خطبة عن أسباب انشراح الصدر
خالد خضران الدلبحي العتيبي
خطبة جمعة بعنوان : أسباب انشراح الصدر
كتبها : خالد خضران الدلبحي العتيبي
الجمش – الدوادمي
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي شرح صدر من شاء من عباده للإسلام بفضله وأضل من شاء من عباده بعدله وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله وآله وصحبه أما بعد :
عباد الله إن من أعظم نعم الله على عبده أن يجعله منشرح الصدر يعيش حياته في سعادة وطمأنينة فهذه من أعظم النعم يقول الله تعالى[(أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الزمر : 22 )
يعني هل يستوي من شرح الله صدره لدين الإسلام فهو يؤدي تعاليمه بطمأنية هل يستوي هذا ومن قسى قلبه عن ذكر ربه .
ويقول الله تعالى((فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ))
أي فيؤدي تعاليمه براحة وطمأنينة .
ثم قال تعالى[وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء] أي شديد الضيق ثم شبه هذا الضيق بحال من يصعد إلى السماء فيضيق صدره لقلة النفس [كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام : 125 ) أي كذلك يجعل الله العذاب على الذين لا يؤمنون به سبحانه.
وامتن الله على نبيه بنعمة انشراح الصدر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أشرح الناس صدراً مع ما كان يواجهه من ابتلاء وامتحان يقول تعالى مذكراً نبيه بهذه النعمة [ألم نشرح لك صدرك]
عباد الله إن نعمة انشراح الصدر فقدها كثيرٌ من الناس فهم يعيشون القلق والهم وضيق الصدر فصاروا يبحثون عما يزيل عنهم هذا الضيق فأخذ الكثير منهم بأسباب زادت ضيقهم وغمهم كالوقوع في الذنوب والسيئات وكالتوسع في الماديات كلُ هذا بحثاً عن انشراح الصدر وقليلٌ منهم الذين أخذوا بالأسباب الحقيقية التي تشرح الصدر .
وإن من هذه الأسباب بل أعظمها :
أولاً : توحيد الله : فالعبد الذي تعلق قلبه بالله معتقداً أن الله هو الخالق المالك المدبر وأنه لا يستحق أن يعبد إلا الله فهو لا يريد إلا رضى الله فعمله لله وتوكله على الله ورجاؤه بالله فكل عبادة قلبية وقولية وفعلية فهي لله لا يصرفها للمخلوقين[(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام : 162 )
فهذا العبد هو من أشرح الناس صدراً بخلاف المشرك فإنه يعيش الضيق والقلق والخوف فالتوحيد من أعظم أسباب انشراح الصدر .
ومن أسباب انشراح الصدر كثرة ذكر الله [(الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد : 28 ) وفي صحيح البخاري من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال[مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت]
فعلينا أن نحرص على كثرة ذكر الله ولنعلم أن الذكر منه ما هو مطلق ومنه ما هو مقيد فالمطلق في كل وقت يذكر الإنسان ربه وأما المقيد فهو الذي يكون في أزمانٍ وأحوال معينة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يتقيد بما جاء ولا يزيد عليه مثل أذكار الصباح والمساء ومثل الأذكار التي تقال بعد الصلوات المفروضة ومثل أذكار النوم وإني أوصي إخواني بحفظ ما تيسر من هذه الأذكار وهناك كتاب صغير في حجمه عظيم في قدره قيمة ريال واحد اسمه[حصن المسلم] نقل كثيراً من الأذكار الصحيحة ففيه نفع عظيم.
ومن أسباب انشراح الصدر الدعاء بانشراح الصدر فهذا موسى عليه السلام يدعو ربه أن يشرح صدره قال تعالى ((قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) (طه : 25 )
ومن أسباب انشراح الصدر التأمل في كثرة نعم الله وأن ينظر الإنسان إلى من دونه في أمور الدنيا ولا ينظر إلى من فوقه فالإنسان إذا نظر إلى من هو أقل منه فإنه يرى أنه في نعمة ويقوده هذا إلى الشكر أما إذا نظر إلى من هو فوقه فإنه يحتقر النعمة التي هو فيها ولا يقوم بشكرها وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو دونكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)
ومن أسباب انشراح الصدر كثرة الأعمال الصالحة فيؤدي الإنسان الفرائض ولا يضيعها ويكثر من النوافل قال تعالى[(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (النحل : 97 )
ومن أسباب انشراح الصدر الإحسان إلى الناس فمن أسعد الناس بالسعي في تفريج كرباتهم وتخفيف مصابهم فإن الله يسعده وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال[والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه]
ومن أسباب انشراح الصدر البعد عن الذنوب والمعاصي فإنها من أسباب ضيق الصدر فلا راحة إلا بتركها يقول تعالى [(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ) (طه : 124 ) والضنك هو الضيق وكلما كان الإنسان أكثر ذنوباً كلما كان ضيقه أشد فعلينا أن نحذر الذنوب والمعاصي وإذا وقع الإنسان في شيء منها فعليه أن يبادر إلى التوبة قال تعالى في صفات المتقين [(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران : 135 )
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدورنا وأن يحيينا حياة طيبة أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي شرح صدر من شاء من عباده للإسلام بفضله وأضل من شاء من عباده بعدله وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله وآله وصحبه أما بعد :
فمن أسباب انشراح الصدر أيضاً أن يحرص المسلم على قراءة القرآن بتدبر فيجعل له حزباً من القرآن أي مقداراً من القرآن يقرأه كل يوم فهذا من أعظم أسباب انشرح الصدر فالقرآن شفاء لهذه الصدور قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (يونس : 57 )
ومن أسباب انشراح الصدر الرضا بقضاء الله وقدره وأن يعلم المسلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه في صحيح مسلم من حديث صهيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له]
وقال علقمة في قوله تعالى [(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التغابن : 11 ) قال رحمه الله[هو الرجل يعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم]
ومن أسباب انشراح الصدر أن لا يكون الإنسان فارغاً تتسلط عليه الوساوس بل عليه أن يكون عند عملٌ مباحٌ يقضي فيه شيئاً من وقته ويتسلى به ويؤدي عمله بصدق وأمانة .
فلعينا إخواني أن نأخذ بهذه الأسباب وغيرها مما لم أذكر لعل أن يشرح صدورنا ويحيينا حياة طيبة :
[(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال : 24 )
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدورنا وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم أعنا على ذكر وشكرك وحسن عبادتك اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا هداة مهتدين .
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا واجعلنا هداة مهتدين اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم ارض الصحابة أجمعين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمدُ لله رب العالمين .
المرفقات
1763035426_انشراح الصدر خطبة جمعة.docx