خطبة في الخروج من القبور لموقف القيامة للحساب

صالح محمد السعوي
1447/05/17 - 2025/11/08 21:51PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة في الخروج من القبور لموقف القيامة للحساب

بقلم وتأليف / صالح بن محمد بن سليمان السعوي

في ١٦/ ٥/ ١٤٤٧هـ

 

الحمد لله الذي جلى لعباده موقف القيامة وخروج الخلائق من القبور للحشر والنشور.

أحمده تعالى وهو المحمود المذكور.

وأشكره سبحانه ومن حقق الشكر فاز بالنعيم والسرور.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفور.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث بالهدى والنور. 

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه مدى الأيام والشهور وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتذكروا أنكم بعد الموت والدفن في القبور ستخرجون لموقف يجمع الله فيه للحساب والصدور منه للجنة أو النار.

قال عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر الآية ٦٨]

يخرج الناس من قبورهم لمجمع يوم القيامة الذي قال الله عنه في كتابه الكريم: {ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)} [هود الآيات ١٠٣،١٠٤،١٠٥].

يوم الحشر والعرض على الله الذي قال عنه سبحانه: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف الآيتان ٤٧، ٤٨].

وقال جل وعلا: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة الآيات ٦،٧،٨].

يومٌ ذكر الله الناس به قبل المقام فيه وأمرهم بالاستعداد له بوسيلة تقواه وخشيته.

قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان الآية ٣٣].

وقال سبحانه: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة الآية ٢٨١].

اليوم الذي قال الله عنه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} [عبس الآيات من ٣٤ إلى ٣٧] كل يقول نفسي نفسي.

يومٌ يخبر عنه البشير النذير صلوات الله وسلامه عليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "يَعْرَقُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ حتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأرْضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، ويُلْجِمُهُمْ حتَّى يَبْلُغَ آذانَهُمْ" متفق عليه.

يوم تدنو فيه الشمس من الخلائق ويعرفون بحسب أعمالهم.

عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حتَّى تَكُونَ منهمْ كَمِقْدارِ مِيلٍ فَيَكونُ النَّاسُ علَى قَدْرِ أعْمالِهِمْ في العَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى كَعْبَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى حَقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجامًا" وأَشارَ رَسولُ اللهِ ﷺ بيَدِهِ إلى فِيهِ. رواه مسلم

يوم لا يغفل عن الاستعداد له، وما أطوله من يوم، تقف فيه الخلائق شاخصة أبصارهم متفطرة أقدامهم، حفاةً عراةً غرلاً.

وعلى قول الله جل وعلا: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} [فاطر الآية ١٨].

 قال عكرمة رحمة الله تعالى: هو الجار يتعلق بجاره يوم القيامة فيقول: يا رب سل هذا لم كان يغلق بابه دوني، وإن الكافر ليتعلق بالمؤمن يوم القيامة فيقول: يا مؤمن إن لي عندك يداً قد عرفت كيف كنت لك في الدنيا وقد احتجتُ إليك اليوم فلا يزالُ المؤمن يشفع له عند ربه حتى يرده إلى منزل دون منزله وهو النار، وإن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة فيقول: يا بُنَّي أي والد كنتُ لك، فيثني خيراً. فيقول: يا بُنَّي إني قد احتجتُ إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى. فيقول ولدهُ: يأ بتِ ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوفُ مثل ما تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئاً. ثم يتعلق بزوجته فيقولُ: يا فلانة أو يا هذه أيُّ زوج كنتُ لكِ، فتثني خيراً. فيقول لها: إني أطلب إليك حسنةً واحدةً تهبينها إليَّ لعلي أنجو بها مما ترين قال فتقول: ما أيسر ما طلبت. ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئاً إني أتخوف مثل الذي تتخوف. انتهى كلام عكرمة.

اللهم بصرنا في منافع ديننا ودنيانا ووفقنا وأعنا على السعي في طلب ما يرضيك عنا واجعل خير أعمالنا آخره، وخير أعمالنا خواتمِهُ، واجعل خير أيامنا يوم لقائك.

اللهم أصلح لنا وللمسلمين النساء والأولاد، وقهم الفتن والأسواء.

اللهم أصلح إمامنا واحفظه وانصر به الدين وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين، وشد أزره بهم لما فيه صلاح العباد والبلاد يا رب العالمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [الشعراء الآية ٨٨،٨٩].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الأخيرة في الخروج من القبور لموقف القيامة للحساب

الحمد لله الذي جعل الحساب يوم القيامة يسيراً على المؤمنين، عسيراً على القوم الظالمين.

أحمده تعالى على كرامته للمتقين، واشكره سبحانه وبفضله ورحمته يزيد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يتولى الصالحين.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه هداة العالمين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وخذوا بالأسباب التي تجعل الحساب يوم القيامة يسيراً ومن منَّ الله عليه بالهداية والاستقامة على دين الإسلام، وختم له به فإن الله سيرحمه فيأخذ يوم القيامة كتابه بيمينه، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)} [الانشقاق الآيات من ٦ إلى ٩].

وقال الله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} [الحاقة الآيات من ٨ إلى ٢٤]. 

هذا جزاء أهل الإيمان والعمل الصالح، قوبلوا بالرحمة والرضا والجنة.

أما غير المؤمنين فقد حرموا الأخذ بالهداية قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت الآية ٤٦].

وربنا سبحانه يقول: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ (14) بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)} [الانشقاق الآيات من ١٠ إلى ١٥].

وقال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة الآية ٢٥].

وربنا يذكرنا فيما فرض علينا في صلاتنا ذلك اليوم العظيم فيقول في سورة الفاتحة التي هي ركن في كل ركعة من الصلاة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة الآية ٤].

وخذوا بما أمركم الله بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب الآية ٥٦].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد بعدد الأنفس والأنفاس ولفظات اللسان.

وارض اللهم عن خيرة الأمة، الفضلاء الكرام، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الستة الباقين من العشرة المفضلين، والآل وباق الصحب والتابعين وتابعيهم وعنا معهم أجمعين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين، وانصر عبادك الموحدين، وأذل الشرك والمشركين. ودمر أعداء الدين، واكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، ولا تجعل لعدو نفوذاً ولا سلطة علينا ولا على بلادنا وثرواتنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والعون والتسديد والحفظ، وأصلح بطانته من ولي عهده والعلماء وصالح المؤمنين.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وعم بصلاح قلوب وأعمال الزوجات والأولاد، والقادة والعلماء والدعاة والمربين، ورجال الحسبة وحفظة الأمن، وجميع المسلمين، واحفظ لنا جميعاً إيماننا وأمننا، واهد ضالنا ورد شاردنا، ولا تؤاخذنا بسوء أعمالنا ولا بما فعل السفهاء منا وتب علينا واغفر لنا وارحمنا واغفر لوالدينا ولقادتنا بالعلم والسلطة ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 59 | التعليقات 0