(خطبة) مسؤولية الأسرة في هذا الزمن
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( مسؤولية الأسرة في هذا الزمن ) 16 جماد الأولى 1447
الحمد لله الذي جعل الأسرة لبنة المجتمع، وجعل صلاحها صلاحًا للأمة، وفسادها فسادًا للناس أجمعين.
نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للمؤمنين، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد فيا عباد الله :
فأوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال جل شأنه:
﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء:131].
أيها الأحبة في الله،
حديثنا اليوم عن أمانة عظيمة ومسؤولية كبرى، إنها أمانة الأسرة؛ الزوجة والأولاد، التي سيسأل عنها العبد بين يدي الله يوم القيامة.
كما أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
«كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها…»
تأملوا – رحمكم الله – قوله ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول»، فكل راعٍ سيسأل، لا عن المال فحسب، بل عن القلوب والعقول التي استُرعيت.
سيسأل الأب: ماذا علمت أبناءك؟ على ماذا ربيتهم؟ ومن أي طريق غذيت عقولهم وأرواحهم؟ وهل حذرتهم ومنعتهم من الأخطار ؟
إن الأسرة في الإسلام ليست مجرد علاقة نسب،ولا أكل وشرب وسكن ، بل هي ميثاق غليظ، قال تعالى:
﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء:21].
ولهذا، جعل الله الزوج مسؤولًا عن القِوامة، فقال سبحانه:
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء:34].
والقِوامة ليست تسلطًا ولا قهرًا، بل رعاية وعدلا ورحمة، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“والله إن الرجل ليُسأل عن أهل بيته حتى عن خادمه فيما بينه وبين الله”
يا أيها الأب المبارك،
اعلم أنك قدوة لأهلك، فما يرونه منك يغرس في نفوسهم ما لا تزرعه مواعظ الدنيا كلها.
قال بعض السلف: “صلاح الآباء نجاة للأبناء”.
إن من أعظم صور الأمانة أن تحفظ بيتك من أسباب الانحراف والفساد.
احذر من أن يدخل بيتك ما يفسد القلوب والعقول عبر الشاشات أو الهواتف، فقد قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم:6].
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تفسيرها:
“علِّموهم وأدِّبوهم”،
فالوقاية هنا ليست بالمأكل والملبس، بل بالعقيدة والأدب والخلق.
عباد الله،
كم من أبٍ أهمل بيته وانشغل بأصحابه والاستراحات والسفريات ، فكان سببًا في ضياع أولاده وبناته، وكم من أم انشغلت بزينة الدنيا ومكالمات صاحباتها والسفريات والكفيات ، ففقدت بيتها وطمأنينته!
فيا من ولاك الله زوجة وأولادًا، اتق الله فيهم، فإنها أمانة ثقيلة.
اللهم اقر عيوننا بصلاح بيوتنا يارب العالمين .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أيها الأحبة في الله،
إن الأسرة المسلمة لا تقوم إلا على رحمة ومودة، قال تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم:21].
فإذا فقد البيت المودة، انقلب السكن قلقًا، والراحة عناءً، والرحمة خصومة.
لذلك كان النبي ﷺ أرحم الناس بأهله، أخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها:
“كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع النداء خرج إلى الصلاة.
وأخرج الترمذي في سننه أن النبي ﷺ يقول:
«خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»
فيا من يريد الخير، ليبدأ بأهله، فخير الناس من كان خيرًا لأهل بيته.
عباد الله،
صلاح الأسرة هو أساس صلاح الأمة، قال الحسن البصري رحمه الله:
“صلاح الأبناء من صلاح الآباء، والله ما أكرم أبٌ أولاده بمثل طاعة الله”.
إذا صلح الأب والأم صلحت الأسرة كلها بإذن الله ، وشبابنا وفتياتنا في هذه الأيام يعيشون أمام فتن مدلهمة ، عقدية وشهوانية ، إذا لم نقف معهم ونساعدهم ونأخذ بأيديهم ستتخطفهم أيادي الفساد إلا أن يشاء الله .
لا ترم أولادك أمام الأجهزة ولا تراقبهم ، فوالله إنه ليدار في الخفاء ما تشيب له الرؤوس ، فكن حذرا ، وتابع أولادك برفق ، أشغلهم بالمفيد ، واملآ وقتهم بالنافع ، فالوقاية خير من العلاج .
ثم اعلموا رحمكم الله أن الأمانة لا تقتصر على التربية الدينية فحسب، بل تشمل النفقة والعدل والعطف.
أخرج أبو داود في سننه قال ﷺ:
«كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت»
فاتقوا الله عباد الله، وأدوا الأمانة كما أمركم الله، ولا تظلموا أهليكم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
اللهم أصلح لنا أزواجنا وذرياتنا، واجعلنا للمتقين إمامًا.
المرفقات
1762436221_خطبة.docx