خطبة المسيح الدجال
الشيخ منصور بن صالح الجاسر
الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مُبَاركًا فيه مِلءَ السَّمواتِ والأرضِ، ومِلءَ ما بَيْنَهُمَا، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَيْرِ مَنْ وَطِئَتْ قَدَمُهَ الثَّرَى بأبي هو وأُمِّي ﷺ . فاللَّهم صلِّ عليه وسلِّم تَسليمًا كثيرًا. عدَدَ مَا ذَكَرَه الذَّاكرُونَ وغَفَلَ عنْهُ الغَافِلُون ﷺ ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أَجمعِينَ. أمَّا بَعْدُ :
عِبادَ اللهِ: إنَّ هُناكَ فتنةً عظيمةً ، أعظمُ فتنةٍ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ آدَمَ إلى قيامِ السَّاعةِ، وهي فتنةُ المسيحِ الدَّجَّالِ؛ وذلك بسببِ ما خَلَقَ اللهُ معهُ مِن الْخَوالِقِ العَظِيمَةِ التي تُبْهِرُ الْعُقُولَ وتُحيِّرُ الألْبَابَ.
فقدْ وردَ أنَّ معه جَنَّةً ونَارًا ، فجنَّتُهُ نَارٌ ، ونَارُهُ جنَّةٌ بأمُرُ السَّماءَ أنْ تُمطِرَ ، والأرَض أَنْ تُخْرِجَ كنُوزَها مَا مِن نَبِيٌ إلا حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِن الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: " إِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَي الدَّجَّالِ أَنْ يقولَ لأعرابيٍّ إنْ أردْتَ أنْ أبعثَ أمك وأباكَ أتشهدُ أني ربُّك، فيقولُ: نعم. فيتخيل له شيطانٌ في صورةِ أمِّهِ وأبيهِ، فيقولان يا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ إنَّه ربُّكَ " .
عبادَ اللهِ: والكلامُ عن الدَّجَّالُ في نقاطٍ الآتية :
أولًا : اسمه : المسيحُ الدَّجَّالُ، وسببُ تسميتِهِ بذلك أنَّهُ يمسحُ الأرضَ بسرعةٍ، ولأنَّ عينَهُ ممسوحةٌ.
ثانيا: صفاتُهُ : شابٌ أحمرُ أَفْحَجُ مُجَعَّدُ الرَّأْسِ أَجْلَي الجبهةِ عريضُ النَّحرِ ممسوحُ العينِ كأنَّ عينَهُ عنبةٌ طافيةٌ خَلْقُهُ كَبِيرٌ، ولا يُولَدُ لَهُ والصَّحيحُ أنَّ ابنَ الصَّيادِ دجالٌ مِن الدَّجَاجِلَةِ، ولكنَّه ليسَ الدَّجَّالَ أمَّا مكانُ خُروجِهِ مِن جِهَةِ المشرقِ مِن خُرسَانَ، ويُمنَعُ الدَّجَّال دخوِلَ مكةَ والمدينةَ ومسجدَ الطُّورِ ومسجدَ الأقصَى .
قالَ الإمامُ أحمدُ، عَن رجلٍ مِن أصحابِ الرَّسولِ ﷺ : " أنَّ النَّبيَّ ﷺ ذَكرَ الدَّجَّالَ، وذَكرَ أربعَ مَساجِدَ لا يدخُلُها المسيحُ الدَّجَّالُ: المسجدُ الحرامٌ، ومسجدُ المدينةِ، ومسجدُ الأقصَى، ومسجدُ الطُّورِ" .
ثالثًا: أكثرُ أتباعِهِ الأعرابُ ؛ لأنَّ الجهلَ غالبٌ عليهم، والنِّساءُ لسرعةِ تأثُّرِهن وجهلِهِن، واليهودُ وخاصةً يهودُ أصفهان ..
رابعًا: ما الحكمةُ مِن ظُهورِ بَعضِ الخوارقِ في الدَّجَّال ؟ قالَ ابنُ العربيِّ: ذلك مِحْنَةٌ مِنَ اللهِ ، واختبارٌ لأهلِ الارتياب ، ولهذا قالَ رسولُ اللهِ ﷺ : "أعظمُ فتنةٌ هي الدَّجَّالُ".
خامسًا : مُدَّةُ بقائِهِ أربعون يومًا يومٌ كسنةٍ، ويومٌ كشهرٍ، ويومٌ كجمعةٍ ، ويومٌ كسائِرِ الأَيَّامِ .
سادسًا : سُرعتُهُ كسحابٍ استدبَرَتْهُ الرِّيحُ، أَلَا وإنَّ مِن علاماتِ ظُهُورِهِ انقطاعُ ذِكرِهِ على المنابرِ كما وردَ في الأثرِ: "اللَّهم اعصمنا مِن الفتنِ ما ظهرَ منها وما بَطَنَ ".
سابعًا: كيفيةُ الوقايَةِ مِن فتنةِ الدَّجَّالِ فهي كما يلِي:
-معرفةُ خطَرِ هذِهِ الفتنةِ العظيمةِ قالَ تعالَى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا )).
- التَّمَسُّكُ بسلاحِ الإيمانِ أيُّها المؤمنون .
- معرفَةُ صفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
- التَّسلُّحُ بالعلمِ الشَّرعِيِّ، فالعلمُ يَهدِي صاحبَهُ للخيرِ والْهُدى ويُميِّزُ بين الباطلِ والحقِّ ويَعصِمُ مِن الفتنِ بإذنِ اللهِ.
- التَّعوُّذُ مِنها ، ودُعاءُ الله أنْ يُنَجِّيَهُ مِن فتنةِ الْمسيحِ ، ولا سِيَّما آخرَ الصَّلاةِ، وكانَ نَبيُّكُم ﷺ يَتعوَّذُ منها في الصَّلاةِ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بك منْ عَذَاب جهنم ، ومن عَذَابِ الْقَبْرِ، ومن فِتْنَةِ المحيا والمماتِ، ومِن شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيح الدَّجَّال " ، وكانَ ابنُ طاووسَ يأَمُرْ بإعادةِ الصَّلاةِ إذا لم يَتَعوَّذْ مِن هذِهِ الأرّبعِ.
ومِن الطُّرُقِ الوِقائيةِ : حِفْظُ عَشْرِ آياتٍ مِن سُورِة الكهفِ. قالَ رسولُ اللهِ ﷺ "مَن حَفِظَ عَشرَ آياتٍ مِن سورِة الكهفِ عُصِمَ مِن الدَّجَّال"، وفي رواية "مِن أولها ".
وقالَ النَّووِيُّ: وسببُ ذلك ما في أولِها مِن العَجَائِبِ والآياتِ
-ومِن الوسائلِ : سَكَنُ مَكةَ والمدينةِ ، فإنَّهُ لا يدخلُها، أَيْ : الدَّجَّالُ .
-أيُّها المسلمون : ومِن الوسائلِ : الفِرارُ مِن الدَّجَّالِ فإذا سمِعتَ بِهِ فالفِرارَ الفِرارَ، والحذرَ مِن الثِّقةِ بالنَّفْسِ، فإنَّ المرءَ يظُنُّ في نفسِهِ الخيرَ والإيمانَ، ثم قدْ يقَعُ في قلبِهِ ما قدْ يقعُ مِن الفتنةِ قالَ الرسول ﷺ : "مَن سمِعَ بالدَّجَّالِ فَلنْ ينأَ عنْهُ، فو اللهِ إنَّ الرجلَ ليَأْتِيهِ ويَحْسَبُ أَنَّهُ مؤمنٌ، فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشَّبُهَاتِ" .
فَالحذرَ الحذرَ، والفِرارَ الفِرارَ. اللَّهم اعصِمْنَا مِن فتنةِ الدَّجَّالِ .
أقُولُ ما تَسْمَعُون، وأسْتَغِفْر اللهَ لي ولكم مِن كُلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين الَّذِي خلَقَ السَّمواتِ والأرضّ في سِتَّةِ أيَّامٍ ثم استَوي على العرشِ. وأشهدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ، وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ ، وعلى آله وصحبِهِ أجمعين، أمَّا بَعْدُ:
عِبادَ اللهِ: ومِن الوقفات هل ذُكِرَ الدَّجَّالُ في القرآنِ ؟ أمَّا صريحًا فلا، وقدْ ذَكَرَ بعضُ العلماءِ إشارةُ إلى المسيحِ الدَّجَّالِ في القرآنِ في قولِهِ تعالى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) ، وفي قولِهِ: ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ).
قالَ أبْو العَاليةَ : " أيْ إنَّ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أعظمُ مِن خَلْقِ الدَّجَّال حينَ عظَّمتْهُ اليهودُ، وعدمُ ذكرِهِ تصريحًا احتقارًا لشأنِهِ ، ولأنَّهُ ادَّعَى الرُّبوبيةَ، وأمَّا فرعونُ فقد انقضى وهَلَكَ وذِكْرُهُ لأخْذِ العبرةِ ".
ومن الوقفات : هَلَاُك الدَّجَّال فبدايتُهُ انفِضَاحُ أمْرِهِ، وأمَّا نِهايتُهُ فينزِلُ المسيحُ عيسى ابنُ مريمَ عليه السلام ، فيدركُهُ عند باب لُدْ ويَذُوبُ كما يَذوبُ الملحُ، فيقولُ : إنَّ لي فيك ضَرْبَةً فيَضْرِبُهُ فينتَهِي وتنتَهِي أعظمُ فتنةٍ.
عبادَ اللهِ: اسألوا اللهَ دائمًا السَّلامةَ مِن الفتنِ.
ثم صَلَّوا وسَلِّمُوا على خَيْرِ البَشَرِ مُحمَّدٍ بنِ عبدِ اللهِ الرَّحمةِ الْمُهدَاةِ والنِّعمَةِ الْمُسْدَاةِ اللَّهمَّ صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورَسُولِكَ محمَّدٍ، وارْض اللَّهمَّ عن الخلفَاءِ الأربعَةِ أبي بكرٍ وعُمرَ وعُثْمانَ وعلِيِّ ، وَعنَّا معهم بفضلِكَ وجودِكَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
اللَّهم اعصمنا مِن الفتنِ ما ظَهَر منها وما بَطنَ. اللَّهم اعصمنا مِن المسيحِ الدَّجَّالِ، ولا تَجعلْنا مِن أَتْباعِهِ .
اللَّهم أصلِحْ أحوالَنا، اللَّهمَّ وفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى اللَّهمَّ أَصْلِحْ قُلوبَنَا اللَّهمَّ سَدِّدْ آرَاءَنا وأَعمَالَنا يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
اللَّهمَّ اختِمْ بالصَّالحاتِ آجَالَنا وبالسَّعادَةِ أَعْمَالنَا يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللَّهمَّ اختِمْ حَيَاتَنا بالتَّوحِيدِ، واجْعلْ آخِرَ كلامِنَا مِن الدُّنيَا لا إله إلا الله يا ذا الجلالِ والإكرامِ. اللَّهمَّ تَوَفَّنا وأَنْتَ راضٍ عَنَّا، اللَّهمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَشيَةً في الغَيبِ والشَّهَادَةِ، وكلِمَةَ الْحَقِّ في الغَضَبٍ والرِّضَا يا ذا الجلالِ والإكرامِ يا حيُّ يا قَيُّومُ.
اللَّهمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن قلبٍ لا يَخْشعْ، ومِنْ عَينٍ لا تَدْمَعْ، ومِن نَفْسٍ لا تَشْبعْ ومِن دَعوةٍ لا تُسمَعْ، ونَعوذُ بِكَ اللَّهمَّ مِن هُؤُلاء الأربَعِ. اللَّهمَّ إنَّا نَسْألُكَ نُزُلَ الشُّهَداءِ ، وعَيْشَ السُّعَداءِ، ومُرَافَقَةَ الأنبِيَاءِ، والنَّصْرَ علَى الأعْدَاءِ يا سَمِيعَ الدُّعَاءِ يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ *وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )، وصلَّى اللهُ وسَلَّمَ على أَشْرَفِ الأنبِيَاءِ والمرسلِين.
عِبادَ اللهِ: ( إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
فاذْكُرًوا اللهَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُم، واشْكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم، ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ واللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1757473674_خطبة المسيح الدجال.docx
1757473685_خطبة المسيح الدجال.pdf