خطبة في الرؤيا وما يلزم فيها
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في الرؤيا وما يلزم فيها
بقلم وتأليف: صالح بن محمد بن سليمان السعوي.
الحمد لله الذي أمر بالتبصر في الدين، والأخذ في الصدق واليقين، والحذر من رؤى الكاذبين.
أحمده تعالى على وضوح الحق على ألسن المؤمنين، وأشكره سبحانه على فضله الشاكرين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خاتم المرسلين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الهداة المصلحين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه بما شرع لكم أن تطيعوه فيه وأحذروا المسالك التي تخالف شرع الله، فالحق واضح بيَّن يستمد من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وقد قصرنا على ما فيهما من الأوامر بالامتثال، والنواهي بالاجتناب، ولا نغتر بما عليه من خالفوا شرع الله ولو كثر سوادهم في المجتمع، ومما يطرق الأسماع الإخبار بالمغيبات التي يتحدث بها الكهان والمنجمون وأعوانهم والله سبحانه يقول: ((قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)) [سورة النمل الآية ٦٥].
وقال عز وجل: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ)) [سورة الجن الآيتان ٢٦،٢٧]
وقال ﷺ: "خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ: ((إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [سورة لقمان الآية ٣٤] رواه الترمذي.
ومما كثر من الإخباريات والتحدث عنها الرؤيا المنامية وما كان صالحًا منها فإنها من المبشرات.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات" قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة" رواه البخاري.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيا المُؤْمن تَكْذِبُ، ورُؤْيا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِن سِتَّةٍ وأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ" متفق عليه.
وفي رواية: "وأَصْدَقُكُمْ رُؤْيا أصْدَقُكُمْ حَدِيثًا". وقسم ﷺ الرؤيا ثلاثة أقسام، عن أبي هريره رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "الرؤيا ثلاثة: الرؤيا الصالحة بُشْرَى مِنَ اللهِ، ورُؤْيا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطانِ، ورُؤْيا ممَّا يُحَدِّثُ المَرْءُ نَفْسَهُ" رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن ماجه عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول ﷺ قال: "إن الرُّؤْيا ثَلاثٌ، مِنْها أَهاوِيلُ مِنَ الشيطانِ، لِيَحْزُنَ بِها ابنَ آدمَ، ومِنْها ما يَهُمُّ الرجلُ في يَقَظَتِه فَيراهُ في مَنامِهِ، ومِنْها جُزْءٌ من سِتَّةٍ وأربعينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ".
والشيطان يتلاعب في بعض بني آدم في منامهم ففي صحيح مسلم أن أعرابياً جاء إلى النبي ﷺ فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، رَأَيْتُ في المَنَامِ وأن رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ فَاشْتَدَدْتُ علَى أَثَرِهِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ لِلأَعْرَابِيِّ: "لا تُحَدِّثِ النَّاسَ بتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بكَ في مَنَامِكَ". وأرشد ﷺ من يرى رؤيا في منامه يكرهها، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا رَأَى أحَدُكُمُ الرُّؤْيا يَكْرَهُها، فَلْيَبْصُقْ عن يَسارِهِ ثَلاثًا ولْيَسْتَعِذْ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ ثَلاثًا، ولْيَتَحَوَّلْ عن جَنْبِهِ الذي كانَ عليه" رواه مسلم.
والكذب في الرؤيا فيه إثم عظيم، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «مَن تَحَلَّمَ بحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، ولَنْ يَفْعَلَ» رواه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «إنَّ مِن أفْرَى الفِرَى أنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ ما لَمْ تَرَ» رواه البخاري.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحرَّ الصدق وأكل الحلال، والمحافظة على الأمر والنهي، ولينم على طهارة كاملة مستقبل القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة، وأصدق الرؤيا رؤيا الأسحار فإنه وقت النزول الإلهي واقتراب الرحمة والمغفرة، وسكون الشياطين، وعكسه رؤيا العتمة عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سألت رسول الله ﷺ عن قول الله تبارك وتعالى: ((لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة)). قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.
ومما يتأكد التنبيه عليه أن يحذر من الإقدام على تعبير الرؤيا لمن لا يحسنون تعبيرها لأنها شبيهة بالفتوى بغير علم، وقد وجد من يتأكلون بالتعبير والخوض فيها وبث الدعايات في بعض الوسائل.
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، وقال أيضًا: الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة انتهى.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره انتهى.
وكان سفيان الثوري رحمه الله تعالى: إذا قيل له إنه رُئي في المنام قال أنا أعرف بنفسي من أصحاب المنامات انتهى.
فلنحذر جميعاً مما يخوض به جهلاء التعبير فلا نأخذ بنهجهم وتلاعبهم بالعقول والعقائد وادعاء المغيبات.
اللهم اسلك بنا سبيل الهادين المهديين وعم بذلك الزوجات والأولاد وكل من بيده قيادة في العلم والتعليم.
اللهم أصلح إمامنا وولي عهده والعلماء والأمناء والمستشارين وشد عضد الجميع لما فيه صلاح العباد والبلاد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) [سورة الأحزاب الآيتان ٧٠،٧١].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفرالله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الأخيرة في الرؤيا وما يلزم فيها
الحمد لله الذي أرشد عباده إلى سبل الهداية والاستقامة، وحذرهم من نهج الغواية والسفاهة.
أحمده تعالى على بيان الحق ومدلولاته، وأشكره سبحانه ومن شكره فاز بالزيادة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللطيف بعباده، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله للناس كافة.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خيرة أمتن وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، ومن اضطر إلى تعبير الرؤيا فعليه البحث والتقصي عن الذين يصدقُ عليهم معرفة الدلائل التي تبرهن حقيقة الرؤيا، وأن يكون من الأمناء الذين يتقون الله ويتحرون الصدق، ويبشرون بالخير ويكتمون ما فيه من المخيفات والمحزنات.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: المفتي والمعبر والطبيب يطلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره انتهى.
وكان ابن سيرين رحمه الله تعالى يسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطىء ويصيب انتهى. فلنحذر من كل ما يفرق بين الأحبة ويحدث في الأنفس الأوهام.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد الذي بلغ البلاغ المبين وترك أمته على المحبة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين وعن سائر الصحابة والتابعين واجعلنا من أتباعهم يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار.
وأعذنا والزوجات والأولاد والمسلمين من شياطين الإنس والجان، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا وولي عهده بالتوفيق والعون والتسديد والنصرة لهذا الدين، واجعل بطانتهما من العلماء وخيرة المؤمنين الصلحاء المصلحين.
اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
اللهم احفظنا بحفظك التام وارعنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا واحفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ قادتنا وعلمائنا ورجال أمننا وحراس المحارم والحرمات واحمم دماءهم وأعراضهم وعتادهم.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن أحسن إلينا وجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.