خُطبَةُ الاستِسقَاءِ 1447 هـ
رمضان صالح العجرمي
1447/05/21 - 2025/11/12 20:10PM
خُطبَةُ الاستِسقَاءِ 1447 هـ
•الحمد لله، مجيب من دعاه، ومن سأله أعطاه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له جل في علاه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه، صلَى الله وسلمَ وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه واتبع سبيله بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصيته للأولين والآخرين من خلقه، وهي سبب لفتح خزائن رحمته، ولا يُنال ما عند الله إلا بتقواه، واتباع رضاه، فتقوى الله تعالى فيها الفوز والفلاح: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ الله، فَإِنَّ رَحمَةَ الله تعالى لا حدَّ لها، ولا أحَدٌ يستطيعُ أن يُحصِيهَا؛ فهِيَ وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ؛ كما قال تعالى: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}، وقال تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ}، وقال تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}
•وقد كتبها الله تعالى على نفسه؛ كما قال تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ}، وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
•وَرَحمَتُهُ سُبحَانَهُ وتعالى تَسبِقُ غَضَبه؛ ففي صحيح البخاري عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهو مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ.))
•وما يتراحَمُ به جميعُ الخلقِ هو جزءٌ واحدٌ من مائة جزء من رحمة الله تعالى؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ؛ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.)) ، وفى رواية: ((حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها؛ خشيةَ أن تصيبه)).
•وتأمل: إلى عِظَمِ وسِعَةِ رحمة الله تعالى، فهو أرحم بنا من أنفسنا، وأرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا؛ وبالمثال يتضح المقال؛ ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قَدِمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ، إذَا وجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ؟))، قُلْنَا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى أنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: ((لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا))، وهذا حماد بن سلمة يدخل على سفيان الثوري في مرضه، فقال سفيان: "أترى أن الله يغفر لمثلي؟" فقال حماد: "والله لو خُيِّرت بين محاسبة الله إياي، وبين محاسبة أبويَّ، لاخترت محاسبة الله؛ وذلك لأن الله أرحم بي من أبويَّ".
•فإذا أراد الله تعالى بأهل الأرض خيرًا، نشر عليهم أثرًا من آثار رحمته؛ فعمَّر به البلاد، وأحيا به العباد، وإن أراد بهم شرًّا، أمسك عنهم ذلك الأثر؛ فحلَّ بهم من البلاء بحسب ما أمسك عنهم من الرحمات.
•واعلموا، يا عباد الله: أن لهذه الرحمات أسبابٌ جالبة، وأسبابٌ مانعة؛
1- فمنها: طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
2-ومنها: تقوى الله عز وجل؛ كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}
3- ومنها: الرحمة بالعباد والشفقة عليهم؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ؛ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ.))؛ [رواه الترمذي، وأبو داود]؛ بل إن الرحمة - حتى بالحيوان - سبب من أسباب رحمة الله تعالى؛ وتأمل إلى هذه المرأة البغي والتي لم تعمل خيرًا قط، وهذا الرجل الذي كان يمشي في فلاة، فوجد كلبًا يلهث من العطش؛ وفي الحديث: ((وفي كل ذات كبد رطبة أجر)).
•وأما القسوة بالعباد وعدم الرحمة بهم، فسببٌ لكل شر وبلاء، وغياب للرحمة من السماء؛ كما في الحديث الصحيح: ((مَنْ لا يَرْحَمْ الناسَ، لا يَرْحَمْهُ اللهُ عزَّ وجلَّ)).
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ الله، وإن من أعظم مظاهر رحمة الله تعالى نعمة نزول الأمطار؛ كما قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}، وقال تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}
•ومن مظاهر رحمته سبحانه وتعالى أنه تكفَّل بقسمتها على عباده؛ كما قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}، قال ابن كثير رحمه الله: "أي أمطرنا هذه الأرض دون هذه، وسقنا السحاب يمر على الأرض، ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى؛ فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقا، والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة."
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس عام بأكثر مطرا من عام؛ ولكن الله يصرفه كيف يشاء، ثم قرأ هذه الآية: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا}
•فلن تستطيع قوة بشرية أن تحبس رحمة الله تعالى بالعباد إذا أرادها، أو تُرسِلَها إذا أمسَكَهَا؛ قال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
•ومن رحمته سبحانه وتعالى أنه جعل للأمطار أسبابًا تُستَنزَلُ بها، ومفاتيح لهذه الرحمات؛ فمن طلبها وجدها، ومن أخذ بأسباب الحصول عليها نالها، وحصل عليها في أي مكان وزمان؛ ومن هذه الأسباب التي تُستمطر بها الرحمات:
1- الخروج إلى الخلاء؛ لصلاة الاستسقاء؛ ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ, فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، فَخَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدَبَ دِيَارِكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَدْعُوَهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ)) ثُمَّ قَالَ: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ)) ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبِلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً، فَرَعَدَتْ، وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: ((أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.))
•أيها المسلمون، عباد الله: إن ربكم جل وعلا بيده ملكوت كل شيء، وهو الغني الحميد، يرزق من يشاء بغير حساب، وينزل الغيث من السماء؛ قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}
2- ومنها: الإكثار من الدعاء، والتضرع واللجوء إلى الله تعالى؛ فإن ربكم سبحانه وتعالى كريم العطاء، يحب أن يلجأ إليه عبادُه بالدعاء، وصدقِ الرجاء، فيفتحُ لندائهم أبواب السماء، ويكشفُ ضرهم، ويرحمُهم.
•وإنكم قد شكوتم جَدَبَ الديار، وانحباس الأمطار عن البلاد، وتأخر نزوله عن الحرث والزروع والثمار، وإن الله تعالى ما ابتلاكم بذلك إلا لتُقبِلُوا عليه، وتلجأوا إليه، فابتهلوا إليه ضارعين مخبتين، وادعوه وألحوا في الدعاء، فإن الله يحب الملحين في الدعاء؛ كما قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وقال تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيءٌ أكرمُ على الله من الدعاء.))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ.)) [رواه الترمذي.]
3- ومنها: التوبة إلى الله تعالى؛ فإن الذنوب سبب لغياب الأمطار؛ قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، وكان الحسن رحمه الله، إذا رأى السحاب قال: "في هذا والله رزقكم، ولكنكم تحرمونه بخطاياكم وذنوبكم."
•وإن الله تعالى لم يكن مُغيِّرًا نعمةً أنعمها على قوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم، وإنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا يُرفع إلا بالتوبة، فتوبوا إلى الله تعالى، واستقيموا على أمره؛ فإن ذلك من أسباب نزول الأمطار، وسعة الأرزاق؛ قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً}
•ومن صور التوبة: التوبة من المكاسب غير الطيبة؛ لأن الكسب الحرام يمنع من إجابة وقبول الدعاء، ويحول بين العباد وبين ربهم، ولو أتوا بجميع آداب الدعاء، وتحرَّوا جميعَ أوقاتِ إجابة الدعاء؛ ففي صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}، وقالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثُمَّ ذَكَرَ: الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ.؟!))؛ ولذلك قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لسعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، عندما سأله أن يكون مُستَجابَ الدَّعوةِ: ((يا سعدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ.))
4- ومنها: كثرة الاستغفار، إلى الله العزيز الغفار؛ فإنه من أعظم أبواب تنزل الرحمات، ونزول الأمطار؛ قال تعالى: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
•وقد حث الأنبياء عليهم السلام أقوامهم على الاستغفار، وبينوا حميد عاقبته، وحسن ثمرته؛ فقال سبحانه حاكيا عن هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}، وقال نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}
قال البغوي رحمه الله: "وذلك أن قوم نوح لما كذبوه زمانًا طويلا حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فهلكت أموالهم ومواشيهم، فقال لهم نوح: استغفروا ربكم من الشرك، أي استدعوا المغفرة بالتوحيد، يرسل السماء عليكم مدرارا."
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن لزِمَ الاستغفار جعلَ اللهُ لَهُ من كل ضِيقٍ مَخرَجا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجا، ورَزَقَهُ من حيث لا يَحْتَسِبُ.))؛ [رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وضعَّفه الألباني]
ورُوِيَ أن عمر رضي الله تعالى عنه: خرج يستسقي بالناس، فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فقيل له: ما سمعناك استسقيت؟ فقال: طلبت الغيث [بمجاديح] السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا}
5- ومنها: تقوى الله تعالى؛ فإن مِفتَاحَ بركاتِ السماءِ، وخيراتِ الأرضِ تقوى اللهِ عز وجل؛ كما قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ..}
•عباد الله، لقد كان من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قلب الرداء حينما استسقى، واستقبل القبلة، ودعا ربه، وأطال الدعاء، فتأسوا به، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، عسى ربكم أن يرحمكم، فيغيث قلوبكم بالرجوع إليه، وبلادكم بإنزال الغيث عليه.
•اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثًا مغيثاً، هنيئًا مريئًا، طبقًا مجللًا، سحًا عامًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل.
•اللهم تحي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد.
•اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق.
•اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت.
•اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين.
•اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
•اللهم اسقنا الغيث، وآمنا من الخوف، ولا تجعلنا آيسين، ولا تهلكنا بالسنين.
•اللهم يا من وسعت رحمته كل شيء، ارحم الشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع، وارحم الخلائق أجمع، برحمتك يا أرحم الراحمين.
•سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل، هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام:
https://t.me/khotp
رمضان صالح العجرمي
عضو نشط.
تعديل التعليق