خطبة وقفات مهمة وقت الفتن
حسين بن حمزة حسين
الحمد لله الذي أمر بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر من العلماء والأمراء، وأوجب على المؤمنين لزوم الجماعة وقت الشدة والضر، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. ما بعد،
إخوة الإيمان: نعيش اليوم في أمنٍ ورغد، ونشكر الله على ما نحن فيه من نِعَم، والدنيا من حولنا تشتعل بالفتن، والناس تئن من البلاء والمصائب، واللهِ، كأننا في حديقةٍ يحيط بها لهيب من كل جانب، ويتخطّف الناس من حولهم، فاحمدوا الله على ما أنتم عليه، وكونوا سداً منيعاً في وجه الفتن، وأكثِروا من الدعاء بأن يحمينا الله ويحمي بلادنا وبلاد المسلمين، نحن نعيش في زمنٍ تموج فيه الفتن كموْج البحر، فتن في العقيدة، وفتن في الأخلاق، وفتن في السياسة، وفتن في الدماء وتسلّط الأعداء، وآخر الفتن وليست الأخيرة اشتعال نار الحرب بين إيران وإسرائيل، والقصف والضرب والقتل والوعيد والتهديد والدمار تشهد عليه الأرض والسماء، حتى أصبح العالم على حافة انفجار كبير، لا يُعرَف مداه، ولا يُؤمَن شرّه، وأمام هذا المشهد الخطير، فالواجب علينا أن نقف عدّة وقفات:
فأول ما يجب: أن نلجأ إلى الله عز وجلّ بالتوبة والاستغفار، نُكثر من التوبة، ونُصلح ما بيننا وبين الله عزوجلّ، نُحصّن أنفسنا وأهلينا ووطننا بفعل الطاعات وتجنّب المحرمات، والتضرع إلى الله تعالى بالدعاء أن يحفظ علينا أمننا وديننا ووطننا ويجنبنا الفتن ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) .
ونتذكر في أوقات الفتن، واضطراب الأحوال، وكثرة الحروب، لا مخرج للعبد إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة، ومن أعظم أركان الاعتصام بالكتاب والسنة بعد تقوى الله عزوجل بطاعته واجتناب نواهيه لزوم الجماعة، وتركُ الأمر لأهله، قال صلى الله عليه وسلم ( تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما : كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ )، وقال تعالى : ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾، وقال تعالى ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) فالرجوع إلى ولاة الأمور من العلماء والحكام، الذين أمرنا الله بطاعتهم في المعروف، والرجوع إليهم وقت النوازل وعند اشتباه الأمور، ليس خيارًا بل واجب شرعي، وضرورة عقلية، فهم أهل الشأن، وأهل القرار، وأهل الخبرة، قال تعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)، فنحن شعبٌ واحد، حكاما ومحكومين، جسدٌ واحد، قلبٌ واحد، يدٌ واحدة، وصفٌّ واحد، خلف راية واحدة، على طريقٍ واحد: طريق الحق والنجاة والولاء لله ثم لأولياء أمورنا، مصيرنا واحد، وعدونا واحد، وسفينتنا واحدة، وحْدتنا درعُنا، ولُحمتنا حصنُنا، والوقوف خلف ولاة أمرنا واجبٌ محتوم، لن نكون وقودًا لفتنةٍ يشعلها الجاهلون، بل سندًا لوطنٍ نُقسم أن نحفظه، وصفًّا لا يخترقه المغرضون
أقول ما تسمعون ......
الخطبة الثانية:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
إخوة الإيمان: علينا أن نراقب أقوالنا، ونزن كلماتنا، ونعلم أن الكلمة قد تقتل كما يقتل السلاح، فلسنا أهل تحليلٍ سياسي، ولسنا أصحاب قرارٍ عسكري، ولسنا في مقام من يوجه الحروب أو يديرها، ولا نتكلم في أمرٍ عظيمٍ كأمر الأمة، فكم من كلمة قالها رجلٌ جاهل، فسمعها عدوٌ خبيث، فاستغلها، فكانت شرًّا مستطيرًا على نفسه ووطنه وأمّته، فلنتقِ الله في أقوالنا، ولا نكون معاول هدم من حيث لا نشعر، ولتكن ألسنتنا دائمة الشكر لله عزوجل أن يديم علينا النّعم ويصرف النّقم والفتن، دائمة الدعاء بأن يحفظ ديننا ووطننا وولاة أمورنا وأن يسددهم ويوفقهم لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، والحمد لله قلوبنا مليئة بالثقة في الله، ثم الثقة بولاة أمرٍ هُمْ أفضل ولاة الأمر على وجه الأرض، حكمٌ بشرع الله، وحزمٌ عند الحاجة، ورحمةٌ بالرعية، وحرصٌ على أمن البلاد واستقرارها، وحرصٌ على مصالح وأمن جميع بلاد المسمين، فثقوا بهم، واحمدوا الله أنكم مخدومون، مكفولون، في أمنٍ ورعاية، ونعمةٍ تستوجب الشكر، اللهم أدم علينا الأمن والإيمان، واحفظ ولاة أمرنا، ووفقهم لما تحب وترضى