خطرُ وعِظَمُ إثمِ سوء الظنِّ, 7-2-1447
أحمد بن ناصر الطيار
الحمدُ لِلَّهِ الذَّي منَّ على الصالحين بذِكره وطاعَتِه ، فَرَتَعوا في رياض الجنَّة لشُغْلِهم بمُراقَبَتِه وعِبَادَتِه.
وَأشْهَدُ أنْ لا إِله إِلا اللهُ وَحْدَه لا شَرِيكَ لَه, في ربوبيَّته وإلهيَّته وأسمائِهِ وصفاتِهِ ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيَّدَنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه من مخلوقاتِه ، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ, أهلِ دينِه ووُلاته, وسلَّم تسليمًا.
أما بعد, فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنَّ مَنْ يُوفَّقُ للأخلاق الحسنة, والمعاملة اللينة, ينبغي أنْ يشكر الله على ذلك ليله ونهاره, فكم همُ الذين لا تُطاقُ أخلاقهم, ولا تُحتَمَلُ طِبَاعُهُم, فتأذى الناس بهم وتضرروا منهم.
ومن أسوأ وأردأ الأخلاق والطباع: الظنُّ السيء بالآخرين, والعجلةُ في إصدار الأحكام على الناس, وعدمُ التماس الأعذار.
فكم اتَّهم بعض الناس غيره بتهمة باطلة، دون أنْ يتيَّقن ويتأكَّد من ذلك, وكم اغتاب وحكم على نويات الآخرين, بسبب موقفٍ أو كلامٍ يحتمل أوجهاً كثيرة, ولكنه لا يأخذ إلا بأسوأ الأوجه والاحتمالات.
أين هو من قول سفلنا الصالحِ رحمهم الله: إذا بلغك عن أخيك شيْءٌ تكرهه، فالتمس له العذْر جُهدَك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعل لأخي عذراً لا أعلمه.
ويا لها من قاعدةٍ عظيمة, ونصيحةٍ سديدة, ووالله لو طبقناها لزالتْ كثيرٌ من مشكلاتنا وخلافاتنا أو أكثرها.
إخوة الإيمان: إنَّ سوءَ الظنِّ هو الداء الذي عمَّ بلاؤه, والمرضُ الخبيثُ الذي صعُب شفاؤه, والسمُّ القاتلُ الذي من تجرَّعه تُيُقِّنَ هلاكُه, والسيفُ الذي من أشهره قَتَلَ به ثم ارتدَّ عليه, فصاحبُ الظنون السيئة, يُسبِّبُ الشر والفرقة بين الناس, وهو الخاسر الأول من ذلك, فيُصاب بالإحباط والوسواس, ويُحسُّ بأنَّ الناس أعداءه حتى الأقربين.
وعلموا - معاشر المسلمين- أنَّ الْمَقصودَ بالظنِّ الْمنهيِّ عنه: أنْ يتَّهم أحداً بلا بيِّنةٍ أو قرينةٍ مُؤَكَّدة, كمن يتهم غيره بأن فاسقٌ أو مُنافق, أو مُتكبِّرٌ أو بخيلٌ أو نحوُ ذلك.
وسوء الظن حرامٌ مثلَ سوءِ القول, فكما يحرم عليك أنْ تُحَدِّثَ غيرك بلسانك بمساوئ الغير, فليس لك أن تُحَدِّثَ نفسك وتسيءَ الظن بأخيك.
والظن : عبارةٌ عمَّا تركن إليه النفس, ويميل إليه القلب.
وكما يجب عليك السكوتُ بلسانك عن مساويه, يجب عليك السكوتُ بقلبك, وذلك بترك إساءة الظن, فسوءُ الظن غيبةُ القلب, وهو منهيٌّ عنه أيضاً, وَحَدُّهُ: أَنْ لَا تَحْمِلَ فِعْلَهُ على وجهٍ فاسد, ما أمكن أن تحمله على وجه حسن.
والظنُّ يا أمة الإسلام, هو أكذب الحديث, قال e : ( إياكم والظن, فإن الظن أكذب الحديث ) متفق عليه
وَإِنَّمَا كَانَ الظَّنُّ أَكْذَبَ الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ مُخَالَفَةُ الْوَاقِعِ, مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى دليل, وَأَمَّا الظَّنُّ, فَيَزْعُمُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ, وعنده أدلةٌ وبراهينُ على ما يدَّعيه, فَيَخْفَى عَلَى مَن سَمِعه كَوْنُهُ كَاذِبًا, فَكَانَ أَكْذَبَ الْحَدِيثِ.
وكثيرًا ما يندمُ الإنسان على ظنه, ويأثم جرَّاء اعتقاده, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}.
ومعنى الأمرِ باجتناب كثير من الظن: الأمرُ بالتثبت فيه وتمحيصِه, والتشككِ في صدقه, إلى أن يتبين صدقُه.
نسأل الله تعالى, أنْ يُزيل عنْ قلوبنا ظنَّ السوء بالأبرياء, وأنْ ينزع مِنْ صُدورنا الغلَّ والحقد على المسلمين, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
معاشر المسلمين, وبعد أن نهانا ربنا تبارك وتعالى عن كثيرٍ من الظنون, نهانا عن التجسس فقال: {وَلا تَجَسَّسُوا} أي خذوا ما ظهر من أحوال الناس, ولا تبحثوا عن بواطنِهم أو أسرارِهم, أو عوراتهم ومعايبهم ، فإن من تتبع عورات الناس فضحه اللّه - تعالى -.
والتجسس هو من آثار الظن؛ لأنَّ الظنَّ يُحرِّضُ عليه, حين تدعو الظَّانَّ نفسَه إلى التَّحقُّقِ والتَّأكُّدِ مِـمَّا ظنه.
والتجسس: هو البحث عن أسرار الناس بوسيلةٍ خفية, وهو نوعٌ من الكيد والتطلع على العورات.
وقد يرى الْمُتَجَسِّسِ من الْمُتَجَسَّسِ عليه ما يسوؤه, فتنشأ عنه العداوة والحقد, ويدخل صدرَه الحرجُ والتخوفُ, بعد أن كان خاطرُه وضميرُه سَلِيْمًا تجاهه, وذلك من نكد العيش, ومن المآسي التي يجنيها صاحبُ الظُّنون السَّيَّئة.
وذلك ثلمٌ للأخوة الإسلامية, وهو يبعث على انتقام كليهما من أخيه.
ثم قال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} والغيبةُ من آثار الظنِّ أيضاً, فمن ظنَّ بأخيه سوأً اغتابه غالبًا, وقدَحَ فيه وفي أمانته وخُلُقه.
هذه يا أمة الإسلام بعضُ آثار الظنِّ السيئ, وأضرارِه وآفاتِه على الأفراد والمجتمع,
نسأل الله تعالى, أنْ يُوفقنا لِحُسْنِ الظن بالمسلمين, وأنْ يُجنبنا سوء الظن بهم, إنه على كل شيءٍ قدير.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1753949660_خطرُ وعِظَمُ إثمِ سوء الظنِّ.pdf