خطبة رمضان وقفات وأحكام

الحَمْدُ للهِ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلَّ شَيْءٍ، وهو يُجِيرُ ولا يُجَارُ عَلَيْهِ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وأَشْهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ وسَلَّم تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ جَلَّ وعَلا واشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ، فَإِنَّ آلَاءَ اللَّهِ وَنِعَمَهُ كَثِيرَةٌ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى.

أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : اثْنَانِ وأَرْبَعُونَ وستمائَةٍ وَأَلْفَ تُرَى مَا هَذَا الْعَدْدُ؟.

هَذِهِ إحْصَائِيَّةٌ لأَحَدِ مَغَاسِلِ الْمَوْتَى خَلالَ الْعَامِ، وَهَذِهِ مَغْسَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وفِيهَا مِئَاتٌ بَلْ آلافٌ مِن مَغَاسِلِ الْمَوْتَى؛ لِتَعْلَمَ يَا أَخِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَدْ مَنَّ عَلَيْكَ بِنِعْمَتِهِ وفَضْلِهِ وأَمَدَّ في عُمُرِكَ وأَنْسَأَ في أَجَلِكَ لِتُدْرِكَ شَهْرَ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ ولِتَفْرَحَ بِذَلِكَ (( قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )). فَاللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ علَى أَنْ بَلَغْتَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ .

فَافْرحُوا يَا عِبَادَ اللهِ وَجِدُّوا فِي الأَعْمَالِ، إِذْ كَيْفَ لَا يَفْرَحُ مُؤْمِنٌ في بُلُوغِ شَهْرِ الْفَضَائِلِ والْكَرَمِ.

(( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )).

كَيْفَ لا يَفْرَحُ مُسْلِمٌ بِبُلُوغِ شَهْرٍ تُفتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ ؟ كَيْفَ لا يَفْرَحُ مُؤْمِنٌ بِبُلُوغَ شَهْرٍ تَسْتَغْفِرُ فيه الْمَلائِكَةُ للصَّائِمِينَ حَتَّى يُفْطِرُوا ؟.

كَيْفَ لا يَفْرَحُ مُسْلِمٌ بِبُلُوغِ شَهْرٍ تُزَيَّنُ فِيهِ الْجَنَّةُ كُلَّ يَوْمٍ ؟ كَيْفَ لا يَفْرَحُ مُسْلِمٌ بِبُلوغِ شَهْرٍ كُلَّ لَيْلَةٍ للهِ فِيهِ عُتَقَاءٌ مِنَ النَّارِ؟ فَنَسْأَلُ اللهَ الْكَرِيم أنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُم.

أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: شَهْرُ رَمَضانَ هُوَ سَيِّدُ الشهور وأَزْكَاهَا، وهُوَ مَيْدَانٌ لِلعِبَادَةِ والتَّنَافُسِ، فَهُوَ لِلصَّالِحِينَ أَنْسًا يَتَسَابَقُونَ فِيهِ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ والْقُرْبَاتِ، فاللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ علَى أَنْ بَلَغْتَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ.

شَهْرُ رَمَضَانَ فُرْصَةٌ لِتَزْكِيةِ النُّفُوسِ وتَطْهِيرِهَا مِن الضَّغَائِنِ والأَحْفَادِ، وفُرْصَةٌ لِلتَّصَالُحِ والتَّصَافي والنَّقَاءِ.

شَهْرُ رَمَضَانَ فُرْصَةٌ للإقْبَالِ علَى اللهِ فَبَعْدَ أَحْدَ عَشَرَ شَهْرًا مِن الانْقِطَاعِ عَن شَهْرِ الصِّيَامِ، فَهَا هُوَ شهرُ الخَيْرِ وَالْمَكْرُومَاتِ قَد أَقْبَلَ عَلَيْكُم، فاسْتَقْبِلُوهُ بِالطَّاعَةِ والْقُرْبِ إلى اللهِ والتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ جَلَّ جَلَالُهُ. اللَّهُمَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى أَنْ بَلَّغْتَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ.

فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أنْ نَسْتَقْبِلَ شَهْرَ رَمَضَانَ بِالْعِصْيانِ والآثَامِ وعُقُوقٍ لِلْوَالِدَيْنِ وقَطِيعَةٍ للأرْحَامِ وأَكْلٍ الْمَالِ الْحَرَامِ، وهَجْرٍ للإخْوَانِ والتَّمَتَّعِ بِالنَّظَر إلى مَا يُغْضِبُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مِن مُسَلْسَلاتٍ هَابِطَةٍ وصُوًرٍ مُخْزِيَةٍ وسُخْرِيَةٍ بِدينِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.

واعْلَمُوا يَا عِبَادَ اللهِ أنَّ أَهْوَنَ الصِّيَامِ هُوَ الصِّيَامُ عَن الطَّعَامِ والشَّرَابِ، وأَجَلَّ الصِّيَامِ هُوَ صِيَامُ الْجَوَارِحِ عَن الآثَامِ، بأَنْ تَحْفَظَ عَيْنَيْكَ أَنْ تَنْظُرَ إلى مَا حَرَّمَ اُلله وأنْ تَحْفَظَ سَمْعَكَ أَنْ تَسْتَمِعَ إِلى مَا يُغْضَبُ اللهَ، وأَنْ تَحْفَظَ لِسَانَكَ في أنْ يَتَكَلَّمَ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ، كَانَ سَلَفْنَا الصَّالِحُ إذَا صَامُوا جَلَسُوا في الْمَسَاجِدِ قَالُوا نَحْفَظُ صَوْمَنَا.

 

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ فِي دُخُولِ شَهْرٍ رَمَضَانَ الْمُعْظَمِ وَقَفَاتٍ:

فمنها: مِنهُ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَبْدِهِ الَّذِي أَطالَ عُمُرَهُ، وَأَمَدَّ في أجله على يَشْهَد هذا الشهر الكريم شَهْرَ الْفَضَائِلِ وَالْمَكْرُمَاتِ، بَيْنَمَا تخَطَّفَ الْمَوْتُ أَنَاسًا الآن هُمْ مُرْتَهَنُونَ فِي أَعْمَالِهِم.

في دخول رَمَضَانَ عَامٌ مَضَى كَلَمْحِ الْبَصَرِ ذَهَبَتْ لَذَّاتُهُ وَبَقِيَتْ سيِّئَاتُهُ، وَانْتَهَتْ أفراحه والراحه وبقيت حَسَنَاتُهُ وسَيِّئَاتُهُ، فَكُمْ مِن أناس يَقُولُونَ : مَا أَسْرَعْ مَا جَاءَ رَمَضَانُ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِن أَعْمَارِهِم.

فَلابُدَّ يَا عِبَادَ اللهِ مِن مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ عَلَى الطَّاعَةِ وعَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَبَذْلِ الطَّاعَاتِ، لابُدَّ مِن الصَّبْرِ والْمُصَابَرَةِ، ومِن صَدَقَ اللهَ صَدَقَهُ اللهُ، ومَنْ عَوَّدَ نَفْسَهُ الْخَيْرَ اعْتَادَهُ، وإنَّما يُحْرَمُ الْعَبْدُ كَثِيرًا مِن الْخَيْرَاتِ بِسَبَبِ الصَّخَرِ والْمَلَلِ والتَّسْوِيفِ والْغَفْلَةِ.

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )).

في رَمَضَانَ يَتَلذَّذُ فَيهَ الْعَبْدُ بِمُنَاجَاةِ الرَّبِّ الرَّحْمَنِ، إِنَّ مِن صِفاتِ سَلْفِنَا الصَّالِحِ أَنَّهُم كَانُوا يَتَلَذَّدُونَ فِي مُنَاجَاةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالانْطِرَاحِ بَيْنَ يَدَيْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّنَا أَصْحَابُ ذُنُوبِ وَسَيِّئَاتٍ ومَعَاصِي، إِنَّ الْمَعَاصِي والذُّنُوبَ لَهَا لَهَبٌ ولَهَا طُغْيَانٌ وغَفْلَةٌ لا يُطْفِئُهَا إلا الانْطِرَاحُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

إنَّ مِن أَسْبَابِ الطُّمَأْنِينَةِ وسَكِينَةِ الْقَّلْبِ هُو الأُنْسُ بِمُنَاجَاةِ اللهِ تَعَالَى والتَّلذُّذُ بِذِكْرِهِ والثَنَاءِ عَلَيْهِ ((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))، صَاحِبُ الْمُنَاجَاةِ يُنَادِي يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وهُوَ يَتَلَذَّذُ في ذَلِكَ.

إذَا هَدَأَتْ الْعُيُونُ وهَجَعتْ النُّفُوسُ، واشْتَدَّتْ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ نَشَطَ مَن أَرَادَ اللهُ بِهِ خَيْرًا لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَكَّبِ الْعَبْرَاتِ وَإِظْهَارِ الْحَاجَاتِ والافْتِقَارِ للهِ عَزَّ وجَلَّ مُنِيبًا مُخْبِتًا، يَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرَيْ الدُّنْيَا والآخِرَةِ.

(( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ ، ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )) .

إِنَّهَا الْمُنَاجَاةُ مِن أَعْظَمِ لَذَائِدِ الدُّنْيَا، مَنْ حُرِمَهَا حُرِمَ خَيْرًا كَثِيرًا، بِالْمُنَاجَاةِ يَعْمُرُ القَلْبُ وتَسْكُنُ الْجَوَارِحُ، واللهِ لا يَجِدُ لَذَّتَها إلا مَن ذَاقَهَا، يَجِدُ طَعْمَ الإيمانِ وحَلاوَةَ الْقُرآنِ وبَرْدَ الْيَقِينِ، وصَدَقَ الْمُصْطَفَى ﷺ "مثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ، وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ " فَتَأَمَّلُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدْعِيَةَ النَّبِيِّ ﷺ وَمُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ جَلَّ وعَلا.

فَيَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ: مَا أَجْمَلَ أنْ تَتَضَرَّعَ بَيْنَ يَدَيَّ اللَّهِ، وَتَنْكَسِرَ بَيْنَ يَدَيْ اللهِ وتُغَفِّرَ وَجْهَكَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، فقد كَانَ الْمُصْطَفَى ﷺ يَقُومُ للهِ تَالِيًا وَرَاكِعًا تَتَوَرَّمُ قَدَمَاهُ ويُسْمَعُ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرجَلِ، وتَتَحَدَّرُ الدُّمُوعُ مِن عَيْنَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-.

فَابْتَهِلُوا إلى رَبِّكُم وانْطَرِحُوا بَيْنَ يَدَيْ اللهِ وَاسْأَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِن خَيْرَيْ الدُّنْيَا والآخِرَةِ فَرَبُّكُم بَرٌّ رَحِيمٌ، قَالَ ﷺ : مَنْ لَمْ يَسْأَلِ الله يَغْضَبُ اللهُ عَلَيْهِ .

فَانْطَرِحُوا بَيْنَ يَدَيْ اللهِ وَاسْألَوُا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مِن خَيْرَيْ الدُّنْيَا والآخِرَةِ (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنَّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )).

عِبَادَ اللهِ: إنَّ حَالَ كَثِيرٍ مِنَّا واللهُ الْمُسْتَعَانُ يَشْتَكِي إلى الله في رَمَضَانَ وفي غَيْرِ رَمَضَانَ، أَحْسَنُنَا حَالًا مَن يَصُومُ النَّهَارَ ويَقُومُ قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ.

فَيَا إخْوَةَ الإسْلامِ الْعُمُرُ يَتَقَدَّمُ ولَمْ نَتَقَدَّمْ بِالْعَمَلِ، نَقْتَرِبُ من الأَجَلِ ولَمْ نَرْدَدْ اسْتِعْدَادًا وَأُهْبَةً للقاء اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فَإلَى الأمَامِ يَا أُمَّةَّ الإسْلامِ، وَلْيَكُنْ شِعَارُنَا في رَمَضَانَ في هَذِهِ السَّنَةِ "رَمَضَانُ غِير" قُرُبَاتٍ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ولْنَتَّقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ولْنَتَقَدَّمْ ولا نَتَأَخَّرْ فَمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمُ فَهُو يَتَأَخَّرُ، ومَن لَمْ يَزْدَدْ فَهُوَ في نَقْصٍ، فَاقْتَرِبُوا إلى رَبِّكُم واجْتَهِدُوا وجُودُوا وأَخْلِصُوا وأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، واحْفَظُوا الصِّيَامَ وأَكْثِرُوا من الصَّلاةَ وأَلِينُوا الْكَلامَ واقْرَؤُوا الْقُرْآنَ وأَحْسِنُوا إلى عِبَادِ اللهِ.

اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى أَنْ بَلَّغْتَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ اللَّهُم كَمَا بَلَّغْتَنَا أوَّلَهُ فَبَلِّغْنَا آخِرَهُ واجْعَلْنَا مِن صُوَّامِهِ وقُوَّامِهِ وتَقَبَّلَهُ مِنَّا يَا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ، واجْعَلْنَا فِيهِ مِن عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ واسْتَغْفِرُ الله لي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبةُ الثَّانيةُ:

الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا كَمَا أَمَرَ وقَدْ تَأَذَّنَ بِالزَّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إرْغَامًا لِمَنْ جَحَدَ بِهِ وكَفَرَ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ فِي الْمَحْشَرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وأَصْحَابِهِ الْمَيَامِينِ الْغُرَرِ مَا اتَّصَلَتْ عَيْنٌ بِنَظَرِِ، وَمَا انْقَطَعَتْ أُذُنٌ بِخَبَرٍ وسلَّم تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَإنَّ أَجْسَادَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقْوَى واسْتَمْسِكُوا مِن الإسْلامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى.

أيُّهَا النَّاسُ : اشْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى بُلُوغِ شَهْرٍ رَمَضَانَ، وَاحْذَرُوا أنْ تُضَيِّعُوا هَذَا الشَّهْرَ بِالْقِيلِ والْقَالِ، والنَّظَرِ إلى مَا يُغْضِبُ الرَّبَّ الْعَلَّامَ مِن النَّظَرِ إلى الْمُسَلْسَلاتِ الْهَابِطَةِ والصُّورِ الْمَاجِنَةِ الَّتِي تُفْسِدُ صَوْمَكُم. قَالَ ﷺ : مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ.

وَاحْذَرُ يَا عَبْدَ اللهِ أَنْ تُضَيِّعَ بِاللَّيْلِ مَا اكْتَسَبْتَهُ بِالنَّهَارِ، وَاعْلَمُوا يَا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبَانَ لَكُم مَعَالِمُ الدِّينِ وَبَيَّنَ لَكُمْ أَحْكامَ الصِّيَامِ، فَيَجِبُ الصِّيَامُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )).

وَضِدُّ الْمُسْلِمِ الْكَافِرُ، فَالْكَافِرُ لا يَصِحُّ مِنْهُ الصُّوْمُ وَلا يُقْبَلُ مِنْهُ، ولِهَذَا يُنَبَّهُ عَلَى الَّذِي لا يُصَلَّى أَنَّ صَوْمَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، قَالَ ﷺ : "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم الصَّلاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ".

ويُجِبُّ الصَّوْمُ أَيْضًا عَلَى الْبَالِغ، فالصَّغِيرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لَكِن يُرغَبُ فِيهِ حَتَّى يَعْتَادَهُ، ويَجِبُ كَذلِكَ الصَّوْمُ عَلَى الْقَادِرِ وَضِدُّهُ غَيْرُ الْقَادِرِ والْكَبِيرُ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الصَّيَامَ فَعَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعَهُ عَقْلُهُ الإطْعَامُ، فَيُطْعِمُ عَن كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مِقْدَارَ كِيلُو ونِصْفٍ، ولا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الإطْعَامِ عَلَى الأَيَّامِ، فَإمَّا أنْ يُخْرِجَ كُلَّ يَوْمِ بِيَوْمِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إلى نِهَايَةِ الشَّهْرِ. وَالْمَرِيضُ إِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصُّومَ ومَرَضُهُ لا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ ويُطْعِمُ عَن كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، أَمَّا إِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ فِيمَا بَعْدُ، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْضِي بَدَلًا عَنْهُ أَيَّامًا أُخْرَى.

ومِمَّنْ يَجِبُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ الْعَاقِلُ، فَالْمُجَنُونُ لَا يَجِبُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ولا يَجِبُ عَلَيْهِ الإطْعَامُ، ويُلْحَقُ بِالْمَجْنُونِ الْكَبِيرُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ عَقْلٌ وهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْمُخَرِّفِ، فَإِنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ولا الإطْعَامُ

عِبَادَ اللهِ: وقَدْ جَعَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ مُفَطِّرَاتٍ لِلصِّيَامِ، فَلا يَجُوزُ لِلْمُسْلِم أنْ يَفْعَلَهَا إلا مَن اضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ الْجِمَاعُ وهُوَ أَشَدُّهَا وأَغْلَظُهَا، ومَنْ فَعَلَ الْجِمَاعَ فَعَلَيْهِ الإمْسَاكُ والإثْمُ والْقَضَاءُ والْكَفَّارَةُ الْمُغَلَّظَةُ.

وَمِنْ الْمُقْطَرَاتِ إِنْزَالُ الْمَنِي بِاخِتَيارِهِ بِتَقْبِيلٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وقَوْلُنَا بِاخْتِيَارِهِ يُخْرِجُ مِن ذَلِكَ الاحْتَلامَ، فَالاحْتِلامُ لَيْسَ عَلَى الصَّائِمِ فِيهِ شَيْءٌ ولا يُنْقِصُ مِن أَجْرِهِ شَيْئًا؛ لأنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ.

ومِنْ الْمُفَطَّرَاتِ: الأَكْلُ والشَّرْبُ؛ وهُو إيصَالُ الطَّعَامِ والشَّرَابِ إلى الْجَوْفِ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الطَّعَامُ حَلالاً أمْ حَرَامًا ، ضَارًّا أَوْ نَافِعًا، وَسَوَاءٌ كَانَ عَنْ طَرِيقِ الْفَمْ أَوْ غَيْرِهِ.

ومِنْ الْمُفَطِّرَاتِ: مَا كَانَ بِمَعْنَى الأَكْلِ والشَّرْبِ كَالإبَرِ الْمُغَذِّيَةِ فَإِنَّ هَذِهِ تُفْطِرُ الصَّائِمَ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُؤخِّرَهَا إلى اللَّيْلِ، وَإِلا أَفْطَرَ وَقَضَى عَنْهَا بَدَلًا مِنْهَا.

وَمِنْ الْمُفَطَّرَاتِ الحِجَامَةُ لِقَوْلِهِ ﷺ : "أَفطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"

وَيُلْحَقُ بِالْحِجَامَةِ التَّبَرُّعُ بالدَّمِ، فَإنْ اضْطُرَّ الْمُسْلِمُ إلى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ ويَقْضِي بَدَلًا مِن ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إدْخَالُ الدَّمِ إلى الْمَرِيضِ عَن طَريقِ الْحَقْنِ الْكَثِيرِ، فَإنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مِن الْمُفَطِّرَاتِ.

وَمِن الْمُفَطَّرَاتِ : الْقَيْء عَمْدًا، فَمَنِ اسْتَقَاءَ مُتَعَمِّدًا إِمَّا بِنَظَرٍ أَوْ بَحَرَكَةٍ فَقَدْ أَفْطَرَ، ومِن ذَلِكَ خُرُوجُ دَمِ الْحَيْضِ والنِّفَاسِ.

وَالْمُفَطَّرَات لا تَكُوُنُ مُفَطِّرَةً إلا إذَا فَعَلَهَا الإِنْسَانُ عَامِدًا مُخْتَارًا ذاكرًا، فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُفَطَّرَاتِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لا شَيْءٍ عَلَيْهِ، لَكِنْ مَن رَآهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنَبِّهَهُ، كَذَلِكَ مَن فَعَلَ مِنَ الْمُفَطَّرَاتِ مُكْرَهًا لا شَيْء عَلَيْهِ في ذَلِكَ.

عِبَادَ اللهِ : كَذلِك أَيْضًا مِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ في أَحْكَامِ الصِّيَامِ : أَنَّ الصَّائِم لا يُفْطِرُ بِخُرُوجِ الدَّمِ بِالرُّعَافِ وقَلْعِ السَّنِّ. كَذَلِكَ مِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ : الطَّيبُ لَيْسَ مِن الْمُفَطِّرَاتِ، فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِم أنْ يَتَطَيَّبَ في نَهَارٍ رَمَضَانَ لَكِنْ الْبُخُورُ لا يَسْتَنشِقُهُ.

يَسْأَلُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ الإبَرِ وأَخْذِهَا في نَهَارِ رَمَضَانَ، فَالْجَوَابُ عَنْ الإبَرِ: إذَا كَانَتَ الإبَرُ غَيْرَ مُغَذيَةٍ فَلَيْسَتْ مُفَطَّرَةً ولَوْ أَخَرَّهَا إلَى اللَّيْلِ فَهُوَ أَحْسَنُ ، لَكِنْ إنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ وَهِيَ لَيْسَتْ مُغَذِّيَةٌ فَلا حَرَجَ عَلَيْهِ في ذَلِكَ، وكَذَلِكَ الإبْرَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا مَن بِهِ مَرَضُ السُّكْرِ، فَإنَّها لا تُفَطِّرُ لأنَّها لَيْسَتْ مُغَذِّيَة ، كَذَلِكَ أَخْذُ الدَّمِ الْيَسِيرِ لِلتَّحْلِيلِ وغَيْرِهِ، فَإِنَّ ذلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ

عِبَادَ اللهِ : السِّوَاكُ يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ في كُلِّ وَقْتٍ ، لَكِنْ يُنَبَّهُ عَلَى أنَّ بَعْضًا مِنَ النَّاسِ يَسْتَاكُ بِبَعْضِ الْمَسَاوِيكِ الَّتِي فِيهَا نَكْهَةٌ مِن الْفَوَاكِهِ أَوْ غَيْرِهَا وهَذَا لا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلُهَا الْمُسْلِمُ، أَمَّا السَّوَاكُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ نَكَهَاتٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لا بَأْسَ بِهِ ، بَخَّاحُ الرَّبْوِ لَا يَضُرُّ الصَّائِمَ ، فإنَّهُ لَا يُفَطَّرُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَعلَى الْمَسْلِمِ أنْ يَحْفَظَ صِيَامَهَ وأنْ يَجْتَهِدَ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وأنْ يَتَقَرَّبَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا هِيَ إلا لَحَظَاتٌ ويمضي رَمَضَانُ وَيُغَادِرُنَا سَرِيعًا، فَاتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ (( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )).

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَن أَمَرَكُم اللهُ بِالصَّلاةِ والسَّلامِ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمُ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وَعُثْمَانَ وعَلَي ، وَعَنَّا مَعَهُم بِفَضْلِكَ وَجُودِكَ وَإِحْسَانِكَ يَا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ.

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ أنْ تَجْعَل هَذَا الشَّهْرَ مُبَارَكًا عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في شَهْرِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ والإْكرَامِ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأمْنِ والإيمانِ والسَّلامَةِ والإسْلامِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَهْرَ نَصْرٍ وعِزٍّ وتَمْكِينٍ يَا ذَا الْجَلالِ والإكرَامِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى وخُذْ بِنَاصِيَتِه لِلْبِرِّ والتَّقْوَى، وَأَعِنْهُ عَلَى أُمُورِ دِنيِهِ وَدُنْيَاهُ يَا ذَا الْجَلالِ والاكْرَامِ .

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ نَسْأَلُكَ أَنْ تَكْتُبَنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ مِن عُتَقَائِكَ من النَّار، اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رِقَابَنَا مِن النَّارِ وَرِقَابَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا يَا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. اللَّهُمَّ إنَّ لَكَ في كُلِّ لَيْلَةٍ عُتَقَاءَ مِن النَّارِ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ لَنَا أَوْفَرَ الْحَظَّ والنَّصِيبِ مِنْهُ يَا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ .

(( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) ، (( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) ، وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمدٍ .

المرفقات

1762346739_رمضان وقفات وأحكام.docx

1762346751_رمضان وقفات وأحكام.pdf

المشاهدات 86 | التعليقات 1

 !! ياشيخ بارك الله فيك رمضان باقي عليه  3 شهور