(خطبة) صلاح القلب صلاح العمل

خالد الشايع
1447/05/22 - 2025/11/13 16:06PM

الخطبة الأولى ( صلاح القلب أصل الصلاح كله )  23 جماد الأول 1447

 

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، وشرح صدورنا للإيمان، وألان قلوبنا بذكره والقرآن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل القلوب محل نظره وموضع معرفته ومحبته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من عرف ربه بقلبه، وصحّ عمله بصدق قصده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

 أما بعد فيا أيها الناس :

 إن في الإنسان مضغة صغيرة الحجم، عظيمة الشأن، بها يُعرف صلاحه أو فساده، كما قال سيد الأنام ﷺ في الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:

(ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب )

فالقلب هو ملك الجوارح، والأعضاء جنوده وأتباعه، فإذا كان الملك صالحًا كانت الرعية صالحة، وإن كان فاسدًا فسدت الرعية.

أيها الأحبة في الله، صلاح القلب لا يكون إلا بمعرفة الله وتعظيمه ومحبته وخشيته، فكل معصيةٍ تنشأ من غفلة القلب عن الله. قال تعالى:

﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37].

وقال سبحانه:

﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ • إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88–89].

والقلب السليم كما قال ابن القيم رحمه الله:

  "هو الذي سَلِمَ من كل شهوة تُعارض أمر الله، ومن كل شبهة تُعارض خبره، فمحبة الله وحده وإرادته وحده وعبادته وحده هي حركاته وسكناته".

عباد الله، القلوب ثلاثة: قلب سليم، وقلب مريض، وقلب ميت.

قال ابن القيم أيضًا:

 القلب السليم هو الحي الكامل، والمريض له حياة وبه عِلّة، وأما الميت فلا حياة فيه

ومن علامات القلب السليم:

أن يكون خاشعًا لله في السر والعلن.
أن يحب الطاعة ويكره المعصية.
أن يفرح بالتوبة ويأنس بالقرآن والذكر.
قال تعالى:

﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 23].

ومن أعظم أسباب صلاح القلوب: كثرة الذكر ودوام التفكر في الآخرة.

قال الحسن البصري رحمه الله:

 داووا قلوبكم بذكر الله، فإنها سريعة الصدأ، وإن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد .

قال ابن المبارك:

“رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل عظيم تصغّره النية.”

فالقلب هو الميزان عند الله، لا الصور ولا الأشكال. كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة  قال النبي ﷺ:

 

«إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»

 

عباد الله، كم من إنسانٍ ظاهرُه الصلاح وباطنه فاسد، وكم من آخر خفيٍّ لا يُعرف في الناس، لكن قلبه يملؤه الإخلاص، فيرفعه الله عنده درجات. قال بعض السلف:

 الناس ينظرون إلى ظاهر العبد، والله ينظر إلى قلبه، فليُصلح كلٌّ منا ما بينه وبين الله، يُصلح الله له ما بينه وبين الناس


  الخطبة الثانية

 

الحمد لله الذي جعل صلاح القلب طريقًا للجنة، وجعل الذكر حياة للقلوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أيها المؤمنون، إن القلب إذا فسدَ، لم ينفع معه كثيرُ عملٍ ولا مظهرٍ من مظاهر التدين. قال سفيان الثوري رحمه الله:

“ما عالجتُ شيئًا أشدّ عليَّ من نيّتي، إنها تتقلّب عليّ.”

فاحذروا يا عباد الله من أمراض القلوب: الرياء، والحسد، والكبر، وحب الدنيا، فإنها تُميت القلب وتمنع نوره.

قال تعالى:

﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 22].

وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:

 أصل كل خير في الدنيا والآخرة هو خوف الله ومحبته، وأصل كل شر هو الغفلة عن ذلك

أيها الأحبة، من أراد أن يُحيي قلبه فليُكثر من ذكر الله، وليُلازم القرآن، وليُجالس الصالحين، وليدعُ بدعاء النبي ﷺ الذي كان يُكثر منه:

كما أخرج الترمذي في جامعه من حديث أنس قال صلى الله عليه وسلم : «اللهم يا مُقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك»

عباد الله، إن القلوب بيد الله، يُقلّبها كيف يشاء، فاستعينوا بالله على إصلاحها، وأكثروا من التضرع والدعاء في خلواتكم، واسألوه قلبًا سليمًا حيًّا مطمئنًّا بذكره.

﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

اللهم أصلح قلوبنا، وطهّرها من النفاق والرياء، واملأها بمحبتك وخشيتك، واجعلها منيبة إليك، لا ترى سعادة إلا في طاعتك.

اللهم إنا نسألك قلوبًا سليمة، وألسنة صادقة، وأعمالًا خالصة، ونعوذ بك من قلبٍ لا يخشع، ومن دعاءٍ لا يُسمع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن علم

 

المرفقات

1763039197_خطبة صلاح القلب قبل العمل.docx

المشاهدات 359 | التعليقات 0