دور السنة النبوية في وحدة الأمة وتماسكها

د مراد باخريصة
1447/01/29 - 2025/07/24 15:02PM

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي بنى هذا الدين على الوحي، وجعل كتابه وسنة نبيه مصدر الهدى والنور، وجعل من إتباع السنة عصمة من الضلال والفرقة، وحصنًا من الانزلاق في مزالق الأهواء والبدع.

نحمده على نعمة الإسلام، ونشكره على فضل التوحيد، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد، خير من بلغ وأرشد، وأقام الحجة، وأكمل الملة، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، أيها المسلمون: إن من أعظم ما ميّز الله به هذه الأمة أنها أمة واحدة في الأصل والمنهج والغاية، كما  قال تعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92].

ولكن ما نشاهده اليوم من فرقة واختلاف وصراع طائفي وفكري وسياسي، لا يمكن فصله عن أعظم خلل أصاب الأمة، وهو الخلل في وحدة العقيدة والانحراف عن السنة.

لقد كانت السنة النبوية ولا تزال الحصن الحصين، والصراط المستقيم، الذي يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يصلح القلوب والعقول، ويضبط الاختلاف فلا يتحول إلى صراع.

لقد جاءت السنة النبوية مكملة للقرآن، شارحة له، مبينة لمقاصده، موحدة للصفوف كما قال الرسول ﷺ:"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي".

لقد جاء النبي ﷺ بدعوة صافية نقية، تدعو إلى توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وتجريد العبادة له وحده كما قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5].

وكان أول ما بدأ به النبي ﷺ دعوته في مكة: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".

فالتوحيد هو القاعدة الصلبة التي تبنى عليها وحدة الأمة، وكلما ضعفت هذه القاعدة، ظهرت الانقسامات، وسادت البدع، ودخلت المذاهب الفاسدة.

وحدة الأمة -ياعباد الله- تكون بالحث على الاتباع، والتحذير من الابتداع كما قال النبي ﷺ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [متفق عليه] وقال ﷺ:"وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" [رواه أبو داود].

ففي وقتنا المعاصر، نشاهد كيف أن الأمة تمزقت بفعل البدع والمذاهب المحدثة، فظهرت جماعات غالية في التضليل والتبديع، وأخرى غارقة في الخرافات، وثالثة تخلت عن الوحي واتبعت العقل وحده، وكل ذلك بسبب الابتعاد عن سنة النبي ﷺ.

وفي المقابل، كلما رجعت جماعة أو مجتمع إلى السنة النبوية، رأيت الصفوف تلتئم، والقلوب تتآلف، والعبادات تتوحد، والمواقف تتماسك.

أيها المسلمون: إن وحدة العقيدة ليست أمرًا تنظيريًا، بل هي واقع مؤثر في وحدة الكلمة والدم والموقف والغاية.

تأملوا كيف أن النبي ﷺ جمع بين المهاجرين والأنصار، وربطهم برابطة الإيمان، فقال: "المسلم أخو المسلم"، وقال عليه الصلاة والسلام في تصوير وحدة الأمة: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد" [رواه مسلم].

وهذه الوحدة لا يمكن تحقيقها في ظل تباين في العقيدة، أو اختلاف في المرجعيات، أو تشرذم في المنهج.

لننظر في كثير من بلاد المسلمين كالعراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وغيرها من بلاد المسلمين، لنرى كيف أن الخلاف العقدي بين السنة والشيعة – على سبيل المثال – أدى إلى تفكك المجتمعات، وسفك الدماء، وهدم البيوت، وتهجير الأسر.

ورأينا كيف أن المذهب الإثني عشري الذي يطعن في الصحابة ويتهم أم المؤمنين، يزرع الحقد، ويؤسس للفتنة، ويحول الأمة إلى فرق وطوائف، كل ذلك لأن العقيدة الواحدة لم تكن أساسًا جامعًا.

ورأينا في سوريا ما أحدثه الدروز من الفتنة والفرقة واللجوء إلى اليهود لهدم صفوف المسلمين وتقسيمهم تحت مسميات طائفية إجرامية.

كما أنه لا يمكن الحديث عن وحدة الأمة بدون دور العلماء، فقد ورثوا عن النبي ﷺ الهدي والنور، وهم صمام الأمان يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:  لا يقيم أمر الله في الناس إلا رجل يتكلم بلسانه كلمة يخاف الله في الناس ولا يخاف الناس في الله.

ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل كبرائهم , فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم هلكوا.

فعلى العلماء أن: ينشروا العقيدة الصحيحة في الناس، وأن يردوا على الفرق الضالة بالحكمة والعلم، وأن يحيوا سنة النبي ﷺ في الأمة، وأن يواجهوا تيارات الإلحاد والتشيع والغلو والتطرف بالحجة والدليل.

يا أمة الإسلام: إن وحدة الأمة ليست شعارًا، بل هي منهج نابع من التوحيد، متجذر في السنة، متحقق بالاتباع، وكل وحدة تُبنى على غير العقيدة الصحيحة فهي وحدة زائفة، مؤقتة، زائلة.

فلنعد إلى سنة نبينا ﷺ، نحييها في بيوتنا، ومدارسنا، وجامعاتنا، ومساجدنا، ووسائل إعلامنا، ففيها النجاة، ومنها العزة، وبها يعلو شأن الأمة.

يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 92]، ويقول جلّ وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران : 103].


 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدى، وأرسل رسوله رحمة، وجعل السنة بيانًا، وأمرنا بالاعتصام بها، وجعل في اتباعها الأمن والهدى.

أيها المسلمون: في زمن تتنازع فيه الأفكار، وتتشظى فيه الفرق، ويتبنى الناس مذاهب غريبة وعقائد دخيلة، نحتاج أن نرجع إلى الأصل الذي لا يزيغ، والمصدر الذي لا يضل: السنة النبوية، التي كانت ولا تزال صِمَام الأمان، وحبل النجاة، وراية الوحدة، ومنهج الاعتدال.

يقول الرسول ﷺ: "فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسّكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" [رواه أبو داود].

فهذا الحديث الشريف فيه نبؤة نبوية صادقة بما سيقع من الاختلاف والفرقة في الأمة، ولكنه في الوقت ذاته يضع العلاج إنه التمسك بالسنة.

نعيش اليوم في عصرٍ تتسارع فيه وسائل التأثير، وتنتشر فيه الأفكار عبر الهواتف أكثر مما كانت تنتشر في الكتب، ولذلك اشتدت الحاجة إلى الرجوع للسنة النبوية الصحيحة كمنهج حياة وعقيدة وثقافة وتربية.

فالسنة تهدي إلى الحق عند الاختلاف، قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59]، فمن ردّ إلى السنة، وجد اليقين، ومن أعرض عنها، عاش في التيه والهوى.

والسنة تُرسي ميزان الفهم الصحيح للدين، وتقي الأمة من الغلو والتسيب، يقول النبي ﷺ:"إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" [رواه النسائي].

عباد الله: إن واجبنا اليوم: أن نُعلّم أبناءنا سنة النبي ﷺ الصحيحة، ونغرسها في المدارس والبيوت والمساجد، وأن نحذر من المبتدعين الذين يرفعون راية "التجديد" وهم يهدمون أصول الدين، وأن نُحكّم السنة النبوية في أقوالنا وأفعالنا، في السياسة والاقتصاد والتربية، فديننا شامل كامل.

صلوا وسلموا ..

اللهم اجمع شمل المسلمين على الحق، وألف بين قلوبهم، وأرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

اللهم أحيي سنة نبيك ﷺ في نفوسنا، واجعلها دستور حياتنا، واهدِ بها أبناء أمتنا وشبابها وشيبها.

اللهم وفق العلماء والدعاة لما تحب وترضى، واحفظ بلاد الإسلام من كل فتنة وبدعة وشقاق ونفاق.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المرفقات

1753358521_دور السنة النبوية في وحدة الأمة وتماسكها.doc

المشاهدات 148 | التعليقات 0