(خطبة) صفة النار والتحذير منها

خالد الشايع
1447/02/06 - 2025/07/31 17:05PM

                1

الخطبة الأولى (النار وصفتها)      7/2/1447

الحمد لله وكفى أحمده سبحانه وأشكره وأسبحه وأقدسه لم يزل بنعوت الجلال والكمال متصفا وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له مقرا بوحدانيته ومعترفا وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله النبي المجتبى والرسول المصطفى أكرم البرية أصلا ومحتدا وأزكاها فضلا وشرفا صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه السادة الحنفاء أهل البر والصدق والوفا والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى،  أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل  اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله اتقوا يوما الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.

معاشر المؤمنين : مما لا يشك فيه عاقل أن الناس في يوم القيامة ينقسمون إلى شقي وسعيد ،لا ثالث لهما ، وأن الصراط هو الموقف الأخير المفرق بين أهل الجنة والنار ، ذلك أن الكفار وعصاة المؤمنين ممن وجبت له النار يدخلونها ، فأما الكفار فهم فيها خالدون لا يفتر عنهم العذاب وهم فيه مبلسون، وأما عصاة المؤمنين فإنهم يعذبون على قدر أعمالهم وذنوبهم ثم يخرجون برحمة الله تعالى ، فإن أهل التوحيد لا يخلدون في النار ، ولكن لهم أمد ثم تخلو جهنم من المؤمنين ولا يبقى فيها إلا الكفار .
ولكن هل سأل أحد منا نفسه ما هي حال أهل النار أعاذنا الله وإياكم منها .

لقد خلق الله النار لحكم عظيمة من أعظمها ، كونها تذكرة للناس أجمعين .

ولهذا تكاثرت النصوص في التحذير من النار والأمر باتقائها فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ....) وقال ( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ) وقال ( فأنذرتكم نارا تلظى ) وقال ( إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر ) قال الحسن : والله ما أنذروا بشيء قط أدهى منها ) .

وأخرج الإمام أحمد من حديث سماك بن حرب قال سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول   أنذرتكم النار     أنذرتكم النار   حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا حتى وقعت خميصة كانت على عاتقة عند رجليه. و أخرج البخاري ومسلم من حديث عدي بن حاتمt قال r: (اتقوا النار و لو بشق تمرة  ).

معاشر المسلمين: إن التخويف من النار نال الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين اقرؤوا في شأن الملائكة ( ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين)   واقرؤوا في حق الأنبياء {ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا)

  عباد الله : إن ذكر النار قد فلق أكباد الصالحين وأطار نومهم ولهذا قيل : ما روئ مثل النار نام طالبها . قال يزيد بن حوشب ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما وروي ضمرة عن حفص بن عمر قال بكى الحسن فقيل ما يبكيك قال أخاف أن يطرحني غدا في النار ولا يبالي. قال ابن أبي ذئب حدثني من شهد عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة وقرأ عنده رجل( إذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا) فبكى عمر حتى غلبه البكاء وعلا   نشيجه   فقام عن مجلسه ودخل بيته وتفرق الناس. كان سفيان   الثوري لا ينام   إلا أول الليل ثم ينتفض فزعا مرعوبا ينادي النار النار شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ثم يتوضأ ويقول على أثر وضوئه اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار وفي هذا المعنى يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:

 إذا ما الليل أظلم كابدوه

 فيسفر عنهم وهم ركوع

 أطار الخوف نومهم فقاموا

 وأهل الأمن في الدنيا هجوع

أيها المؤمنون :إن ذكر النار وما فيها من أنواع العذاب يجب أن يكون داعيا لنا على الإقبال على الطاعة والبعد عن المعصية .

قال إبراهيم التيمي   مثلت نفسي   في الجنة آكل من ثمارها وأعانق أبكارها ثم   مثلت نفسي   في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي أي شيء تريدين قالت أريد أن أراد إلى الدنيا فأعمل صالحا قال فقلت فأنت في الأمنية فاعملي.

فمن عمل صالحا واستعاذ من النار أوشك أن ينجو من النار .

أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذكر الملائكة الذين يلتمسون مجالس الذكر وفيه إن الله عز وجل يسألهم وهو أعلم بهم فيقول   مم يتعوذون   فيقولون من النار فيقول وهل رأوها قالوا لا والله ما رأوها فيقول كيف لو رأوها فيقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد منها مخافة قال فيقول إني أشهدكم أني قد غفرت لهم وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار ثلاثا قالت النار اللهم أجره من النار.

معاشر المؤمنين : النار هي عذاب الرب سبحانه يعذب بها من يشاء من عباده ولها صفات عظيمة : فهي دركات ، حرها شديد وقعرها بعيد ومقامعها من  حديد يهوي الحجر من شفيرها سبعين خريفا ما يدرك قعرها مسالكها ضيقة ومواردها مهلكة يوقد فيها السعير ويعلو فيها الشهيق والزفير أبوابها مؤصدة وعمدها ممددة يرجع إليها غمها ويزداد فيها حرها.

النار فيها أودية من نار وجبال من نار فيها السلاسل والأغلال فيها المقامع والحيات والعقارب فيها طعام ذو غصة وشراب من حميم لباس أهلها من نار فهم يفترشون النار ويلتحفون النار قد طبقت عليهم ( لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ).

اللهم أعذنا من النار وما يقرب إليها من قول وعمل.

                الخطبة الثانية

الحمد لله الواحد القهار العلي الغفار خلق الخلق ليعبدوه وبين لهم طريق السعادة ليسلكوه وأشهد أن لا .....

أما بعد

عباد الله إن للنار خلقا خلقهم الله لها يعرفون بصفاتهم ، فوجب على كل عاقل أن يبرأ من صفاتهم ما استطاع إلى ذك سبيلا . قال الله تعالى( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس   لهم قلوب لا   يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون )

وقال (قالوا لم نك   من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين) وأخرج البخاري ومسلم من حديث حارثة بن وهب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر) .وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم قال الله عز وجل للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع عليها رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا)

معاشر المسلمين : إن للجنة طريقا وإن للنار طريقا ، فمن شاء سلك ما شاء من الطرق ، أخرج البخاري في صحيحه من حديث   أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :حجبت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات

وخرجه مسلم ولفظه حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) فمن انغمس في الشهوات وأعطى نفسه ما تمنى سار على طريق النار ومن كان صابرا عافا يتقحم المكروهات في رضا الرب فهو في طريق الجنة.

عباد الله : إن عذاب النار لا يطيقه أحد ولو لحظة واحدة .حتى إن أهلها ليطول بكاؤهم بالدعاء يطلبون التخفيف  

(وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا   يوما من العذاب   قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فأدعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال   )

فإذا أيسوا طال بكاؤهم بالدعاء أن يقض الله عليهم (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك ) لا إله إلا الله كيف يصبر على نار أهونهم فيها عذابا يرى أنه أشد الناس عذابا .

أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد t قال r: (  أدنى أهل النار عذابا ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه)  .وفي رواية

(  ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا و إنه لأهونهم عذابا)  . ‌ 

إذا تأملنا هذا فلنتأمل حالنا في هذه الدنيا هل أقلقنا الخوف من النار أم هل سعى كل منا في فكاك رقبته من النار طالما أنه في دار المهلة ، إن العبد الغافل في هذه الدار لا يفيق إلا مع سكرات الموت ‌، حين لا ينفع ذلك .( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) فإنما هي أيام قلائل ويكون الغيب شهادة والموعود حاضر مشهود

تتقشع الدنيا ببهارجها ويعاين الناس مصيرهم في يوم لا تقبل فيه المعاذير ولا تقال فيه العثرات إلا من رحمه ربه . واعلموا رحمكم الله أن السعيد من وعظ ليستيقظ قبل الفوات ، وأن الشقي من غرق في بحر الشهوات معللا نفسه بالتسويفات.

اللهم أيقضنا من الرقدات ، وأعذنا من الدركات يا أرحم الراحمين

اللهم يسر لنا أسباب التوبة ، وثبتنا عليها يا كريم

 

 

المرفقات

1753970726_النار وصفتها.doc

المشاهدات 219 | التعليقات 0