خطبة معجزة العصر الذكاء الاصطناعي -التعميم-

حسين بن حمزة حسين
1447/01/29 - 2025/07/24 17:34PM

الحمد لله خالق الإنسان، وفاتح له أبواب العلم والإتقان، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان. إخوة الإيمان: إنّ الله سبحانه وتعالى يفتح لعباده في كلّ عصر من العصور من أبواب العلم والمعرفة، ما تصلح به أحوالهم، وتستقيم به شؤون حياتهم، فتكون تلك العلوم والفتوحات آيات ناطقة، وشواهد باهرة على عظمة ربوبيته، تدعو إلى توحيده، وتذكّر بقدرته، ففي زمن عاد، أُوتوا من القوة والعلم ما مكّنهم من نحت البيوت في الجبال، وفي عهد نبيّ الله سليمان عليه السلام، سخّر الله له الريح تجري بأمره، غدوّها شهر ورواحها شهر، وسخّر له الطير، وعلّمه منطقها، وأُحضر له عرش بلقيس في طرفة عين. إخوة الإيمان: في زماننا فتح الله جلّ جلاله على عباده من أسرار الفضاء ما أذهل العقول، فاكتشف قوانين دقيقة، وسُننًا مبهرة، وصنع آلات عظيمة، منها الأقمار الصناعية التي تُرسل إلى الفضاء وتُثبت في مداراتها حول الأرض، تنقل الصوت والصورة، وتربط بين أطراف المعمورة، عبر موجات ترددية دقيقة، فتنقل الصوت والصورة من أقصى العالم إلى أقصاه، في جزء من الثانية، وكأنك ترى وتسمع ما يجري خلف المحيطات والجبال وأنت في مكانك، وكل ذلك من دلائل قوله تعالى: ﴿عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، إنها ليست معجزات أنبياء، ولكنها من دلائل القدرة الإلهية، التي ينبغي أن تزيد الإنسان إيمانا ويقينا بالخالق عزّوجل، وتدفعه إلى توحيد ربه العليم الحكيم، الذي أحاط بكل شيء علمًا، وفي قلب هذه المنظومة الهائلة تقف محطات أرضية ضخمة، وحاسبات جبارة، وآلات لا تقتصر على الحساب فحسب، بل تفكر، وتحلل، وتتخذ قرارات! إنها آلات قادرة على محاكاة العقل البشري، تتفاعل وتتعلم، وتبدع وتبتكر، تُعرف اليوم بالذكاء الاصطناعي، أحد فروع علوم الحاسبات، الذي يقوم على خوارزميات متقدمة، تحاكي في سلوكها وتفكيرها عقول البشر، تُحلل البيانات، وتفهم النصوص، وتُترجم الكلمات، وتُشخّص الأمراض، وتُدير المصانع، وتقود المركبات، وتخوض الحروب، وتعمل في أخطر المواقع، وكل ذلك بإذن الله وتسخيره، قال تعالى ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، وقال تعالى ( عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)،  إنّ هذه الاختراعات العجيبة، والتقنيات المذهلة، تذكّرنا بنعمة الله الكبرى على الإنسان، بنعمة العقل الذي هو الأصل، والذي به يفكّر ويبتكر، فالله وحده هو الذي هدى وسدّد، وسخّر وأعان، فسبحان العليم الحكيم!"؟ سبحان من أودع في عقول البشر القدرة على فهم الخوارزميات؟ ، وسبحان من جعل في هذا الكون قوانين دقيقة تُحمل بها البيانات وتُعالج في أجزاء من الثانية؟ ، سبحان من خلق الذرّة، وركّب الإلكترون، وسخّر الموجات في الهواء لنقل ما لا تراه العيون؟، إنه الله جل جلاله (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، وإن ما نراه اليوم من العلوم بداية فقط، والقادم – والله أعلم – أعظم قال تعالى  (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الخطبة الثانية :   اللهم لك الحمد على ما علمتنا، ولك الحمد على ما سخّرت لنا، اللهم اجعل علمنا نافعًا، وعملنا صالحًا، وأشهد أن محمد..... اتقوا الله عباد الله في ما بين أيديكم من علمٍ وتقنية، واجعلوا ميزان الدين هو المهيمن على هذه التقنيات لنستخدمها بميزان الشرع، وبنور القرآن، وبحذر العقلاء، ولنربّي أنفسنا وأبناءنا على أن هذه الوسائل ليست عبثًا، بل هي نعمة تُشكر، وأمانة تُحفظ، وسلاح يُستخدم في الخير لا في الشر، لا يكن تقنيات الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، أداة للغش والخديعة والتزوير والكذب، لا يكن الإنترنت وسيلة لنشر الرذيلة أو الكذب على الدين،  ومن ذلك تزييف الصور والمقاطع الصوتية والمرئيات وانتحال الشخصيات لنشر الضلالات والمساس بالشرف والأعراض وتلفيق الفتاوى الكاذبة على ألسن العلماء. إخوة الإيمان: إن من أعظم الواجبات في هذا الزمن الذي كثرت فيه الوسائل وتدفّقت فيه المعلومات، أن يتثبّت المسلم من كل ما يسمع ويقرأ، وألّا يُلقي السمع لكل شائعة، أو يُسارع إلى تصديق كل منشور، فإنّ من صفات المؤمنين: التثبّت، والتحرّي، وأخذ الأخبار من مصادرها الرسمية، خاصة في الأمور العظيمة، التي تمسّ دين الأمة، أو أمن البلاد والعباد. واعلموا -عباد الله- أن الإنسان محاسب أمام الله على ما يقول ويكتب، بل وعلى ما يُشير إليه أو يُعجب به، فكم من كلمة لا يُلقي لها بالًا تهوي به في النار سبعين خريفًا، وكم من مشاركة أو إعادة نشر تفتح أبواب الفتن، أو تُؤذي عباد الله، أو تروّج لباطلٍ أو منكر. فلا تجعلوا هذه الوسائل العظيمة بابًا للتسلية العابرة، أو لهوًا يضيع الأعمار، بل اجعلوها سُبُلًا للخير، ومنابر للعلم، ووسائل للدعوة والبناء، واحمدوا الله على هذه النعم، واستعملوها فيما يُرضيه، وابعدوا بها عن الحرام، واضبطوا النفس عند كل استخدام، فإننا سنُسأل عن أعيننا، وآذاننا، وألسنتنا، وأجهزتنا، وكل ما بأيدينا، قال الله تعالى:
﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسْئُولًا﴾." اللهم اجعل هذا العلم رحمة لنا، ولا تجعله فتنة علينا، اللهم ارزقنا حسن الاستعمال، وقوّة في البصيرة، وثباتًا في الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا وهدىً وتقى.    

المشاهدات 588 | التعليقات 0