خطبة في الاستسقاء

صالح محمد السعوي
1447/05/22 - 2025/11/13 02:03AM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة في الاستسقاء

بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم، لا إله إلا الله الخلاق العليم، لا إله إلا الله المعبود وحده وعبادة غيره باطلة، والأعمال حابطة.

لا إله إلا الله المسؤول وحده والمرجو لإغاثة القلوب بالهداية والثبات على الإيمان، وإغاثة الأبدان بالوابل الصيب الهطال، النافع غير الضار.

أحمده تعالى وبفضله تتم الصالحات، وهو وحده كاف المهمات.

وأشكره سبحانه وبالشكر يزاد في الخيرات، وتستدفع المصائب والنكبات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم بالمخلوقات.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الذي أعطى جوامع الكلمات.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الفضائل والكرامات وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) [آل عمران الآيتان ١٠٢،١٠٣].

والله أمر بالتقوى في آيات كثيرة من كتابه، ولها معانٍ متعددة يجمعها القيام بأوامر الله، والانتهاء عن نواهيه بحيث تحقق الاستقامة على هذا الدين.

والله يفتح على المتقي بالعلم والفرقان بين الحق والباطل، والمخارج من الشدائد والرزق من حيث لا يحتسبُ الإنسان، وتيسير الأمور، وكرامة الله للمتقين ومحبته لهم، ونفي الخوف والحزن عنهم وتكفير السيئات.

ومغفرة الذنوب، وقبول الأعمال الصالحة منهم، ونجاتهم من النار، وفوزهم بالجنة وغير ذلك مما أكرم الله به عباده المتقين في هذه الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فللمتقين الجنة وما فيها من النعيم.

وكما أمر الله بالتقوى فإنه أمر بالتوبة فقال: ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [النور الآية ٣١].

وقال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ)) [التحريم الآية ٨].

والله يحب التوابين، ويغفر لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى بل وبفضله يبدلُ السيئات حسنات والله الشكور الحليم الذين يقبل توبة التائبين ولو عظمت ذنوبهم في أي وقت تابوا منها.

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا" رواه مسلم.

والله يفرح بتوبة التائبين، وهو الغني الحميد، والناس فقراء إليه في جميع أمورهم وأحوالهم.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ" متفق عليه.

والله أمر بالتوبة، وفتح باب القبول لها وشمل الأمر بالاستغفار في مواضع كثيرة من كتابه الكريم قال سبحانه: ((وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [البقرة الآية ١٩٩] وقال: ((وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)) [غافر الآية ٥٥].

وجمع سبحانه بين التوبة والاستغفار فقال: ((أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [المائدة الآية ٧٤].

وقال عز وجل: ((وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ)) [هود الآية ٣].

وقال جل وعلا: ((اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)) [هود الآية ٥٢].

وقال: ((فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ)) [فصلت الآية ٦].

وقال: ((فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)) [النصر الآية ٣].

وقال سبحانه: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)) [نوح الآيات ١٠،١١،١٢].

وقال عز وجل: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)) [الأنفال الآية ٣٣].

والرسول ﷺ جمع بين الاستغفار والتوبة فقال: "من قال استغفرُ اللهَ الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوبُ إليهِ غُفِر له وإن كان فرَّ من الزحفِ" رواه أبو داود والحاكم وهو حديث صحيح.

وقال عليه الصلاة والسلام: "من لزم الاستغفارَ جعل اللهُ له من كلِّ ضيقٍ مخرجًا ومن كلِّ همٍّ فرجًا ورزقَه من حيث لا يحتسب" رواه أبو داود واللفظ له والإمام أحمد في المسند وابن ماجه وهو صحيح الأسناد.

ويخبر ﷺ عن نفسه فيقول: "إنَّه لَيُغَانُ علَى قَلْبِي، وإنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَومِ مِائَةَ مَرَّةٍ" رواه مسلم. وقال: "واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً" رواه البخاري.

وأمر سبحانه بالدعاء فقال: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ))

 [غافر الآية ٦٠].

وقال سبحانه: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة الآية ١٨٦].

وقال ﷺ: "ادعوا اللهَ وأنتم مُوقِنونَ بالإجابةِ واعلموا أنَّ اللهَ لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ" رواه الترمذي وقال: حديث غريب والحاكم وذكره الألباني في الصحيحة.

وقال ﷺ: "ادعوا فإن الدعاءُ يَرُدُّ القضاءَ" رواه الطبراني وإسناده حسن.

وقال عليه الصلاة والسلام: "إن أعجز الناس من عجز عن الدعاءِ وأبخلَ الناسِ من بخلَ بالسلامِ" رواه الطبراني وإسناده حسن.

وقال ﷺ: "إن ربكم حي كريمٌ يَستَحِي مِن عبدِه إذا رفَعَ يدَيه إليه بدعوة أن يردهما صِفْرًا ليس فيهما شيء" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه والحاكم والطبراني وإسناده حسن وقال الألباني حديث صحيح.

عباد الله استديموا التوبة وأخلصوها، وأكثروا من الدعاء والاستغفار، والزموهما، وارحموا ترحموا، واعترفوا بظلم أنفسكم: ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) [الأعراف الآية ٢٣].

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً، نستغفر الله ونتوب إليه.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم اسقنا وأغثنا غيثاً مغيثاً وحياً ربيعاً وجداً طبقاً غدقاً مغدقاً مونقاً هنيئاً مريئاً مريعاً غبقاً خصباً راتعاً ممرع النبات، سائلاً مُسيلاً مُجللاً سحًا عاماً دائماً درراً نافعاً غير ضار عاجلاً غير رائث تحيي به البلاد، وتغيث به العباد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

اللهم أنزل في أرضنا زينتها، وأنزل في أرضنا سكنها.

اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهوراً فأحيي به بلدة ميتاً واسقه مما خلقت أنعاماً وأناسيَّ كثيراً.

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك ومتاعًا إلى حين.

اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، يا من بيده خزائن الرحمة والأرزاق، ويا من لا يرجى سواه لدفع الكروب وكشف الملمات والخطوب، عمنا برحمتك وجد علينا من فضلك وإحسانك، وأغدق علينا من برك وغيثك وإفضالك، وزدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا وارضنا وارض عنا وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، واجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك راهبين، لك مطاوعين، لك مخبتين، إليك أواهين منيبين، وتقبل توبتنا، واغسل حوبتنا وأجب دعوتنا وثبت حجتنا وسدد ألسنتنا، واهد قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)) [الحشر الآية ١٠].

((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))

[البقرة الآية ٢٠١].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.

المشاهدات 240 | التعليقات 0