.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي جاء بالهدى، ودعا إلى الصلاح والرضا. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته الكرام، ما أشرق صبحٌ، وغاب ليلٌ، وسال سيلٌ.

أما بعد أيها الخاشعون المتضرعون:
خرجنا إليك يا مولانا، خروجاً يكسوه الذلُّ لا العِزُّ، وتُخالطه الرهبةُ لا الجُرأةُ. جئنا بقلوبٍ فزِعةٍ، ونفوسٍ مُوجَعةٍ، وأبدانٍ مُتعَبةٍ، نرفع أكُفَّ الرجاء إلى مَن بيده المنعُ والعطاءُ، وبأمره الشدةُ والرخاءُ.

يا عباد الله، إن السماء لم تمنع قطرها بخلاً، حاشا وكلا! بل منعته بسبب تَقصيرِنا وإسرافِنا، وبخسِنا وإجرامِنا.
فذنوبُنا هي الغشاوةُ على بصرِ السماء، وهي القيدُ الثقيلُ الذي كبَّلَ يدَ العطاء.
ولكن، ما أعظم رحمة الله! لقد أشار لنا إلى المخرج، ووصف لنا العلاج الشافي؛ هو دواء الاعترافِ والتوبةِ والإنابةِ.

تأملوا في قول نوح عليه السلام لقومه، وهو يضع يده على سرِّ الخير:
> ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾

فالاستغفارُ هو مفتاحُ الأقفالِ، وهو جلاءُ الكدَرِ، وهو رَواءُ الفؤادِ قبلَ رَواءِ الوادي!
إن عمر رضي الله عنه لم يطلب الغيث بغير هذا الدواء، فقد أيقن أن الاستغفار الصادق هو أبلغ من أي دعاءٍ يخلو من التوبةِ والندمِ.

يا أيها المتجمعون تحت سمائكم القاحلة!
تذكروا ضعفكم، وتوسلوا إلى الله بحال من لا يملك حولاً ولا قوة:
توسلوا بـ دمعةِ الطفلِ الذي لا يعرفُ الذنبَ.
توسلوا بـ خفقانِ قلبِ الشيخِ الذي أضناهُ الوقوفُ والطَّلَبُ.
توسلوا بـ أنينِ البهيمةِ التي يبستْ مراعيها، وضاعتْ مساعيها.

لقد خرجنا كما أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم: بـ خشوعِ الثيابِ قبل خشوعِ الأبدانِ، وبلُغةِ الذُلِّ لا لغةِ الشكوى.
فلنجعل هذه اللحظة، تحولاً في مسارِ القلوبِ قبل تحولِ الرياحِ والسُحُبِ.

ها نحن نقوم بما قام به نبيكم، تحويل الرداء تفاؤلاً بأن يحوِّل الله حالنا من الجفافِ إلى الإنقاذِ، ومن البؤسِ إلى الأنسِ.

اللهم إنا نعترفُ بتقصيرنا، ونُقِرُّ بذنوبنا، ونرجو رحمتك التي وَسِعتْ كلَّ شيءٍ.
فـما خابَ من استغفَرَ وتابَ، ولا أجدبَ مَن رجا ربَّ الأربابِ.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً.
اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً مريعاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل.
اللهم اسقِ عبادك، وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحيِ بلدك الميت.
اللهم يا واسعَ الجودِ والكرمِ، ويا ذا العظمةِ والعِصَمِ،
اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيتَ به أجبتَ، أن تسقينا سُقيا رحمةٍ لا سُقيا عذابٍ، سُقيا إغاثةٍ لا سُقيا هدمٍ ولا غرقٍ.
اللهم إنا نطرق بابك بغير زادٍ إلا التوبة، وبغير حيلة إلا الرجاء.
أنت الغنيُ فمن سواك يُرجَى؟ وأنت القويُ فمن دونك يُعطِي؟
اللهم إنا استجرنا بكَ من حُرِّ القحطِ، ومن لَظَى الجفافِ،
ونزلنا بساحتِك الكريمةِ، فـ يا مَن يُلجأُ إليهِ كلُّ محزونٍ، و يا مَن يُستغاثُ بهِ كلُّ مكروبٍ!
اللهم إن قلوبنا تتصدعُ من منظرِ الأرضِ المُتَفطِّرةِ، وضميرنا يتألمُ لحالِ الطيرِ المُحترقِ عطشاً،
فـ تولَّنا برحمتِكَ، و أَجِرْنا بعظمتِكَ، و أَغِثْنا بجودِكَ وكرَمِكَ.
اللهم لا تَرُدَّ جمعَنا هذا لـ سُوءِ أعمالِنا، ولا تُحاسبنا بـ غفلةِ قلوبِنا.
واجعل دمعةَ المُتذللِ فينا سَيلاً يُفجِّرُ الغيثَ في أرضِنا.
اللهم إنا دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا!
اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! اللهم أغثنا!
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1762978921_مستند بلا عنوان.pdf

1762978933_مستند بلا عنوان.pdf

المشاهدات 257 | التعليقات 0