خطبة الطهارة

الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طيِّبًا مُبَاركًا فِيهِ كمَا يُحِبُّ ربُّنا ويَرْضَى ، له الحمدُ في الْأُولى والآخِرَةِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّم على خَيْرِ البريةِ وهَادِى الْبَشَرِيَّةِ نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وأصحابِهِ ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ. أمَّا بَعْدُ :

عِبَاَد اللهِ: ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).

عبادَ اللهِ: اعلمُوا أنَّ الصَّلاةَ أَهَمُّ أَركَانِ الإسْلَامِ الْعَمَلِيَّةِ. قالَ تعالَى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاَة وَآتُوا الزَّكَاةَ )، والطَّهَارةُ مِفتاحُ الصَّلَاةِ.

قالَ ﷺ : "لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ" ، فمَن لم يَتَطَهَّرْ من الحدَثِ الأكْبَرِ أو الْأَصْغَرِ والنَّجَاسَةِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ .

عبادَ اللهِ: الطهارةُ نوعان :

طَهَارَةٌ أصْلِيَّةٌ: وهي الطَّهَارَةُ بالماءِ.

وطَهَارةٌ بَدَلِيَّةٌ: وهي التَّيمُّمُ.

والأصْلُ في المياهِ الطَّهَارةُ، فالماءُ يُطَهِّرُ من الأَحْدَاثِ والأَخْبَاثِ وإذا لاقتْ الماءَ نجاسةُ ولم تتغيرْ أحدُ أوْصَافِهِ الثَّلاثِة: (اللَّونُ أو الرَّائحَةُ أو الطَّعمُ) فهو طاهر . قالَ ﷺ : " الماءُ طهورٌ لا ينجِّسُهُ شيءٌ"

فإذَا غَيَّرَتِ النَّجَاسَةُ أحَدَ أَوْصَافِهِ الثَّلاثِ فهو نجسٌ يجبُ اجتنابُهُ، ومن شَكَّ في نَجَاسَةِ مَاءٍ أو ثَوْبٍ أو بُقَعٍ أو غيرِها فهو طاهرٌ.

أيٌّها المصلون : ومن تَيَقَّنَ بالطهارةِ وشكَّ بالحدثِ فهو طاهرٌ.

لقوله ﷺ : " فِي الرَّجُل يُخيل إليه أنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ في الصَّلاةِ لا يَنْصَرِفُ حتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أو يَجِدَ رِيحًا".

معشرَ المسلمين : والأواني الأَصْلُ فِيهَا الطَّهارةُ والإَبَاحَةُ ، فهيَ مُبَاحةٌ إلا آنِيَةَ الذَّهبِ والْفِضَّةِ ، فَيَحرُمُ الشُّربُ والأكلُ فِيهِمَا ؛ لقولِهِ ﷺ "لا تَشْرَبُوا فِي آنِيةِ الذّهَبِ والْفِضَّةِ ولا تَأْكُلُوا في صِحَافِها، فإنَّها لَهُمْ في الدُّنيَا ولَكُمْ في الآخِرَةِ" ، وَيَحرُمُ كذلك الاسْتِعْمَالُ، وَأَمَّا الاتخاذُ فَيَجُوزُ ، ويجوزُ استخدامُ باقي الأواني ولو كان ثمينًا، ويَحرُم لِبْسُ الذَّهَبِ للرِّجَالِ.

مَعْشَرَ المسلمين : والاسْتِجَاءُ والاسْتِجْمَارُ واجبٌ ويُستحبُّ إذا دخلَ الخلاءَ أنْ يُقدِّم رجلَه اليُسرى ، وعندَ الخروجِ اليُمنى ، ويقولُ : "بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبثِ والْخَبَائثِ". وعند الخروجِ "غُفْرَانَك" ، ويجبُ التَّستُّرُ عند قضاءِ الحاجةِ.

ويَحرُمُ قضَاءُ الحاجةِ في الطَّرِيقِ أو تحتَ الأشْجَارِ المثمِرَةِ أو في الأماكِنِ العَامَّةِ أو في محلٍ يؤذي النَّاسَ.

ويَحرُمُ اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ أو اسْتِدْبَارُها حَاَل قَضَاءِ الحاجَةِ في الصَّحرَاءِ حتَّى في البُنْيانِ الأْفْضَلُ عَدَمُ استقبالِ القِبلةِ أو استِدْبَارِها؛

لقولِهِ ﷺ : "إذَا أَتَيْتُم الغَائِطَ فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطِ ولا بَوْلٍ ولا تَسْتَدْبِرُوهَا، ولَكِنْ شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا ".

ويَحرُمُ الاستِجَّمارُ بالرَّوَثِ أو الطَّعامِ، وكلِّ شيءٍ محترمِ .

أيُّها المصَلُّون: ويَكفي في النجاسةِ الْغَسْلُ حتَّى تزولَ عن المحلِّ إلا الكَلْبَ فَيُشْتَرطُ غَسْلُهُ سَبْعَ مرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بالتُّرابِ، ويكفي النجاسةُ المخففةُ كالمذي وبَوْلِ الصبيِّ الذي لم يأكلْ الطعامَ النَّضْحُ.

عبادَ اللهِ : ومنَ النَّجَاسَاتِ بَوْلُ الآدميِّ وعَذْرَتُهُ، والدَّمُ المسفوحُ وبَوْلُ وَرَوَثُ كلِّ حيوانٍ محرمٍ أكلُهُ ، الْمَيْتَاتُ كلُّها نجسةٌ إلا مَيْتَةَ الآدميِّ، وما لا نَفْسَ لَهُ سَائِلة كالسَّمَكِ والْجَرادِ .

معشرَ المسلمين: الوُضُوءُ من مكفراتِ الذُّنوبِ، ووصفُهُ أنْ يَنوِي ويُسمِّي وَيغسلُ كفَّةُ ثلاثَ مراتٍ ويتمضمضُ ويستنشقُ، ويغسلُ وجهَهُ ويديْهِ إلى الْمِرْفقَين ثلاثًا، ويمسحُ رأسَهُ مع أُذُنَيْهِ، ويغسلُ رجلَيْهِ ثلاثًا هذا هو الأكملُ ويجوزُ مرةً أو مرتين. قالَ تعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنَّبًا فَاظْهَرُوا ) ، ويُنبَّهُ في الوُضُوءِ على وجوبِ إيصالِ الماءِ لكلِّ عُضْوٍ من أَعْضَاءِ الوُضُوءِ.

عبادَ اللهِ: المسحُ على الخُفَّينَ رخصةٌ يومٌ وليلةٌ للمقيمِ وثلاثةُ أيامٍ بلياليها للمسافرِ، ولا بدَّ من لبسِهِما على طَهَارةٍ ، ولا يُجزيءُ المسحُ إلا في الطَّهارة مِنَ الْحَدَثِ الأصْغَرِ ، وإذا انتهتْ المدَّةُ فليس له الْمَسحُ، وإذا خلعَ الخُفَّ ليس له لِبْسُه إلا بعدَ الوضوءِ .

وصِفةُ المسحِ أنْ يمسَحَ باليَدِ اليُمْنَى على الرِّجلِ اليُمْنى واليَدِ اليُسْرى على رجله اليُسْرى، وإذا كان على أحدِ أعضاءِ الوُضوء جبيرةٌ جَاز له الْمَسْحُ عليها ، ولا يُشترطُ لبسُها على طهارة وليس لها مدةٌ، وللجُرحِ أحوالٌ أنْ يَغْسِلَهُ فإنْ لم يَقْدِر أو يَضُرُّه ينتقل إلى التَّيمُّم .

أقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، واسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم مِنْ كُلِّ ذنبٍ فاستَغْفِرُوه، إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبةُ الثانيةُ:

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا كما أمرَ وقَدْ تأذَّنَ بالزِّيادةِ لمن شَكَر، وأشْهَدُ أن لَّا إلَه إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له ، وأشْهَدُ أنَّ محمدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ الشَّافِعُ المشفَّعُ في المحشرِ ﷺ وعلى آلِهِ وأصْحَابِهِ الميَامِينِ الغُررِ ما اتَّصَلتْ عينٌ بنظرٍ، وما انقَطَعَتْ عينٌ بخيرٍ وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا أمَّا بَعْدُ:

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ ) .

عبادَ اللهِ : وللوضوءِ نواقضُ، وهي العِلَلُ الْمُفسِدَةُ للوضوءِ: وهي الخَارجُ مِنَ السَّبيلَيْن مُطْلقًا وزَوَالُ العقلِ، وأكلُ لَحْمِ الإبلِ، ومسُّ المرأةِ بشهوةٍ ومسٌّ الفرجِ بشهوةٍ بلا حائل، والرِّدَّةُ والنَّوْمُ إذا كان لا يشعرُ بِمَن حولهُ.

عبادَ الله: الغُسْلُ وَاجِبٌ من الحدَثِ الأكبرِ. أمَّا مُوجِباتُ الغسلِ إنزالُ المني بوطءٍ أو غيرِهِ، أو احتلامٍ أو غيرِهِ، قالَ تعالى: ﴿ وإن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) ، ومِن موجباتِ الغُسْلِ خُروجُ دمِ الحيضِ والنِّفَاسِ .

ويجبُ في غُسْلِ الجنابةِ تَعْمِيمُ الْجِسْمِ بالماءِ ، ويجبُ تفقُّدُ بَواطِنِ الجسمِ ، والسُّنَّةُ في الغُسلِ أنْ يغسلَ فرجَهُ أَوَّلًا في الغُسْلِ، ثم يتوضأَ وضوءًا كاملًا، ثم يُحْثِي على رأسِهِ ثلاثَ حثياتٍ ، ثم يُفضِي الماءَ على سائرِ جسدِهِ، ويُجزئُ الغُسلٌ في الوضوءِ إذا كانَ رفعَ حدثٍ ، ويتمضمضُ ويستنشقُ ، وغُسْلُ الجمعةِ واجبٌ لمن كانَ به رائحةٌ .

أيٌّهَا المؤمنون: والنَّوعُ الثَّاني مِن الطَّهارةِ: التَّيمُّمُ، وهو بَدِيلُ الماءِ إذا تعذرَ استعمالُ الماءِ لِعَدَمٍ أو ضَرَرٍ أو خَوفٍ، وصِفتُهُ أنْ ينويَ ثم يضربَ الترابَ بيديهِ مرَّةً واحدةً ويمسحَ بِهما جميعَ وجهِهِ وجميعَ كفَّيْهِ، والتَّيمُّمُ من الحدثِ الأكبرِ أو الأصغرِ. لكن إذا وُجِدَ الماءُ فعليه أنْ يغتسلَ غُسلَ الجنابةِ .

مَعْشَرَ المسلمين: ومَنْ عَلَيْه حَدَثٌ أصْغَر لا تصحُّ منه الصَّلاةُ، ولا يَصِحُّ له الطَّوافُ بالبَيْتِ، ولا يَمسٌّ مُصْحَفًا، ومَن عليه حَدَثٌ أكبرُ لا يقرأٌ شيئًا من القرآنِ، ولا يلبثُ بالمسجدِ .

عبادَ الله: إنَّ الطَّهارةَ أمانةٌ والطَّهَارةُ مِفْتَاحُ الصَّلاةِ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ).

ثُمَّ صَلَّوا وسَلِّمُوا على حَبِيبِكم وخَليِلكِم الْمُصْطَفَى الرَّحمَةِ الْمُهْدَاةِ والنِّعمةِ الْمُسْدَاةِ ﷺ تَسْلِيمًا كثيرًا. اللَّهمَّ ارضَ عن الصحابِةِ أجمعين وعنَّا معهم بفضلِك وجودِك يا ربَّ العالمين.

اللَّهمَّ إنَّا نسألُك يا ذا الجلالِ والإكرامِ أنْ تُصلِحَ أحوالَنا، اللَّهمَّ أَصلحْ أَحوالَنا ، اللَّهمَّ احفَظْ علينا عَقِيدَتَنا، اللَّهم احفَظْ علينا دينَنَا. اللَّهمَّ احفَظْ عليْنَا أمنَنَا يا ذا الجلال والإكرام. اللَّهم وفقْ وليَّ أمرِنا لِمَا تُحبُّ وتَرضى، وخُذْ بناصيِتِه للبرِّ والتَّقوى وأَعنْهُ على أمورِ ديِنهِ ودنياهُ يا ذا الجلالِ والإكرامِ. اللَّهمَّ كُنْ للمستضعفين في كلِّ مكانِ.

اللَّهمَّ اغفرْ لآبائِنا وأمهاتِنا يا ذا الجلال والإكرام، واجزِهِم عمَّا قدَّموا لنا مِن خَيْرٍ يا ذا الجلال والإكرام. اللَّهمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ أنْ نقولَ زُورًا، أو أنْ نغشَى فُجورًا، اللَّهم إنَّا نسألُك يا حيُّ يا قيومُ يا أكرم الأكرمين الْهٌدي والتُّقى والعفافَ والغِنى يا ذا الجلال والإكرام.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، وصلَّى اللهُ وسَلَّمَ على أَشْرَفِ الأنبِيَاءِ والمرسلِين.

عِبادَ اللهِ: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فاذْكُرُوا اللهَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُم، واشْكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدُّكُم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ واللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

1758716368_خطبة الطهارة.docx

1758716381_خطبة الطهارة.pdf

المشاهدات 147 | التعليقات 0