خطبة في ذكر الموت والتذكير بالاستعداد له قبل نزوله

صالح محمد السعوي
1447/05/11 - 2025/11/02 00:22AM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة في ذكر الموت والتذكير بالاستعداد له قبل نزوله

بقلم وتأليف / صالح بن محمد بن سليمان السعوي

في ٩/٥/ ١٤٤٧هـ

الحمد لله الذي ذكرَّ عباده بالموت وما يتقدمه من السكرات، وأمرهم

بالاستعداد له بالإيمان والأعمال الصالحات.

أحمده تعالى أن جعل الكرامة للمؤمنين والمؤمنات.

وأشكره سبحانه وبالشكر تستقر النعم وتتوافر الخيرات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم الخفيات.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أفضل مبعوث جاء بخاتمة الرسالات.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الفضائل والكرامات وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتذكروا عباد الله ما أنتم إليه قادمون فالحياة يعقبها الموت والدنيا تعقبها الآخرة وكل نفس على موعد من النقلة من دار الدنيا إلى دار البرزخ التي قال الله عنها: ((مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ)) [سورة طه الآية ٥٥]

ويبقى الأموات في قبورهم حتى يأذن الله بخروجهم منها لموقف يوم القيامة.

قال جل وعلا: ((أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)) [سورة العاديات الآيتان ٩، ١٠].

وقال سبحانه: ((يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا)) [سورة النبأ الآية ١٨].

والله سبحانه خلق الأنفس وقدر لها الآجال التي لا تتقدمها ولا تتأخر عنها إذ يقول الله عز وجل: ((فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)) [سورة النحل الآية ٦١].

وقال جل وعلا: ((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)) [سورة النساء الآية ٧٨].

والمهم في الأمر هو التذكير بما يستعد به لما بعد الموت من الأعمال الصالحة قال الله جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) [سورة آل عمران ١٠٢].

وذكر الله عن إبراهيم الخليل ويعقوب عليهما الصلاة والسلام أنهما أسلما لله العالمين، ووصيا بنيهم بأن لا يموتوا إلا وهم مسلمون، قال سبحانه: ((وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) [سورة البقرة الآيات ١٣٠،١٣١،١٣٢].

والإسلام هو الأصل والأساس والمطلب من الإنسان في هذه الحياة.

والله سبحانه خلقنا وأوجدنا في هذه الدنيا لنعبده وحده ولا نشرك به شيئاً.

وأمرنا باستباق الخيرات والمسارعة في عمل الصالحات، وطلب المغفرة والتجاوز عن السيئات.

ورسولنا ﷺ أمرنا فقال: "استكثروا ذكرَ هاذمِ اللَّذاتِ فإنَّه ما ذْكُرْه أحدٌ في ضيقٍ إلَّا وسَّعَه، ولا ذَكرَه في سَعةٍ إلَّا ضيَّقَها عليهِ" رواه الترمذي والطبراني وإسناده حسن.

وقيل له ﷺ: يا نبي الله، من أكيَسُ النَّاسِ؟ وأحزم الناس؟ قال: "أكثَرُهم ذِكْرًا للموتِ، وأكثرهم استعدادًا للموتِ أولئك الأَكياسُ، ذهبوا بشرفِ الدنيا، وكرامةِ الآخرة " رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد حسن وابن ماجه والبيهقي والهيثمي.

وقال عليه الصلاة والسلام: "استحيوا من اللهِ حقَّ الحياءِ" فقلنا: يا نبي الله إنا لنستحيي. قال: "ليس ذلك ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء" رواه الإمام أحمد والترمذي صحيح الإسناد.

ومن الاستعداد للموت قبل نزوله التخلص من حقوق الله وحقوق عباده بالوفاء أو الاستبراء منها، لئلا يكون ثم تعلق بها بعد الوفاة.

ومما يستعد به الوصية بما للإنسان وما عليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" متفق عليه وقال رجل لبعض السلف أوصني. قال: عسكر الموت ينتظرونك انتهى.

وقال ابن الجوزي رحمه الله: إذا علم الإنسان بأن الموت يقطعه عن العمل عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته، فإن كان له شيء من الدنيا وقف وقفاً وغرس غرساً وأجرى نهراً ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده فيكون الأجر له، أو أن يصنف كتاباً من العلم، فإن تصنيف العالم ولده المخلد وأن يكون عاملاً بالخير، عالماً فيه فينقل من فعله ما يقتدي الغير به فذلك الذي لم يمت. انتهى.

اللهم أحينا مؤمنين، وتوفنا مسلمين، وأصلح عقبنا وثبتهم على الدين.

اللهم أصلح إمامنا واحفظه وانصر به الدين وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين وشد عضده بهم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) [سورة آل عمران الآية ١٨٥].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

خطبة أخيرة في ذكر الموت والتذكير بالاستعداد له قبل نزوله

الحمد لله الذي جعل الاكثار من ذكر الموت من أسباب الاستعداد له قبل نزوله.

أحمده تعالى وله الحمد في الأولى والآخرة.

وأشكره سبحانه وقد أذن بالمزيد لشاكره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم بعباده.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث بين يدي الساعة.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حازوا الكرامة وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه واجعلوا الموت من

المواعظ التي تطرق الأسماع لأن الله قدر آجال الأنفس. وجعل علم قبض

الأرواح إليه وحده.

وتذكروا فتنة المحيا والممات التي استعاذ منها رسول الله ﷺ وأمر بالاستعاذة منها في التشهد الأخير من الصلاة، فقال ﷺ: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال" رواه مسلم.

والمستقيمون على الإيمان والعمل الصالح والوفاة عليه تتنزل عليهم الملائكة عند الموت قال الله عز وجل: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ)) [سورة فصلت الآيات ٣٠،٣١،٣٢].

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: على قول الله سبحانه عن الملائكة: ((نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)) [سورة فصلت الآية ٣١] أي تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار كنا أولياءكم أي قرناءكم في الحياة الدنيا نسددكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور ونجاوز بكم الصراط المستقيم ونوصلكم إلى جنات النعيم. انتهى.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ما نطقت الألسن وسمعت الأصوات ونظرت الأعين.

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الستة الباقين من العشرة المفضلين، وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين، وعن جميع الصحابة والتابعين وتابعيهم، واجعلنا ممن تبعهم واحشرنا في زمرتهم.

اللهم أعز الاسلام والمسلمين، وكثر أنصار الدين، وقوي عزائم الولاة والعلماء والدعاة لبيان محاسن الاسلام والدعوة إليه.

اللهم أذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئنا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح ولاة أمرنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والحفظ والعون والتسديد وصلاح البطانة من ولي عهده والعلماء، وخيرة المؤمنين الصالحين المصلحين.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا، واحفظ لنا إيماننا وولاتنا وعلماءنا ودعاتنا، ورجال أمننا وحراس حدود بلادنا ومدهم بالعون والتسديد، والاهتداء على كل مجرم وعابث وساع في الأرض بالفساد.

اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، واكفنا جميعاً ما أهمنا ومالا نهتم به من أمر ديننا ودنيانا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.

اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرض المسلمين.

اللهم ارحمنا وارحم عبادك المستضعفين واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين وافسح لهم في قبورهم ونورها عليهم يا رب العالمين.

المشاهدات 104 | التعليقات 0