خطبة عيد الأضحى 1446: هكذا علَّمنا الإسلام
أحمد بن ناصر الطيار
خطبة عيد الأضحى لعام 1446: ((هكذا علَّمنا الإسلام))
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ, الَّذِي لَا فَوْزَ إِلَّا فِي طَاعَتِهِ، وَلَا عِزَّ إِلَّا فِي التَّذَلُّلِ لِعَظَمَتِهِ، وَلَا غِنًى إِلَّا فِي الِافْتِقَارِ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَلَا هُدًى إِلَّا فِي الِاسْتِهْدَاءِ بِنُورِهِ، وَلَا حَيَاةَ إِلَّا فِي رِضَاهُ، وَلَا نَعِيمَ إِلَّا فِي قُرْبِهِ، الَّذِي إِذَا أُطِيعَ شَكَرَ، وَإِذَا عُصِيَ تَابَ وَغَفَرَ، وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ، وَإِذَا عُومِلَ أَثَابَ.
سُبْحَانَه وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ, وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ, وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ ولا فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
سُبْحَانَ مَنْ سَبَّحَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَأَمْلَاكُهَا، وَالنُّجُومُ وَأَفْلَاكُهَا، وَالْأَرْضُ وَسُكَّانُهَا، وَالْبِحَارُ وَحِيتَانُهَا، وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ, وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَالرِّمَالُ، وَكُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ ، وَكُلُّ حَيٍّ وَمَيِّتٍ {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَلِمَةٌ قَامَتْ بِهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ، وَخُلِقَتْ لِأَجْلِهَا جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَبِهَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، وَشَرَعَ شَرَائِعَهُ، وَلِأَجْلِهَا نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ، وَوُضِعَتِ الدَّوَاوِينُ، وَقَامَ سُوقُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَبِهَا انْقَسَمَتِ الْخَلِيقَةُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ, وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، وَعَنْهَا وَعَنْ حُقُوقِهَا السُّؤَالُ وَالْحِسَابُ، وَعَلَيْهَا يَقَعُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَعَلَيْهَا نُصِبَتِ الْقِبْلَةُ، وَعَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْمِلَّةُ، وَلِأَجْلِهَا جُرِّدَتْ سُيُوفُ الْجِهَادِ، وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ، فَهِيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ، وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَسَفِيرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، الْمَبْعُوثُ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ, وَالْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَإِمَامًا لِلْمُتَّقِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ.
صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ, وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ, وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد، فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنّ الله تعالى منَّ على البشرية بدينٍ وشريعةٍ سمحة, لبَّتْ حاجاتِهم, ونظَّمتْ حياتَهم, فلا سعادة ولا عزَّ لهم إلا بها.
وحينما تمسَّك الصحابةُ والتابعون رضي الله عنه بدينهم, وطئتْ أقدامُهم حدُودَ الصين وفرنسا, ونشروا العدلَ والأمان في ربوع الأرض.
ولقد علّمنا الإسلام أنْ نكون أقوياء أعزاء, وإلا لَأَكَلَنا الأعداء وساومنا سوء العذاب, {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}.
فلا ينبغي أنْ نكون عالةً على الأمم الأخرى, نأكل ونلبس مما يصنعونه ويُنتجونه, بل يجب علينا أنْ نُغنيَ أنفسنا بأنفسنا.
وإنَّ تسلُّطَ الأعداءِ ليس بسببِ قُوَّتِهِم وتَفَوُّقِهِم, بل بسبب ضعف المسلمين وعدمِ اعتمادهم على أنفسهم بعد الله تعالى.
والأنظمةُ الوضعيّةُ لا تلبّي حاجةَ الناس, فهذه دُول الغرب, قد وصلوا إلى مستوىً رفيع في الصناعة والرفاهية, لكنّ هذا الارتفاع يُقابِلُه هُبوطٌ وانحدارٌ في العلاقات الاجتماعية, والاسْتقرارِ النفسيّ, ويُوجد فيهمْ ملايين الفقراءِ والمشردين, وتنتشر فيهم الأمراض الناجمة عن الزنا والخمر, ويُقْدم على الانتحار عشراتُ الآلاف سنويًّا.
نسأل الله تعالى, أنْ يجعل عيدنا عيداً سعيدًا على جميع المسلمين, وأنْ يُعجِّل بفرجهم ونصرهم, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله الواحد الأحد ، الفردِ الصمد، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً..
معاشر المسلمين: إنّ الإسلامَ يأمرنا بأنْ نستثمرَ أموالَنا في ما ينفعنا في ديننا ودُنيانا, وأنْ نُحسن اسْتغلاله وتنميتَه, قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أي بِالْإِمْسَاكِ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِيما فيه منفعةُ دينكم ودنياكم; فَإِنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُكُمْ, وَيُمَكِّنُ الْأَعْدَاءَ مِنْكم فَتَهْلِكُونَ.
ويأمرنا بالعدل والإنصاف, والكرمِ وإغناءِ الفقراءِ وصلةِ الأرحام, وينهانا عن الظلم والميل بدون حقّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
"وإِنَّ أُمَّةً يُؤَدِّي أَغْنِيَاؤُهَا مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِمْ, لِفُقَرَائِهَا وَلِمَصَالِحِهَا الْعَامَّةِ لَا تَهْلَكُ وَلَا تَخْزَى، وَلَا شَيْءَ أَسْرَعُ فِي إِهْلَاكِ الْأُمَّةِ مِنْ فُشُوِّ الْبُخْلِ, وَمَنْعِ الْحَقِّ فِي أَفْرَادِهَا".
نسأل الله تعالى أنْ يعزّنا بالإسلام, وأنْ يُثبتنا عليه حتى نلقاه, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
اللهم تقبلنا منَّا إنك أنت السميع العليم, واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً, وتفرقنا من بعده معصوماً, ولا تجعل فينا ولا من بيننا شقيًّا ولا محروماً.
اللهمَّ إنَّا نسألك رضاك والجنَّة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهمَّ اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أن التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.