رحيلُ العلماء.. دروسٌ وعِبَر

فهد فالح الشاكر
1447/04/03 - 2025/09/25 19:41PM

🕌 الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ الذي رفعَ قدرَ العلماءِ العاملين، وجعلَهم مصابيحَ هُدى للناسِ أجمعين، يُضيئونَ الدُّروب، ويُعلِّمونَ الجاهل، ويُرشدونَ الحائر، ويُبيِّنونَ للناسِ أمرَ دينِهم، وصلَّى اللهُ وسلَّم وبارك على خيرِ مَن بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أُوصيكم ـ عبادَ اللهِ ـ  بتقوى اللهِ تعالى، فهي وصيَّةُ اللهِ لعبادِه، قال جلَّ وعلا:

﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

أيُّها الإخوةُ المسلمون:

الموتُ حقٌّ على كلِّ حيٍّ، لا ينجو منه أحد، قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ﴾. ولكنْ فقدُ العلماءِ مصيبةٌ أعظم، ورزيَّةٌ أكبر، فهم حِصنُ الأمة، وحُماتُها من الفتن، وحَمَلةُ ميراثِ النبوَّة.

وقد قال النبيُّ ﷺ:

«إنَّ اللهَ لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزاعًا يَنتزِعُه مِن الناسِ، ولكنْ يَقبِضُ العِلمَ بقبضِ العلماءِ، حتَّى إذا لم يُبقِ عالِمًا اتَّخذ الناسُ رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا فأفتَوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا» [متفق عليه].

عبادَ الله:

لقد فقدتْ أمتُنا هذا الأسبوعِ عَلمًا من أعلامِها، ورُكنًا من أركانِها، سماحةَ المفتي العامِّ للمملكةِ الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ـ رحمه الله ـ، الذي عاشَ عُمرَه في خدمةِ العلمِ والتعليمِ والفتوى، ناشرًا للهدى، محذِّرًا من الفتن، داعيًا إلى الاعتصامِ بكتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِه ﷺ.

نشأ ـ رحمه الله ـ في بيتِ علمٍ ودين، وحفِظَ كتابَ اللهِ صغيرًا، ثم طلبَ العلمَ على أيدي العلماءِ الكبار، حتى بلغ مكانةً عاليةً، فصار مفتيًا عامًّا للمملكة، ورئيسًا لهيئة كبار العلماء، وصوتًا للحقِّ في الداخل والخارج.

وكان من أبرزِ مواقفه أنَّه تولَّى خطبةَ يومِ عرفةَ أكثرَ من ثلاثين عامًا، في ذلك الموقفِ العظيم، يُخاطب المسلمين من فوقِ منبرِ عرفات، داعيًا إلى التوحيد، وموصيًا بالاعتصامِ بالجماعة، ومحذِّرًا من البدعِ والفتن. فكمِ اهتدى بكلماتِه من ضالٍّ، وتذكَّر بمواعظِه من غافل.

أيُّها الأحبَّة:

إنَّ سيرتَه تُذكِّرنا أنَّ قيمةَ الإنسانِ ليست بمنصبِه ولا بوجاهتِه، بل بعلمِه وتقواه ونفعِه للناس. فقد عاش الشيخُ زاهدًا متواضعًا، يلينُ للناس، ويستمعُ للسائلين، ويُجيبُ الفقيرَ قبل الغني، ويحتسبُ الأجرَ عند اللهِ في كلِّ عمل.

وها هو اليومَ يرحل، فلا يبقى له إلَّا ما قدَّم من علمٍ نافع، وفتاوى صادقة، ودروسٍ خالدة، وأجيالٍ من طلابِ العلمِ الذين تتلمذوا على يديه. قال النبيُّ ﷺ:

«إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له» [رواه مسلم].

فطوبى له بما قدَّم، وحسَّن اللهُ عزاءَ الأمةِ فيه، وجبَر اللهُ مصابَنا بفقدِه.   عباد الله

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه إنه هو الغفور الرحيم

 


🕌 الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على قضائِه وقدَرِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه.

أيُّها الإخوة:

في رحيلِ العلماءِ دروسٌ وعِبَر:

1.               الدنيا زائلة: مهما طال العمرُ فلا بدَّ من الرحيل، والعِبرةُ ليست بطولِ العمر، بل بما يُختم به للعبدِ من عمل.

2.               مكانة العلم: العلماءُ ورثةُ الأنبياءِ، فإذا ماتوا نقصَ العلمُ، واشتدَّت حاجةُ الأمة إلى مَن يقوم مقامَهم.

3.               الاقتداء بالفقيد: الشيخ ـ رحمه الله ـ مثالٌ للعالِمِ الربَّاني، عاشَ زاهدًا متواضعًا، لم تُشغله المناصبُ عن الإخلاصِ لله وخدمةِ عبادِه.

4.               المسؤولية بعدهم: موتُ العلماءِ دعوةٌ للأحياء كي ينهضوا بحملِ الراية، ويُربُّوا أبناءَهم على طلبِ العلم، حتى لا تخلو الأرضُ من أهلِ الحق.

أيها المسلمون:

إذا رحل العلماءُ وجبَ علينا أن نُكثِرَ من الدعاءِ لهم، ونُحيي آثارَهم بالعملِ بما علَّمونا. وإنَّ من حقِّ الشيخِ علينا أن ندعوَ له، ونذكرَ سيرتَه، ونأخذَ العِظةَ من وفاتِه.

اللَّهُمَّ اغفرْ لشيخِنا عبدالعزيز آل الشيخ، وارحمه رحمةً واسعةً، ووسِّعْ مُدخلَه، واجزِه عن الإسلامِ والمسلمين خيرَ الجزاءِ.

اللَّهُمَّ اجعلْ ما قدَّم في ميزانِ حسناتِه، وألهمْ أهلَه وذويْه الصبرَ والسِّلوان.

اللَّهُمَّ اجعلْ علماءَنا هُداةً مهتدين، وأصلحْ بهم البلادَ والعباد، واحفَظْ وُلاةَ أمورِنا لما فيه خيرُ الإسلامِ والمسلمين.

وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ الأنام، فقد أمركم الملكُ العلَّام بقوله:

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمَّد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكَّرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون

 

المرفقات

1758819808_رحيل العلماء وعِبَر من وفاة سماحة المفتي العام .pdf

المشاهدات 759 | التعليقات 0