خطبة حسرة بين سكرة الدنيا وجوالات وغفلة حتى الممات
حسين بن حمزة حسين
1447/02/09 - 2025/08/03 22:24PM
الحمد لله الولي الحميد، الفعّال لما يريد، كتب الهداية لعباده، وفتح لهم أبواب رحمته، فمن أقبل عليه رفعه، ومن أعرض عنه أضلّه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد ..فاتقوا الله عباد الله .. إخوة الإيمان: لقد خلقنا الله جلّ جلاله لغايةٍ عظيمة، ومقصدٍ جليل، لا تليق به حياة اللهو والغفلة والضياع، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ خُلقنا لنعبد الله، خُلقنا لنمضي نحو الآخرة، خُلقنا لنركبَ الدنيا لا لتركَبْنا، خُلقْنا لنجْعل الحياةَ الدنيا مطيّةً إلى الجنة، لا سلاسل تشدّنا إلى النار، وحُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات، وقد أخبرنا رسول الله ﷺ أن سلعة الله غالية، وأن سلعة الله الجنة، فلا ينبغي أن نُشغَل عنها بزينةٍ زائلة، ولهوٍ عابر، خُلقنا لِنُصلّي ونصوم، ونُحْسِنْ ونبْني ونُصْلح، ونحمل رسالة، ونبْني أمّة، لا لنُضيّع أعمارنا خلْف الشهوات، ولا لِنُهدر زماننا، ونُفنِي أعمارنا في اللهو والترف والتفاهات، فنخسر الدنيا والآخرة. إخوة الإيمان: لنقف مع أنفسنا وقفة صدق: هل هذا واقع الناس اليوم؟، هل نحن منشغلون بما خُلقنا لأجله؟ هل همُّنا الأعظم الآخرة والعبادة، والطاعة، والعمل الصالح؟، أَمِ الدنيا بزخرفها وزيْفها ملأت القلوبَ، واستوْلت على العقول، وخدّرت الأذهان؟، وأكون صادقاً أن أقول: لم تتزين الدنيا بزخرفها وزينتها، ولم تتجمّل بزيْفها وبهرجها، في زمنٍ من الأزمان، كما تزخْرفت وتزيّنت في زماننا، وسائل الغفْلة بين أيدينا، الحرام أقرب إلينا من شربة ماء، المعاصي تُعرض علينا كل لحظة، بل لقد صار الفقيرُ اليوم يملك من وسائل الراحة، والتسلية، والمتع ما لم يكن يحلم به أعظم ملوك الأرض في القرون الماضية!، ويعتبر نفسه أنه أشقى أهل الأرض، فضاقت الصدور رغم سعة الدّور، وتمكّنت التعاسة في النفوس رغم كثرة النّعم، يشتكي كثيرٌ من الناس، ضياع الأبناء، وقلق الشباب، وتفكك الأسر، ولكننا ننسى السبب الحقيقي الذي حذرنا الله منه، قال تعالى :﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾، وقال تعالى محذرا ومبيّنا ليقيم الحجّة على الناس (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ). إخوة الإيمان: آباءٌ تموت قلوبُهم حسْرةً على ضياع دين أبنائهم وأخلاقهم، أقوامٌ صار الذي يُربّي أبناءَهم وبناتهَم اليوم هو مشاهدُ الجوال لا المصحف!، وصار قُدْوتهم تافهاً بمسلسلٍ أو فلمٍ لا أباً أو عالمًا، ومغنيًا لا معلِّمًا، فإذا جلس الشابّ أو الفتاة، جلَسوا إلى "الترفيه" وهجروا القرآن، وإذا أُعجِبوا أُعجِبوا بمن لا يعْرِف لله قدرًا، ولا لرسوله حقًّا، وأُشربت قلوبهم منهم، فصاروا لهم قدوات في المظاهر والتفاهات، يقلدونهم في اللباس والكلام، ويتبعونهم في اللهو والضياع، فكانوا أدلّاءَ إلى الغفلة والشر، لا هداةً إلى الهدى والخير.، هُجِرَت المساجد، وهُجِر معها القرآن، وغابت القدوات الحقّة، وساد التفاهة والفراغ، فأنّى تستقيم الحال؟ إذا لم تتنبّه القلوب، وتتذكر العقول وتعود إلى الله وتوب. إخوة الإيمان: أعظم علاج لهذه الغفلة بعد توفيق الله عز وجل أن يتفكّر الإنسان إلى أين تأخذه هذه الأيام؟ ليسأل نفسه ماذا سأحمل إلى قبري؟، ما قيمة حياةٍ كلُّها لهْو، تنتهي بتراب؟، وما جدْوَى لذّةٍ سريعة، تعقُبُها ندامةٌ طويلة؟، ما فائدة مالٍ وجاهٍ، يُتْرَكُ كلُّه عند أوّل سكتةٍ في القلب؟!، والأكفان ليس فيها جيوب، فالدنيا لا تمسك أحدًا إلى الأبد، والآخرة لا ترحم من غفل وتمادى، فهل نفيق قبل فوات الأوان؟ اللهم ردّنا إليك ردًّا جميلاً، ولا تجعلنا من الغافلين. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين... إخوة الإيمان: متى نفهم؟ متى نُدرك ما سَبَبُ وجودنا؟ لماذا نحن في هذه الحياة؟ أبعد نزول المرض؟ أم بعد نزول القبر؟ أم بعد أن يُغلَق الباب؟! متى نتوب؟ هل بعد أن يُقال: فلان في العناية المركزة في الإنعاش؟ بعد أن يضعف الجسد، ويوهن البدن، أو يُغلَق القبر؟! متى نعود إلى الله؟ بعد السجن؟ بعد الهرم؟ بعد الفضيحة؟ أم بعد أن تنتهي كل فرص العودة؟ ... إخوة الإيمان: لا تجعلوا التوبة مؤجَّلة، ولا الرجوع مؤخرًا، فالموت لا يستأذن، والفرصة لا تتكرر. قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا) وقال تعالى ﴿ ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ وقال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلة، وردنا إليك ردًا جميلًا، قبل أن نندم، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، اللهم أصلح قلوبنا، وزكِّ نفوسنا، واهدِ أبناءنا وبناتنا، اللهم ارزقهم حبَّ الصالحين، وكُرهَ الفاسقين، وسدِّد خطواتهم على طريقك المستقيم، اللهم أحيِ فينا الإيمان، وأمتنا على الإسلام، واحشرنا في زمرة خير الأنام ﷺ. اللهم اجعل آخر كلامنا لا إله إلا الله، واجعل قبورنا روضةً من رياض الجنة، اللهم اجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله، وبلغ مراده من رضاك، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين،