خطبة في النهي عن الغش في البيع والشراء والاحتكار
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في النهي عن الغش في البيع والشراء والاحتكار
بقلم وتأليف / صالح بن محمد السعوي
الحمد لله الذي أمر بحسن التعامل في البيع والشراء، والسماحة في القضاء والاقتضاء.
أحمده تعالى وهو أهل الحمد والثناء، وأشكره سبحانه على نعم تترى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الصادق الأوفى.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأصفياء وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه واستحضروا نعم الله التي منَّ بها على عباده ونوعها عليهم، ومنها نعمة الأموال والله أمرنا بفعل الأسباب التي تكون وسيلة للحصول عليه قال سبحانه: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ))
[سورة الملك الآية ١٥].
وقال سبحانه: ((وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا)) [سورة النبأ الآية ١١].
وعن المقداد بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي ﷺ: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وإسناده صحيح.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إنَّ رَجُلًا كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ أتاهُ المَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فقِيلَ له: هلْ عَمِلْتَ مِن خَيْرٍ؟ قالَ: ما أعْلَمُ، قيلَ له: انْظُرْ، قالَ: ما أعْلَمُ شيئًا، غيرَ أنِّي كُنْتُ أُبايِعُ النَّاسَ في الدُّنْيا وأُجازِيهِمْ، فَأُنْظِرُ المُوسِرَ، وأَتَجاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ، فأدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ" متفق عليه.
ومن مبرات البيع السماحة والصدق ومجانبة الحلف، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، واشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى" رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ" متفق عليه.
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَتَما وكَذَبا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما" متفق عليه.
والغش في البيع وغيره خطره عظيم وأنواعه كثيرة ومنها ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر رسول الله ﷺ على صُرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام" قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس منا" رواه مسلم.
ولا بد من بيان العيوب، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "المسلمُ أخو المسلمِ لا يحلُّ لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب إلا بينه له" رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
ونهى ﷺ عن الاحتكار، عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «من احتكر فهو خاطئ» رواه مسلم.
وعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «بئس العبد المحتكر إن أرخص الله الأسعار حزن وإن أغلاها فرح» رواه البيهقي في شعب الإيمان ورزين في كتابه.
والنهي عن تلقي الجلب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تَلَقَّوْا الجَلَبَ، فمَن تَلَقَّاهُ فاشْتَرَى منه، فإذا أتَى سَيِّدُهُ في السُّوقَ، فَهو بالخِيارِ» رواه مسلم.
ونهى الله عن بخس في المكاييل والموازين قال جل وعلا: ((وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) [سورة المطففين الآيات من ١ إلى ٦].
وقال: ((وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)) [سورة الرحمن الآية ٩].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا وزنتم فأرجحوا» رواه ابن ماجه في الزوائد وإسناده صحيح على شرط البخاري. وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: أهلك الله قوم شعيب ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس في الميزان والمكيال انتهى.
ومما يُحذر ويُحذر عنه التستر الذي حذرت منه الأنظمة والتعليمات التي أصدرت لصالح الجميع فلا يستهان بها وكم حصل بسبب عدم التقيد بها من ضياع للمال وعقوبات عجلت قبل الآجلة، والتستر يولد منه آفات كثيرة وعواقبها وخيمة يتحملها من استهان بها، والنصح متعين قبل حلول المسائلات وتطبيق العقوبات.
اللهم وفقنا لقبول نصح الناصحين، وتوجيه العارفين وأصلح الزوجات والأولاد والمربين والمربيات.
اللهم أصلح إمامنا وولي عهده والعلماء والأمناء والمستشارين وشد أزر الجميع لصالح الدنيا والدين يا رب العالمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [سورة المائدة الآية ٢].
بارك لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
خطبة أخيرة في النهي عن الغش في البيع والشراء والاحتكار
الحمد لله الذي جعل البركة في صدق التعامل والمقاضاة.
أحمده تعالى وبحمده تتم الصالحات، وأشكره سبحانه ومن شكره غنم الزيادات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كاف المهمات، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الذي بلغ أفضل الرسالات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الكرامات، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، والزموا الصدق في التعامل والمعاملات، فإن الصدق يهدي إلى البر وهو منجاة من تبعات الإثم والعقوبات.
عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" رواه الترمذي وقال: حديث حسن وهو في صحيح الترغيب.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله ﷺ: أي الكسب أفضل. قال: "عَمَلُ الرَّجُلِ بيَدِه، وكُلُّ بَيعٍ مَبرورٍ" رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد والحديث في صحيح الترغيب.
وصلوا على الرحمة المهداة والله يقول: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [سورة الأحزاب الآية ٥٦]
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد ما اتصلت عين بنظر وأذن بخبر.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الستة الباقين من العشرة المفضلين وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين وعن سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان واجعلنا ممن تبعهم ومات على محبتهم واحشرنا في زمرتهم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر من نصر الدين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين.
واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وشياطين الإنس والجان، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا وولي عهده بالتوفيق والعون والتسديد وصلاح البطانة من العلماء وخيرة المؤمنين.
اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ قادتنا بالعلم والسلطة واحفظ رجال أمننا وحراس الحدود والمنافذ والمحارم والحرمات والمرافق والطرقات.
اللهم اغفر لنا أجمعين وارحمنا وأنت خير الغافرين.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلًا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.