خطر الجشع والمبالغة في رفع الإيجارات والمكاسب العقارية 18/4/ 1447
أحمد بن ناصر الطيار
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين, وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين, وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال والشَّكِّ واليقين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين, ومن تمسك بسنته إلى يوم الدين.
.أما بعد, فاتقوا الله عباد الله, فتقوى الله هي وصيّتُه للأولين والآخرين, ومن تمسّك بها أفلح ونجا.
معاشر المسلمين: لقد خلق الله العباد على الفطرةِ الصحيحة, كما قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ".
لكنّ الشياطينَ لم تتركهم على هذه الفطرة السليمة, بل سعَت بكلّ ما أُوتيت من قدرة ومكْر وشرّ على تبديلها, كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: "إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ".
فأخرجَت العبادَ من عبادة الله, إلى عبادة النفس والهوى والدّينار والدرهم, حتى أصبح كثيرٌ من الناس عبيدًا لأهوائهم وأموالِهم وشهواتهم, كما قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}, وهذا حالُ مَن إذا هوى شيئًا مالَ إليه, من غير مراعاةٍ لدينٍ ومروءةٍ وعقل, كما قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ, إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ, تَعِسَ وَانْتَكَسَ, وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ».
وما أكثر الذين اتخذوا أهواءهم آلهةً, نسأل الله السلامة والعافية.
والواجب على كل مسلم عاقل, أن يحذر من اتباع هواه, وليكن حازمًا مع نفسه, ولا يقدّمْ على دين الله نفسَه ولا شهوته ولا مذْهبه, قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
قال ابن القيم رحمه الله: من الأدب مع الرّسول صلى الله عليه وسلم: أن لا يتقدَّم بين يديه بأمرٍ ولا نهيٍ ولا إذنٍ ولا تصرُّفٍ، حتّى يأمر هو وينهى ويأْذن، فالتّقدُّم بين يَدَيْ سنّته بعد وفاته كالتّقدُّم بين يديه في حياته، لا فرقَ بينهما عند ذي عقلٍ سليمٍ. ا.ه[1]
ومن أعظم أمراض النفس وأخطرها: الجشعُ والطمعُ في الدنيا, فتجد من ابتُلي بهذا المرض الخبيث قليلَ المروءة والعقل والدّين, يهتمّ بنفسه ولا يهتم بإخوانه المسلمين, ولو لحقهم الضرّر والدَّينُ والهمُّ والألم.
نسأل الله أن يعافينا من هذا المرض العضال, وأنْ يهدينا سبل الرشاد، إنه سميع قريب مجيب.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: معاشر المسلمين: إنّ من صور الجشع والطمع: ما يحصل من بعضِ مُلّاك العقارات, من المبالغة في المكاسب, ورفع الأسعار, إلى حدٍّ يُلحق الضرر بالمستأجرين, ويَجْلِب المشقة والعنَت على الأسر.
ولقد حرص ولاةُ أمرنا وفقهم الله, على كبح جماح طمَعِ هؤلاء, ومراعاةِ حاجةِ المستأجرين, فأصدروا أنظمةً مُباركة مسدّدة, بتوجيهات صاحب السمو الملكي وليّ العهد, رئيسِ مجلس الوزراء, الأميرِ محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله –، لتحقيق التوازن في القطاع العقاري، والتي تهدف إلى تسهيل تأمين السكن للمواطنين والمقيمين, والتيسيرِ عليهم؛ لما في ذلك من الاستقرار النفسيّ والاجتماعيّ لكثير من الأسر.
وقد دعا النبيّ ﷺ لوليّ الأمر الذي رفق برعيّته فقال: "اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ".
فيا من أغناك الله, وملّكك عقاراتٍ وشُقًقًا وأمْلاكًا, طهّر نفسك من أدْران الطمع والجشع، ولا تُبالغ في الإيجارات طلبًا للرّبْح الزائد، وأحبَّ لأخيك ما تُحبّ لنفسك, فكما لا تُحبّ أن يضيّق أحدٌ عليك معيشتك عند حاجتك, فكذلك الناس, لا يُحبون أنّ تضيّق عليهم معيشتهم, مع شدّ حاجتهم، وقد نهى الإسلام عن الإضرار بالمسلمين، قال النبي ﷺ: "مَن ضارَّ أضرَّ الله به، ومَن شاقَّ شقَّ الله عليه".
فراقب الله تعالى، وعليك بالقناعة بالكسب المعقول، ومراعاة أحوال المستأجرين بالتيسير عليهم، واحتساب الأجر في التخفيف عنهم، والتحلّي بالسماحة في التعامل معهم، وتذكّر قول النبي ﷺ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى».
وبهذا تكون العلاقات بين الناس قائمةً على الأخوّة والمحبة والرحمة، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وقولِ النبي ﷺ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاء".
نسأل الله تعالى يؤلّف بين المؤمنين, وأن يفرّج كرباتهم, إنه جواد كريم.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
[1] - مدارج السالكين (3/ 159)
المرفقات
1759929490_خطر الجشع والمبالغة في رفع الإيجارات والمكاسب العقارية.pdf