(خطبة) الذكاء الاصطناعي ماله وما عليه
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( الذكاء الاصطناعي ماله وما عليه ) 30/1/1447
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلّمه البيان، وسخّر له ما في الأرض وما في السماء، نحمده ونشكره ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله:
أوصيكم ونفسي المقصّرة بتقوى الله تعالى، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131].
أيها المؤمنون:
لقد أكرم الله الإنسان بالعقل، وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلًا، وسخّر له الكون وسنَّ له الأسباب، ومكّنه من علوم كثيرة، حتى وصل في عصرنا إلى ما يُعرف اليوم بـ"الذكاء الاصطناعي"، وهو أحد أعظم ما وصلت إليه البشرية من أدوات العلم.
فهذا الذكاء الاصطناعي ليس إلا نتيجة لعلم أودعه الله في عباده، قال تعالى: ﴿عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 5]، وقال: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 76].
فمن استخدم هذه النعمة في الخير فقد شكر النعمة، ومن استخدمها في الشر فقد كفرها، وكان سببًا في نشر الفساد.
وإن من نعم الله أن سخّر لنا هذه التقنية، فدخلت في الطب لعلاج الأمراض، فبه يتطور الطب ، فعلى الأطباء أن يسخروا هذه النعمة في نفع البشرية ، ويستخدم في العلم والتعليم ، فيستخدمه العلماء وطلاب العلم ، لنشر العلم واستخراج المسائل ، وفي خدمة القرآن والحديث. نرى اليوم برامج تُعلّم أحكام التجويد، وتفسّر آيات القرآن، وتُيسر العلم الشرعي للصغار والكبار.
لكن، أيها الأحبة، كما أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم في الخير، فإنه قد يُستخدم في الشر: في تزييف الأصوات والصور، ونشر الفواحش، وصناعة الأسلحة، ومراقبة الناس ظلمًا، والتلاعب بالعقول.
قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾ [الجاثية: 13]، وقال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36].
ولنحذر من استخدامه في نشر الكذب ، والبهتان ، ورمي أعراض الناس ، فهذا من الشر المستطير ، وكذلك انتحال الشخصيات ، وعمل الدعايات المضللة والتجارية بصور وأشخاص منتحلة ، فهذا من الزور ، وغيرها من وسائل الاحتيال واللعب على الناس .
فعلينا أن نُحسن استخدام هذه النعمة، وأن نوجّه أبناءنا وطلابنا ومن حولنا إلى استثمار الذكاء الاصطناعي في نشر الدين والدفاع عنه ، وكشف شبهات الأعداء ، و فيما يُرضي الله، ويحفظ الدين والمجتمع.
نسأل الله أن يبصّرنا بما ينفعنا، وأن يجعل علمنا حجة لنا لا علينا، إنه سميع مجيب. ، أقول قولي هذا ................
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده على نعمه الظاهرة والباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا عباد الله:
الذكاء الاصطناعي باب واسع من أبواب القوة المعرفية، وهو من أدوات العصر، وعلينا أن نتعامل معه بميزان الشريعة والعقل، لا بميزان الهوى والمصلحة المجردة.
إن استخدام الذكاء الاصطناعي في الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام، وخدمة القرآن، وتعليم الناس، وتقريب العلم، لهو من أعظم أبواب الخير، وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود عقبة بن عامر البدري قال ﷺ: "من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله"
وقد وُجدت تطبيقات تُفسر آيات القرآن، وتعلّم الأطفال أحكام التجويد، وتنشر السنن النبوية بلغات شتى، وكلها أمثلة على توجيه التقنية لما يُرضي الله.
لكن في المقابل، هناك من يوظف هذه النعمة في صناعة الفتن، ونشر الفجور، والتجسس، وتزييف الأخبار، والتضليل الفكري والعقدي ، وهذه استخدامات فاسدة يجب أن نستنكرها، ونحذر منها.
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56]، أخرج مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله قال النبي ﷺ: "من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"
فاحذر يا عبد الله أن تكون من الذين يسخرون ذكاءهم في معصية الله أو إيذاء خلقه، واحرص أن يكون علمك وتقنيتك في ميزان حسناتك.
وإن من استخداماته الخاطئة ، جعله مفتيا يستفتيه في كل شيء ، ومصلحا اجتماعيا ، وطبيبا ، وهذا من العبث ، فكيف تقلد دينك وصحتك ومجتمعك مجرد حاسوب يجمع المعلومات ثم يصوغها في قالب متميز ، ولربما جلب لك معلومات من مواقع مشبوهة ، وديانات مختلفة ، وعقاد فاسدة .
اللهم إنا نسألك أن تُلهمنا رشدنا، وتوفقنا لما تحب وترضى، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.
اللهم أصلح علماء الأمة، ووفق الشباب لما فيه خيرهم وخير مجتمعاتهم، وبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا.
المرفقات
1753367999_الذكاء الاصطناعي ماله وماعليه.docx