خطر التقصير في الصلاة

محمد بن عبدالله التميمي
1447/05/22 - 2025/11/13 18:04PM

 

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُمْتَنِّ عَلَى عِبَادِهِ الـمُؤْمِنِينَ بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، فَلَا نِعْمَةَ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ به إفرادًا لِعُبُودِيَّتِه، ثُمَّ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ خُضُوعًا لِجَلَالِهِ وَخُشُوعًا لِعَظَمَتِهِ، أشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ في أُلُوهِيَّتِه ورُبُوبِيَّتِه، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ صَفِيُّه مِنْ خَلْقِه وخِيرتُهُ، جُعَلَتْ الصَّلَاةُ بها عينُه تَقِرَّ، ونفسُه تُسَر، والـمَفْزَعَ إذا حزبَهُ أَمْر، اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليهِ وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسَلين. وأَصْحَابِه الغُرِّ الـمَيَامِيْن، وعلى مَنْ تَبِعَهَمْ بِإِحسَانٍ إلى يومِ الدِّين. أما بعد:

فاتقوا الله حقَّ تُقَاتِه، ولْيَعمَلْ كُلُّ امْرِئٍ ما بِهِ نَجَاتُه، فَبَادِرُوا الأَجَلْ بِصَالِحِ العَمَل.

عباد الله.. أيُّ قَدْرٍ لوصيةٍ تَصدُرُ مِنْ قلبِ الَّذِي نَفْسُهُ تَخْرُجْ، ورُوحُه في صَدْرِهِ تَحَشْرَجْ، وهو أحبُّ خلقِ الله إليك، وأَشْفَقِهم عليك؟!

فيا كِبَرَ شَأْنِ هذه الوَصِيَّةِ وأهَمَّها، وما أَعْظَمَ وَقْعَها، يقولُ أَنَسٌ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: كَانَتْ آخِرُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ فَلَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ».

فاللهَ اللهَ فِي الصَّلاةِ بالديمومةِ عليها، وإقامَتِها، والـمُحافظَةِ عليها في أوقاتها، ومع جماعة المسلمين، {وارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِين}، واحذروا أنْ تكونوا لها مُضِيْعِيْن، فإنَّ مَن هم لها غيرُ مَقِيْمِين، فهم للشهواتِ متَّبِعِين، وبالنار مُتَوعَّدِين، قَالَ ربُّ العالَمين: ﴿فخَلَفَ مِنْ بعدهمْ خَلْفٌ أضاعوا الصَّلَاة وَاتبعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوف يلقون غيًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاس رضي الله عنهما: "لَيْسَ معنى أضاعوها تركوها بِالْكُلِّيَّةِ وَلَكِن أخروها عَن أَوْقَاتهَا" قَالَ الله تَعَالَى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ أَي: غافلون عَنْهَا متهاونون بهَا.

وَقَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ وقَالَ النَّبِي ﷺ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحَاسَبُ بِصَلَاتِهِ، فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ».

وَقَالَ النَّبِي ﷺ: «الْعَهْد الَّذِي بَيْننَا وَبينهمْ الصَّلَاة فَمن تَركهَا فقد كفر»، وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ: «من فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر حَبِطَ عَمَلُهُ» وَفِي السّنَن أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ: «مَن تَرَكَ الصَّلَاة مُتَعَمدًا فقد بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله» وَقَالَ ﷺ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَت لَهُ نورًا وبرهانًا وَنَجَاة يَوْم الْقِيَامَة، وَمن لم يحافظ عَلَيْهَا لم تكن لَهُ نورًا وَلَا برهانًا وَلَا نجاة يَوْم الْقِيَامَة وَكَانَ يَوْم الْقِيَامَة مَعَ فِرْعَوْنَ وَقَارُونَ وهامانَ وَأبيَّ بن خلف» قَالَ العلمَاء: وَإِنَّمَا يُحْشَرُ تَارِكُ الصَّلَاةِ مَعَ هَؤُلَاءِ الأَرْبَعَة لِأَنَّهُ إِنَّمَا يشْتَغل عَن الصَّلَاة بِمَالِه أَو بِملكه أَو بوزارته أَو بتجارته فَإِن اشْتغل بِمَالِه حشر مَعَ قَارون وَإِن اشْتغل بِملكه حشر مَعَ فِرْعَوْن وَإِن اشْتغل بوزارته حشر مَعَ هامان وَإِن اشْتغل بتجارته حشر مَعَ أبي بن خلف تَاجر الْكفَّار بِمَكَّة.

وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «أَمَا إِنَّهُ لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ أَضَاعَ الصَّلَاةَ»، وَقَالَ عبد الله بن شَقِيق التَّابِعِيّ رحمه الله: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ لَا يرَوْنَ شَيْئا من الْأَعْمَال تَركُه كُفْرٌ غيرُ الصَّلَاة».

عباد الله.. إنَّ حقًّا على مَن كان مقصِّرًا فتخلَّف عن أول الجماعة أو عنها كلِّها ألَّا يَجمع بين خَطِيْئَتَيْن، تأخيرِ الصلاة والاستعجالِ في فيها.. والظَنُّ بأولئك أنَّهُمْ لَم يَعْلَمُوا عُقُوبَةَ مَنْ يَنْقُرُ الصَّلَاةَ وَلَا يُتِمُّ ركوعَها وَلَا سجودَها، فقد قَال الله تَعَالَى شأنُه: ﴿فويل للمصلين الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون﴾ وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: أَن النَّبِي ﷺ قال: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل قَائِما ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا ثمَّ اجْلِسْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا وَافْعل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا. وقال رَسُول الله ﷺ: «لَا تُجزئ صَلَاة لَا يُقيم الرجل فِيهَا صلبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود». وَثَبت عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ: «أَشد النَّاس سَرقَة الَّذِي يسرق من صلَاته» قيل: وَكَيف يسرق من صلَاته؟ قَالَ: «لَا يُتِمُّ ركوعَها وَلَا سُجودَها وَلَا الْقِرَاءَة فِيهَا». وروى البُخَارِيّ عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رضي الله عنه: أَنه رأى رجلا يُصَلِّي وَلَا يتم رُكُوع الصَّلَاة وَلَا سجودها فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَة: «صليت؟! وَلَو مت وَأَنت تصلي هَذِه الصَّلَاة مت على غير فطْرَة مُحَمَّد ﷺ».

وَعَن سلمَان الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: «الصَّلَاة مكيال فَمن وَفَى وُفِيَ لَهُ، وَمن طَفَّفَ فقد علمْتُم مَا قَالَ الله فِي المطففين».

وكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول: «يَا ابْن آدم أَي شَيْء يعز عَلَيْك من دينك إِذا هَانَتْ عَلَيْك صَلَاتك وَأَنت أول مَا تسْأَل عَنْهَا يَوْم الْقِيَامَة».

ولا بدَّ للعبد من تقصير فيَنْبَغِي للْعَبد أَن يستكثر من النَّوَافِل حَتَّى يُكَمِّلَ مَا انْتقصَ من فَرَائِضه. فقد قَال النَّبِي ﷺ: «فَإِن انْتقصَ من الْفَرِيضَة شَيْء يَقُول الله تَعَالَى انْظُرُوا هَل لعبدي من تطوع فيكمل بِهِ مَا انْتقصَ من الْفَرِيضَة ثمَّ يكون سَائِر عمله كَذَلِك».

اللهمَّ اجعل الصَّلاةَ قرَّةَ عيونِنَا، فتَسْكُنَ بها نُفوسُنَا، وتَلُمَّ شَعَثَ قُلُوبِنا، واغْفِرْ لَنَا تَقْصِيْرَنَا وسَائِرَ ذُنُوبِنَا ولِجَمِيْعِ الـمُسْلِمِين الأحياء والميتين يا ربَّنَا يا أرحَمَ الرَّاحِمِين.


الخطبة الثانية

الْحَمد لله أهلُ الْحَمدِ وَالشُّكْر والمدح وَالثنَاء، خلق الْخلق ليربحوا عَلَيْهِ، ثمَّ شرع لَهُم مَا يُقربهُمْ بِهِ إِلَيْهِ، ويُحظيهم بِهِ لَدَيْهِ، فَالطَّهُورُ شَطْرُ الإيمان، والصَّلَاةُ نورٌ في الوجه فإنها صلَةٌ بالرحمن، أشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحدُ الديَّان، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه اجتباه ربه وارتضاه، ورفَعَهُ مكانًا عليًّا فكَلَّمَهُ بِفَرْضِ الصلاة، وأخبر ﷺ أن مَن حافظَ عليها كانت له النورَ والبرهانَ والنجاة، ومن ضَيَّعَها كانَ لما سواها أضْيَعْ وحلَّ به يومَ القيامة ذُلُّ الندامة وغَشَاه، اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه مَن تَبِع وتَعبَّد، أما بعد:

فقد قالَ اللهُ تعالى في عُقُوبَة تَارِك الصَّلَاة جمَاعَةً مَعَ الْقُدْرَة: ﴿يَوْم يكْشف عَن سَاق وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خاشعة أَبْصَارهم ترهقهم ذلة وَقد كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود وهم سَالِمُونَ﴾ كَانُوا يسمعُونَ حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح فَلَا يجيبون وهم أصحاء سَالِمُونَ. فَأَيُّ وَعِيدٍ أَشَدُّ وأبلغ من هَذَا؟!

وفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن رَسُول الله ﷺ همَّ أَن يَنطلقَ بِرِجَال مَعَهم حُزَمٌ من حَطَبٍ إِلَى قَومٍ لَا يَشْهدُونَ الصَّلَاة فِي الجَمَاعَة فَيُحَرِّقَ عَلَيْهِم بُيُوتهم بالنَّار.  وروى مسلمٌ عَن ابن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: «من سره أَن يَلقَى اللهَ غَدًا مُسلما يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة فَلْيُحَافِظْ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات الْخمس حَيْثُ يُنَادي بِهنَّ فَإِنَّ اللهَ شرعَ لِنَبِيِّكُم سنَنَ الْهدى وإنَّهُنَّ من سنَنِ الْهدى، وَلَو أَنكُمْ صليتم فِي بُيُوتكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المتَخَلِّفُ فِي بَيْتِه لَتَرَكْتُمْ سُنةَ نَبِيِّكُم وَلَو تركْتُم سُنَّةَ نَبِيِّكُم لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاق، وَلَقَدْ كَانَ الرُّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهادَى بَين رَجُلَيْنِ حَتَّى يُقَام فِي الصَّفِّ أَو حَتَّى يَجِيءَ إِلَى الـمَسْجِد لِأَجْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَة». وَكَانَ بعض السلف يَقُول: «مَا فَاتَت أحدًا صَلَاةُ الْجَمَاعَة إِلَّا بِذَنْبٍ أَصَابَهُ».

هذا وصلُّوا وسلِّموا على النبيِّ المصطفى في كلِّ يوم، وزيادة منهما في هذا اليوم سيِّد الأيام...

المرفقات

1763046245_خطر التقصير في الصلاة.docx

1763046245_خطر التقصير في الصلاة.pdf

المشاهدات 419 | التعليقات 0