خطبة الشتاء ربيع الأبرار وزاد الأخيار
حسين بن حمزة حسين
1447/05/26 - 2025/11/17 08:05AM
إخوة الإيمان: الحياة تمضي، والأعمار تُطوى، فطوبى لمن استغل ساعات عمره في طاعة الرحمن. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾، وقد أظلَّكم فصْلُ الشتاء، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: (نِعْمَ زَمَانُ الْمُؤْمِنِ الشِّتَاءُ؛ لَيْلُهُ طَوِيلٌ يَقُومُهُ، وَنَهَارُهُ قَصِيرٌ يَصُومُهُ”)، فيا سعادة من كان له حظ من الليل فقامه، ومن النهار فصامه، وجعل ذلك زاداً له في آخرته، وقوة له في حياته، وهو فصلٌ كان يكتب فيه عمر رضي الله عنه لعماله: "إن الشتاء قد حضر، وهو عدوٌّ، فتأهبوا له أُهْبَّته من الصوف والخِفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شِعارًا ودِثارًا؛ فإن البرد عدو، سريع دخوله، بعيد خروجه"، والشِّعار ما يلي الجلد من اللباس، والدِّثار ما فوق ذلك.
إخوة الإيمان: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أدُلُّكم على ما يمحُو الله به الخطايا، ويرفعُ به الدرجات؟". قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغُ الوضوء على المكارِه، وكثرةُ الخُطا إلى المساجِد، وانتِظارُ الصلاة بعد الصلاة، فذلكمُ الرِّباط، فذلكمُ الرِّباط) رواه مسلم. والمكارِه: كل ما يكرهه الإنسان ويشق معه استعمال الماء من شدَّة البرد، أو برودة الماء، أو ألم في البدن، وإسباغُ الوضوء: تكميلُه ووصول الماء لكل العضو من غير نقص، وهذا لا يمنع التمتع بنعم الله بتدفئة الماء، وتنشيف الأعضاء. بل لو خاف المسلم وغلب على ظنه الضرر على بدنه فإن الواجب عليه التيمم بدل الماء.
عِبَادَ اللَّهِ: مَعَ فَصْلِ الشِّتَاءِ مع الْبَرْدُ -غَالِبًا- يَلْبَسَ الشَّخْصُ عَلَى قَدَمَيْهِ جَوَارِبَ أَوْ شَرَابًا، فَرَخَّصَ الْإِسْلَامُ الْمَسْحَ عَلَيْهَا إِذَا كَانَ أَدْخَلَهُمَا عَلَى طِهَارَةٍ، وَلِمُدَّةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ؛ فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: “رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَدْخَلْتُ رِجْلَيَّ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ”. قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَعِصْيَانٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
إخوة الإيمان: حينما يشتد البرد ويمسّكم شيء من زمهريره، تفقدوا إخوانكم المحتاجين، وابدؤوا بأقاربكم وذوي أرحامكم، ثم جيرانكم وأهل بلدكم، ثم الأقرب منكم فالأقرب، لا تتركوهم يعانون ألم البرد وأنتم قادرون على سترهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (اتق النار ولو بشق تمرة)، وتذكروا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قالت النار: ربِّ أكلَ بعضِي بعضًا، فأذَن لي أتنفَّس، فأذِنَ لها بنفَسَيْن: نفسٍ في الشتاء، ونفسٍ في الصيف، قال -صلى الله عليه وسلم- فما وجدتُم من بردٍ أو زمهَريرٍ من نفَس جهنَّم، وما وجدتُم من حرٍّ أو حرورٍ من نفَس جهنَّم). فشدَّةُ برد الدنيا -رحمنا الله وإياكم- هو من زمهَرير جهنَّم، نعوذ بالله من جهنم حرها وبردها.ونسأل الله الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) [الإنسان:13].