سَلُوا رَبَّكُمْ الْخَيرَ وَالأَمْطَارَ 23/5/1447هـ

خالد محمد القرعاوي
1447/05/19 - 2025/11/10 23:07PM
سَلُوا رَبَّكُمْ الْخَيرَ وَالأَمْطَارَ 23/5/1447هـ
الحَمْدُ للهِ وَاسِعِ الكَرمِ وَالجُودِ، أَشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الحَوضِ الْمَورودِ، صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلهِ وَصحبِهِ وَمَن تَبِعَهُم بِإحسْانٍ إلى اليومِ الْمَوعُودِ. أمَّا بعدُ. عِبَادَ اللهِ أَوصِيكُم وَنفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِه فَمن اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، ومَن سَألَ رَبَّهُ منَحَهُ وأَعطَاهُ: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ .
عِبَادَ اللهِ: الابْتِلاءُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ سُنَّةٌ رَبَّانِيَةٌ لِيَبْلُوَنَا أَيُّنَا أَحْسَنُ عَمَلاً! وَقَدْ ابْتَلانَا اللهُ بِتَأَخُّرِ الأَمْطَارِ، وَلا شَكَّ أنَّ لِذَلِكَ حِكَمَاً يَعْلَمُهَا اللهُ سُبْحَانَهُ. وَلا نَشُكُّ كَذَلكَ أنَّ لَهَا أسْبَابَاً شَرْعِيَّةً ذَكَرَهَا اللهُ لَنَا فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ، وَبيَّنَهَا لَنَا نَبِيُّنَا الكَرِيمُ عَليهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ. فَبَادِئَ ذِيِ بِدْءٍ رَدِّدُوا بِقُلُوبِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ وَجَوَارِحِكُمْ: نَسْتَغْفِرُ اللهَ وَنَتُوبُ إليهِ. الَّلهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّاراً فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدْرِارَاً.
مَعَاشِرَ الْمُسلِمِينَ: قَدَرُنا أنَّنا نُذنِبُ وَنُخطئُ وَنَغْفُلُ وَنُقَصِّرُ، تَضْعُفُ نُفُوسُنا حِينًا، وتَعتَرِينا الغَفلَةُ زَمَناً طَويلاً. وَكلُّ بَني آدمَ خَطَّاءٌ، وفي صحيح مُسلمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِىي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ». ولا يعني هَذا التَّهوينُ مِن شَأنِ الْمَعصِيَةِ، كَلاَّ فالسَّلامَةُ لا يُعادِلُها شيءٌ!
فَيَا أَيُّها الْمُسْلِمُ: إذا عَصَيْتَ اللهَ فَبَادِر بالتَّوبَةِ مَهْمَا قَلَّ ذَنُّبكَ أو عَظُمَ، فَأَصلِحَ ما أَفسَدَتْهُ جَوارِحُك بالاستِغْفارِ، ولا تَيْأسْ ولا تَمَلَّ، فهذا أمْرُ اللهِ لَكَ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
يَا عَبْدَ اللهِ: لابُدَّ أَنَّ تُدْرِكَ يَقِينًا أَنَّ الْمَاءَ هُوَ الحَيَاةُ وَهِبَةُ اللهِ على عِبَادِهِ، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ . فَاقْدُرْ لِنِعْمَةِ الْمَاءِ قَدْرَهُ، وَاشْكُرْ رَبَّكَ عليهِ، واحْذَرِ الإسْرَافَ فِيهِ وَلو كُنْتَ عَلى نَهْرٍ جَارٍ، وَتَأمَّلْ قَولَ اللهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ .
أيُّهَا الأَخُ الْمُسْلِمُ: لَقَدْ ابْتلانَا اللهُ بِتَأَخُّرِ القَطْرِ؛ لِنَتُوبَ إليهِ وَنَسْتَغْفِرَهُ، ولِنَعْلَمَ أنَّهُ لا غِنَى لَنَا عَنْ رَحْمَةِ رَبِّنَا وَعَفْوِهِ طَرْفَةَ عَينٍ! وَحَتَّى نُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا وَنَتَدَبَّرَ فِي فِعْلِنَا! فَقَدْ قَالَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ واعلموا يَا رَعَاكُمُ اللهُ: أنَّ إنْزَالَ الْمَطَرِ غَالِبَاً عَلامَةٌ لِرِضَا الرَّبِّ عَلَى عِبَادِهِ، وَدَلالَةٌ عَلى اسْتِقَامَتِهِم عَلَى دِينِهِ كَمَا قَالَ تَعَالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً *لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً .فَلَو اسْتَقَامَ النَّاسُ عَلى طَرِيقِ الهِدَايَةِ وَاسْتَمَرُّوا عَلَيهَا لأَسْقَاهُمْ مَاءً كَثِيرًا هَنِيئًا مَرِيئًا، وَلَكِنْ يَمنَعْهُمُ ظُلْمُهُمْ وَعُدْوَانُهمْ: لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ نَسْتَغْفِرُ اللهَ وَنَتُوبُ إليهِ. الَّلهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّاراً فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدْرِارَاً. أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِلمُؤمِنينَ والْمُؤمِنَاتِ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. الخطبة الثانية/
الحمدُ للهِ مُغيثِ الْمُستَغِيثينَ، أَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ مُسبلِ النِّعمِ عَلَينَا أَجْمَعِينَ, وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ الصَّادِقُ البَرُّ الأَمِينُ، صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليه، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَن سَارَ على النَّهْجِ والتَّقوى إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى, وَاعْلَمُوا يَقِينَاً أنَّ شُحَّ الأَمْطَارِ عَلى البِلادِ والعِبَادِ, إنَّمَا هُوَ بِسَبِبِ الذُّنُوبِ والآثَامِ فَهِيَ التي تَمْنَعُ الرِّزْقَ وَتَمْحَقُ البَرَكَةَ، وَاللهُ تَعَالى ليسَ بِظَلاَّمٍ للعَبِيدِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ .فَهل تَدْعُونا هَذِهِ الآيَةُ لِمُرَاجَعَةِ أَنْفُسِنا وَتَصحِيحِ أَخطَائِنَا؟ فَيا مُؤمِنُونَ: استَمسِكُوا بِدِينِكُم واحذَرُوا مُخالَفَةَ رَبِّكم فإنَّ اللهَ تَعَالى يَغَارُ، ويُمهِلُ ولا يُهمِلُ وانظُرُوا في أعمَالِكُم، واحذَرُوا مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بالْمُنْكَرَاتِ، وأَقِيمُوا صَلاتَكُم، وأدُّوا زِكَاةَ أموالِكُم، واحفَظُوا جَوَارِحَكُم، وامنَعوا الفَسَادَ، وابْتَعِدُوا عن مَوَاقِعِهَا, وتَذَكَّروا أنَّ الفِتَنَ تُدفَعُ بالأَمِرِ بالْمَعرُوفِ والنَّهي عن الْمُنكَرِ: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). وَفِي الحَدِيثِ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :«إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ». صَحَّحَهُ ابنُ بازٍ رَحِمَهُ اللهُ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ». فَكُلُّ هَذِهِ تَتَأثَّرُ بِذُنُوبِنَا وَآثَامِنَا! حَقَّا كَمَا قَالَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: الْمَخْرَجُ مِن تِلْكَ الأَزَمَاتِ، يَكُونُ بِالرُّجُوعِ إلى اللهِ، وَكَثْرَةِ التَّضَرُّعِ إليهِ، فَنَحْنُ نَتَعَامَلُ مَعَ رَبٍّ رَحِيمٍ وَدَودٍ كَرِيمٍ. فَشُعَيبٌ عليهِ السَّلامُ قَالَ لِقَومِهِ: وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ .
وَالتَّوبةُ بَابُها مَفتُوحٌ وخَيرُها مَمنُوحٌ، قَالَ صلـَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (لو أَخطَأتُم حَتى تَبْلُغَ خَطَايَاكُم السَّمَاءَ ثُمَّ تُبتُم لَتَابَ اللهُ عَليكُم). فَأكثِرُوا عِبَادَ اللهِ: مِن التَّوبةِ والاستِغفَارِ بألسِنَتِكُم، وقُلُوبِكُم، وَجَوَارِحِكُم. فَلا مَلْجَأَ مِن اللهِ إلَّا إليهِ؛ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ فاللهمَّ اجعلنا لِنِعَمِكَ من الشَّاكِرينَ وَلَكَ من الذَّاكِرينَ، اللهمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعفُ عنَّا، الَّلهُمَّ أعزَّ الإسلامَ والْمسلمين، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدِّينِ. الَّلهُمَّ من أرادَ دِينَنَا وَبِلادَنَا وَأَمْنَنَا وَأَخْلاقَنا بِسوءٍ فَأَشْغِلْهُ في نَفسِهِ، الَّلهُمَّ وفِّق ولاةَ أمورنا لِمَا تُحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى. وَاجْزِهِمْ خَيرًا على خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ. الَّلهُمَّ انصُرْ جُنُودَنا واحفظ حُدُودَنا والْمُسلِمِينَ أجمَعينَ.
عبادَ اللهِ: بِحَمْدِ اللهِ خَرَجَ الْمصَلُّونَ بِالأَمْسِ بِأَمْرِ مِنْ وَلِيِّ أَمْرِنَا جَزَاهُ اللهُ خَيرًا لِصْلاةِ الاسْتِسْقَاءِ, وَإنَّهُمْ لَمُجَابُونَ بِأَمْرِ اللهِ الْسِّمِيعِ الْمُجِيبِ الْقَرِيبِ. فَادْعُوا اللهَ أَنْتُمْ كَذَلِكَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ، وَارفَعُوا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ لِمَولاكُمْ: فاللهم إنَّا نحمدك ونُثني عليك بأنَّك أنتَ اللهُ لا إله إلا أنتَ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم. «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا». «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ». «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْغَنِيُّ، وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ». «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَق». ربَّنا ظَلمْنَا أَنفُسَنا، وإنْ لَم تَغفِرْ لَنا وَتَرْحمْنا لَنَكُونَنَّ مِن الخَاسِرينَ. ربَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً، وفي الآخرةِ حَسَنَةً، وقِنا عَذابَ النَّارِ. اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ على عَبدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
 
 
المشاهدات 144 | التعليقات 0