خطبة : عن فضل العلماء وحقوقهم علينا
خالد خضران الدلبحي العتيبي
خطبة : فضل العلماء وحقوقهم علينا كتبها : خالد بن خضران العتيبي - الجمش – الدوادمي
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
عباد الله ما أعظمَ منزلةَ علماءِ الشريعةِ عند الله سبحانه وتعالى فمرتبتهم فوق مرتبة المؤمنين قال تعالى (( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ومما يدل على شرفهم أن الله سبحانه وتعالى أشهدهم على أعظم أمر وهو أنه لا معبود بحق إلا هو قال تعالى ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ ) فبدأ بنفسه ثم ملائكته ثم أولي العلم، العلماء وفضلهم على العباد كفضل القمر على سائر الكواكب تتواضع لهم الملائكة فتضع أجنحتها لهم وتستغفر لهم الحيتان في جوف الماء حتى النملة في جحرها ورثوا أعظم ميراث من نبيهم وهو العلم جاء في سنن أبي داود والحديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِر )
وصفهم الله سبحانه وتعالى بخشيته فقال ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر : 28 ) أراد الله عز وجل بهم خيراً فأقبل بقلوبهم على العلم أخرج البخاري من حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )
يقول أبو مسلم الخولاني من كبار التابعين ( العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء إذا بدت للناس اهتدوا بها وإذا خفيت عليهم تحيروا )
ويقول أبو الأسود الدؤلي ( ليس شيء أعز من العلم الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك )
قال رحمه الله ذلك لأن الشرع حاكم على الجميع والعلماء هم حملته .
عباد الله بعد سمعنا شيئاً يسيرا ً عن فضل العلماء يأتي سؤال مهم ما هي صفات هؤلاء العلماء الذين لهم هذا المنزلة العظيمة حتى يستطيع الإنسان أن يسألهم ويصدر عن أقولهم ؟
من صفات هؤلاء العلماء الربانيين أن مرجعهم دائماً إلى الكتاب والسنة فهما مصدرا التلقي عندهم وكذلك إجماع المسلمين فهم لا يخالفونه وهم يقدمون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كلام الناس .
كذلك من صفات العلماء الربانيين خشية الله سبحانه وتعالى فهم من أبعد الناس عن محارم الله ترى عليهم أثر العبادة والخشية لله سبحانه وتعالى فإن العلم النافع يقود إلى خشية الله .
ومن صفات العلماء الربانيين سلامة معتقدهم فعقيدتهم عقيدة أهلِ السنة والجماعة فلا تجد فيهم مبتدعاً لأن المبتدع لا يقال عنه عالم ولو حفظ مسائل الفقه وأصوله .
ومن صفات العلماء الربانيين النصح لولي أمرهم فهم يدعون الناس إلى طاعته في غير معصية الله ويجمعون الكلمة عليه لما في ذلك من المصالح العظيمة ويدعون له في ظهر الغيب قال إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد ( لو كان لي دعوة مستجابة لدعوتها لولي الأمر )
ومن صفات العلماء الربانيين بذل النصيحة للناس بتعليمهم ودعوتهم وهدايتهم للخير .
عباد الله إن من نعمة الله علينا في هذه البلاد أن يسر الله لها علماءَ ربانيين عقيدتهم عقيدة أهل السنة ومرجعهم الكتاب والسنة على فهم سلف هذه الأمة فتولوا التعليم والفتوى للناس فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحم ميتهم ويجزيه خير الجزاء وأن يطيل بعمر الأحياء منهم على طاعة الله أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله .
أما بعد :
عباد الله بعد أن سمعنا شيئاً من صفات العلماء فما هي حقوق العلماء علينا ؟
إن العلماء لهم حق عظيم علينا جميعاً فإذا أردت أن تعرف قدر الدين في قلوب الناس فانظر إلى قدر علمائهم في قلوبهم فإن إجلال العلماء من إجلال الله سبحانه وتعالى وتعظيمه لما يحملونه من علم
و لا خير في أناس لا يجلون العلماء يقول الشاعر :
و لاخيرَ في قومٍ يُذل كرامهم ويعُّظم فيهم نذلهم ويسود
فعلينا أن نحذر ممن يقطعون بين الناس وبين علمائهم وهذا موجودٌ وللأسف فهناك من يحاولون تشوية صورة العلماء وإطلاق التهم عليهم حتى يتمكنوا من نشر باطلهم من شبهات وشهوات
فمن حقوق العلماء علينا عباد الله :
التأدب في سؤالهم وعدم ضرب أقولهم ببعض وعدم رفع الصوت عند الحديث معهم وأن لا نجعل الخلاف بين العلماء سبيلاً للنيل منهم فالعالم عندما يستفتيه السائل يبين له الحق بدليله ولا يقل له المسألة فيها خلاف ويتركه يتخبط لا يدري بأي قول يأخذ أو يخيره بأن يختار ما يشتهي من الأقوال فالعلماء لا يفعلون ذلك ولنعلم عباد الله أن المسألة إذا كانت محل اجتهاد وفيها عدةُ أقوال فليس معناه أن الإنسان يتخير ما يريد بل موقف المسلم أن يسأل العالم ويأخذ بفتواه التي بناها على الدليل قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل : 43 )
والعلماء عندما يختلفون إنما ذلك في بعض المسائل الفقهية أما المسائل التي تتعلق بالعقيدة فعقيدة أهل السنة والجماعة واحدة وإنما يقع الخلاف في بعض المسائل الفقهية وهذا الخلاف ليس بسبب الهوى والتشهي بل له أسباب منها عدم بلوغ الدليل ومنها فهم الدليل ومنها الاختلاف في صحة الدليل ومنها اعتقاد أنه منسوخ أو مخصوص إلى غير ذلك من الأسباب وهم مجتهدون في ذلك ومأجورون على اجتهادهم ففي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر )
يقول الشيخ صالح الفوزان (( وإن الحط من قدر العلماء بسبب وقوع الخطأ الاجتهادي من بعضهم هو من طريقة المبتدعة ومن مخططات أعداء الآمة للتشكيك في دين الإسلام ولإيقاع العداوة بين المسلمين ولأجل فصل خلف الأمة عن سلفها ))
ومن حقوقهم ستر عيوبهم وأخطائهم وعدم غيبتهم والوقوع في عرضهم يقول ابن عساكر (( اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم مسمومة وعادة الله في هتك منتقصهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب ))
ومن حقوقهم علينا الدعاء لهم بظهر الغيب والترحم على موتاهم
ومن حقوقهم علينا نشر علمهم وفتاويهم والصدور عنهم والرجوع إليهم .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ هؤلاء العلماء الربانيين وأن يجزيهم خير الجزاء على ما قدموا للعباد .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم إنَّا نسألك لإخواننا المسلمين في كل مكان فرجاً قريباً اللهم علينا بأعداء هذا الدين إنك أنت القوي العزيز عباد الله صلوا على من أمرك الله بالصلاة عليه فقال ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل على محمد اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين .
عبادَ الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فأذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
المرفقات
1758796331_خطبة عن فضل العلماء وحقوقهم.doc