خطبة في الحث على قسمة الميراث وإعطاء كل ذي حق حقه

صالح محمد السعوي
1447/05/12 - 2025/11/03 21:56PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة في الحث على قسمة الميراث وإعطاء كل ذي حق حقه

بقلم وتأليف/ صالح بن محمد بن سليمان السعوي

 

الحمد لله الذي شرع التوارث بين المسلمين، وأمر بالوفاء بالحقوق كاملة للوارثين.

أحمده تعالى على فضل هذا الدين، وأشكره سبحانه على رضاه للشاكرين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قيوم السموات والأرضين.

وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة المصلحين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: - فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه ورحمةُ الله قريب من المحسنين.

قال سبحانه: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف الآية ٥٦] والله مع المحسنين ويحبهم ويجزيهم الجزاء الأوفى وما على المسلم إلا أن يحسن في عبادة الله ويحسن على عباد الله ليكون من الذين قال الله عنهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلً﴾ [الكهف: ٣٠].

وقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٨]. والإحسان يقتضي إيفاء ذوي الحقوق حقوقهم ومن ذلك ما يُخلِّفه الميت من أموال لورثته ويتأخر توزيعها على الورثة والمشروع فيها جمعها ومن ثم النظر هل الميت له وصية، وهل في ذمته ديونٌ وقروضٌ وعواريٌ وغيرها، لأن المقدم فيما يخلفه تجهيزهُ ووفاء الديون وإخراج الوصية والباقي يوزع على الورثة بحسب أنصبائهم الثابتة في الكتاب والسنة وهي معلومةٌ، ومن جهلها وجب عليه الرجوع للعلماء فلا اجتهادٌ فيها، ومما يُحذر منه تأخير توزيع الميراث وقد يكون له أسباب منها أن يكون بعضهم أصحاب ثروات وليس لهم حاجة فيه ويدخل فيه المدارات التي لا محل لها لا سيما كبار الورثة ولكن من نزعت منه الرحمة فلا مبالاة فيه ولا كرامة له، والمعلوم والمشاهد أن كثيراً من الورثة ماتوا قبل التمتع بما ورثوه مع عظم حاجتهم له وأعقبهم ضياع ما ورِّث لهم، وفي الورثة الضعفاء من النساء والأطفال والأيتام وكبار السن ومن عليهم ديون والتزامات للآخرين.

عن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «اللَّهمَّ إنِّي أحرِّجُ حقَّ الضَّعيفينِ اليتيمِ والمرأةِ» رواه النسائي وإسناده جيد.

ومن باب الإحسان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ وأحسبه قال: «وكالقائِمِ الذي لا يَفْتُرُ وكالصَّائِمِ الذي لا يُفْطِرُ» متفق عليه.

وهذا الفضل رتب للمحسن فكيف يغفل عنه المماطل بالحقوق التي تشغل الذمة من ميراث وغيره، كما لا يجوز التحايل في قسمة المواريث من إخفاء شيء منها.

أو إسقاط حق أحد من الورثة أو بعضه أو إلجاء بعضهم للتنازل عن حقه الثابت له.

وليتذكر الجميع ما جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ابغوني الضعفاء فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم» رواه أبو داود بإسناد جيد صحيح.

وعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم» رواه البخاري والنسائي وإسناد صحيح.

وتوزيع المواريث على أصحابها مما يحتاج إلى جهد وصبر واحتساب لأنه مع كثرة الورثة وتشتتهم واختلاف بعضهم تتحقق المشقة فلا ينظر إليها وقد جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله تعالى، وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله ﷺ: «أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ تعالى سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، أو تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن أعتكِفَ في هذا المسجدِ -يعني: مسجدَ المدينةِ- شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه؛ ملأ اللهُ قلبَه رجاء يومَ القيامةِ، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يتهيأ له أثبَّتَ اللهُ قدمَه يومَ تزولُ قدمه» رواه الطبراني في الكبير وذكره الألباني في الصحيحة.

ومن الوارثين الذين تأخر توزيعه عليهم يعيشون في حرج وكرب ومن كان كذلك فإنهم لا يملكون مسك ألسنتهم عن إظهار التظليم والدعاء على من كان السبب في التأخير، وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [سورة هود الآية ١٠٢] متفق عليه.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «اتقوا دعوات المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرار» رواه الحاكم ووافقه الذهبي.

اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر وبل أكبادنا بصلاح الزوجات والأولاد وقهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أصلح إمامنا وولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين واجعلهم أعواناً صالحين مصلحين.

أعوذ بالله من الشيطان الرحيم: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [سورة العنكبوت الآية ٦٩].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين المسلم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

 

خطبة أخيرة في الحث على قسمة الميراث وإعطاء كل ذي حق حقه

 

الحمد لله الذي أمر بالمبادرة لفعل الخيرات، وتخليص الذمم من المتعلقات.

أحمده تعالى وهو المثنى عليه مدى الأوقات، وأشكره سبحانه على الفضل والزيادات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كاف المهمات، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الذي جاء بالآيات البينات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي التسابق في عمل الصالحات وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وكما سبق أن المقدم بالتركة تجهيز الميت ووفاء دينه وإخراج وصيته وقسمة الباقي على الورثة بحسب أنصبائهم، والذي ينبغي التنبيه عليه أنه في حال كون الميت لم يوصِي لا يرغم أحد من الورثة للتبرع له بشيء مما خلف، فإن تفضلوا عليه من ذات أنفسهم فأجر وغنيمة وإن توقفوا فلا يلومون، وعلى القائم بالتوزيع أن يحذر فتح أبواب المجاملات والميت هو الذي حرم نفسه من الوصية، ولربما أنه نفذها في حياته ولم يعلم بها أحد من الناس رغبة في نفقة السر ولكن ما أقل أن يكون لأولاده وزوجته علم بها.

وبماله وعليه فليس كل شيء يكتم فمن الإعانة على البر أن يمهد لورثته ما يكتسبون راحتهم بعد وفاته لئلا يحصل لهم عوائق في قسمة الميراث ويتأخر توزيعه عليهم والله في عون الجميع.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين وأذل الشرك والمشركين، ودمر وفرق أعداء الدين واكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار وشياطين الإنس والجان واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والعون والتسديد وصلاح ولي عهده وبطانتهما واجعلها في صالح العلماء وخيرة المؤمنين الصلحاء المصلحين.

اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وعم بالصلاح الزوجات والأولاد والمربين والمربيات وجميع المسلمين.

اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ قادتنا بالعلم والسلطة ورجال الأمن وحراس الحدود والمنافذ والحرمات والمحارم واحمم دماءهم وأعراضهم وعتادهم واغفر لأمواتهم.

اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعفو عنا واغفر لوالدينا ولمن دلنا عليك ورغبنا فيما عندك ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 56 | التعليقات 0