خطبة في حسن التعامل مع الوالدين وكبار السن والضعفاء

صالح محمد السعوي
1447/05/12 - 2025/11/03 21:42PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة في حسن التعامل مع الوالدين وكبار السن والضعفاء

 

بقلم وتأليف صالح بن محمد بن سليمان السعوي.

 

الحمد لله الذي رتب الحقوق وجعل منها الواجب والمستحب بالقول والعمل والفعل وإظهار الرحمة.

أحمده تعالى وأثني عليه بما هو أهله، وأشكره سبحانه ومن شكره فاز برضاه ومغفرته.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم بعباده.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الرحمة المهداة للأمة.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ودعاته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه وتذكروا الحقوق العشرة التي ذكرها الله في قوله سبحانه: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)) [سورة النساء الآية ٣٦].

وعن الوالدين قال عز وجل: ((وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)) [سورة الإسراء الآيتان ٢٣،٢٤].

وبر الوالدين مقدم على الجهاد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي ﷺ: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله عز وجل. قال: "الصلاة على وقتها" قال: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ يستأذنه في الجهاد فقال: "أحيُّ والداك؟" قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد" رواه مسلم.

ولم يمت البر بموتهما عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: فيما نحن عند رسول الله ﷺ إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبويَّ شيءٌ أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذُ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرامُ صديقهما" رواه أبو داود وغيره ومن التكريم والإجلال والتقدير والاحترام بوجه عام القيام بالحقوق الستة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ سِتٌّ" قيلَ: ما هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: "إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ" رواه مسلم.

والله أمر بالإحسان قال عز وجل: ((وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) [سورة البقرة الآية ١٩٥].

والنصر واكتساب الرزق من وسائله رحمةُ الضعفاء، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " ابغوني الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون بضُعفائِكم" رواه أبو داود بإسناد جيد.

وممن يراعى في الإكرام والتقدير ما جاء عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط" رواه أبو داود وسنده حسن.

وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة" رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله ﷺ: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا" رواه أبو داود والترمذي وسنده حسن.

وحق الزوجة جاء في الحديث عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت يا رسول ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تُطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضربِ الوجهَ، ولا تُقبِّحْ، ولا تهجر إلا في البيتِ" رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وإسناده صحيح.

وفي حق الأولاد، عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ" رواه مسلم.

والفضل عظيمٌ للساعين على الضعفاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: كالقائِمِ لا يَفْتُرُ، وكالصَّائِمِ لا يُفْطِرُ) رواه البخاري ومسلم.

وكل ما كان أحوج للعطف والشفقة فإنه مقدم على من دونه ويذكر لذلك الناشئة ليقوموا بالتقدير والاحترام والخدمة للوالدين ولمن يحتاج إليها من ذوي الكبر والعجز والضعف والمرض، والمسلم الموفق دأبه فعل الخيرات واجتناب المنكرات لعلمه بخيرية المسلمين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله ﷺ قال: "خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره" رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار تحرم على كل هين لين سهل" رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب والحديث صحيح لغيره.

اللهم أنزل في قلوبنا والزوجات والأولاد الرحمة العامة والخاصة.

اللهم أصلح إمامنا وولي عهده ولكل من بيده سلطة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)) [سورة طه الآية ١١٢].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

خطبة أخيرة في حسن التعامل مع الوالدين وكبار السن والضعفاء

 

الحمد لله الذي جعل الرحمة قريب من المحسنين، ووفق لها من هداهم من المسلمين.

أحمده تعالى على عظم الجزاء للمؤمنين المخلصين، وأشكره سبحانه وهو الذي يزيد الشاكرين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خاتم المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه قدوة السالكين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه واستحضروا أن الجزاء من جنس العمل فمن رحم عباد الله رحمه الله، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبوداود والترمذي وهو حديث صحيح بشواهده.

ومع الرحمة الإحسان قال سبحانه: ((إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)) [سورة النحل الآية ١٢٨].

وعن حذيفة رضى الله عنه عن النبي ﷺ قال: "كل معروف صدقة" متفق عليه.

ومن الإحسان الكلمة الطيبة واستحضار حديث أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه وفي الحديث: "البركة مع أكابركم".

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد الذي لا خير إلا دل أمته عليه ولا شراً إلا حذرها منه.

اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وتابعهم بإحسان واجعلنا ممن تبعهم واقتفى أثرهم يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر من نصر الدين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وشياطين الإنس والجان واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والعون والتسديد وصلاح البطانة من ولي عهده والعلماء وخيرة المؤمنين الصلحاء المصلحين المؤمنين.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وعم بالصلاح الزوجات والأولاد والمربين والمربيات وجميع المسلمين.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.

اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ أزواجنا وذرياتنا وقادتنا بالعلم والرعاية ورجال أمننا وحراس المحارم والحرمات والحدود والمرافق والطرقات واحم دماءهم وأعراضهم وعتادهم واشف مرضاهم وارحم موتاهم وأحسن الخلف على من خلفوا، وارحمنا جميعاً واغفر لنا ولوالدينا ولأمواتنا وأموات المسلمين وأنت أرحم الراحمين وخير الغافرين والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 42 | التعليقات 0