شَبَابُ الأُمَّةِ… أَمَلُ الحَاضِرِ وَرِهَانُ المُسْتَقْبَلِ
فهد فالح الشاكر
🕌الخُطْبَةُ الأُولَى
الحمدُ للهِ الَّذي خَلَقَ الإِنسَانَ وَكَرَّمَهُ وَفَضَّلَهُ بِالعَقْلِ وَالإِيمَانِ، وَجَعَلَ لَهُ عُمُرًا مَحْدُودًا فِيهِ يُخْتَبَرُ وَيُبْتَلَى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ، أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّ التَّقْوَى سَبِيلُ الفَلَاحِ، وَعُنْوَانُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الأَفَاضِلُ:
حَدِيثُنَا اليَوْمَ عَنْ مَرْحَلَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ العُمْرِ، هِيَ مَفْتَرَقُ الطَّرِيقِ بَيْنَ الهِدَايَةِ وَالضَّلَالِ، بَيْنَ الرِّفْعَةِ وَالانْحِدَارِ، إِنَّهَا مَرْحَلَةُ الشَّبَابِ.
الشَّبَابُ هُمْ قَلْبُ الأُمَّةِ النَّابِضُ، وَدِرْعُهَا الحَامِي، وَسَاعِدُهَا القَوِيُّ، هُمْ طَاقَتُهَا وَعِزُّهَا وَمَجْدُهَا. وَبِهِم تُبْنَى الحَضَارَاتُ وَتُصَانُ القِيَمُ وَتُرْفَعُ الرَّايَاتُ.
وَقَدْ أَدْرَكَ الإِسْلَامُ أَهَمِّيَّةَ هَذِهِ المَرْحَلَةِ فَعُنِيَ بِهَا وَوَجَّهَ إِلَيْهَا أَنْظَارَ المُرَبِّينَ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:
﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾
فَأَثْنَى اللهُ عَلَى فِتْيَةِ الكَهْفِ بِإِيمَانِهِمْ وَثَبَاتِهِمْ فِي زَمَنٍ فَسَدَ فِيهِ النَّاسُ، لأَنَّهُمْ قَدَّمُوا العَقِيدَةَ عَلَى الحَيَاةِ، وَالإِيمَانَ عَلَى الرَّاحَةِ، وَالحَقَّ عَلَى الهَوَى.
أَيُّهَا الشَّبَابُ:
إِنَّكُمْ تَعِيشُونَ فِي زَمَانٍ تَزَاحَمَتْ فِيهِ الفِتَنُ، وَتَنَوَّعَتْ فِيهِ المَغْرِيَاتُ، وَقَلَّتْ فِيهِ القُدُوَاتُ، زَمَانٍ تُسْتَهْدَفُ فِيهِ العُقُولُ وَتُغْزَى فِيهِ القُلُوبُ، وَتُزَيَّنُ فِيهِ الشَّهَوَاتُ بِاسْمِ الحُرِّيَّةِ، وَيُضْعَفُ فِيهِ الحَيَاءُ بِاسْمِ الحَدَاثَةِ وَالتَّطَوُّرِ.
فَكُونُوا كَمَا أَرَادَ اللهُ مِنْكُمْ، ثَابِتِينَ عَلَى دِينِكُمْ، مُسْتَمْسِكِينَ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ ﷺ، فَإِنَّ الثَّبَاتَ فِي زَمَنِ الفِتَنِ جِهَادٌ عَظِيمٌ، وَمَنْ ثَبَتَهُ اللهُ اليَوْمَ ثَبَّتَهُ يَوْمَ تَزِلُّ الأَقْدَامُ.
يَا شَبَابَ الإِسْلَامِ:
إِيَّاكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِمَّنْ ضَيَّعَ أَعْمَارَهُ فِي اللهْوِ وَاللَّعِبِ، وَسَهِرَ عَلَى مَا لا يَنْفَعُ، فَنَدِمَ حِينَ لا يَنْفَعُ النَّدَمُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَيَسْأَلُكُمْ عَنْ شَبَابِكُمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
«لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ».
تَأَمَّلُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ – كَيْفَ خَصَّ النَّبِيُّ ﷺ الشَّبَابَ بِسُؤَالٍ خَاصٍّ بَعْدَ العُمْرِ كُلِّهِ، لأَنَّ الشَّبَابَ رَأْسُ المَالِ الحَقِيقِيُّ، فِيهِ القُوَّةُ وَالنَّشَاطُ وَالإِبْدَاعُ.
انْظُرُوا إِلَى شَبَابِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ:
هَذَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ تَرَكَ نَعِيمَ مَكَّةَ وَزِينَتَهَا، وَاخْتَارَ طَرِيقَ الدَّعْوَةِ وَالبَذْلِ، فَصَارَ أَوَّلَ سَفِيرٍ فِي الإِسْلَامِ.
وَهَذَا عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَبِيتُ فِي فِرَاشِ النَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةَ الهِجْرَةِ مُعَرِّضًا نَفْسَهُ لِلْمَوْتِ نُصْرَةً لِدِينِ اللهِ.
وَهَذَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ يَقُودُ جَيْشًا فِيهِ كِبَارُ الصَّحَابَةِ وَهُوَ لَمْ يَبْلُغِ العِشْرِينَ.
وَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَطْلُبُ العِلْمَ وَيَسْهَرُ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ حَبْرَ الأُمَّةِ وَتَرْجُمَانَ القُرْآنِ.
أُولَئِكَ قُدْوَاتُكُمْ أَيُّهَا الشَّبَابُ، لَا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى التَّفَاهَةِ وَالضَّيَاعِ وَيُسَمُّونَ ذٰلِكَ شُهْرَةً وَتَقَدُّمًا.
أَيُّهَا الأَبْنَاءُ الأَعِزَّاءُ:
كُونُوا لِبِنَاتٍ صَالِحَةً فِي صَرْحِ الأُمَّةِ، لَا ثُغَرَاتٍ يَدْخُلُ مِنْهَا أَعْدَاؤُهَا، وَاحْفَظُوا جَوَارِحَكُمْ عَنِ الحَرَامِ، وَكُونُوا قُدْوَاتٍ فِي الأَدَبِ وَالعِلْمِ وَالْخُلُقِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الطَّرِيقَ إِلَى العَظَمَةِ يَبْدَأُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ فِي السِّرِّ قَبْلَ العَلَنِ، وَمِنْ مُرَاقَبَتِهِ فِي الخَلْوَةِ قَبْلَ الجَهْرِ.
فَمَنْ كَانَ مَعَ اللهِ فِي شَبَابِهِ، كَانَ اللهُ مَعَهُ فِي شَيْبَتِهِ، وَمَنْ خَدَمَ دِينَهُ وَهُوَ قَوِيٌّ، رَفَعَ اللهُ ذِكْرَهُ وَأَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ… وَشَابٌّ نَشَأَ فِي طَاعَةِ اللهِ».
فَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ لَا يَنَالُهَا إِلَّا مَنْ جَعَلَ شَبَابَهُ لِلَّهِ وَسَعْيَهُ فِي مَرْضَاتِهِ.
أَقُولُ قَوْلِي هٰذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ🕌
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ، إِنَّ الشَّبَابَ الَّذِينَ يُرَاقِبُونَ اللهَ فِي سِرِّهِمْ وَعَلَانِيَتِهِمْ هُمْ مِفْتَاحُ الخَيْرِ وَأَمَلُ الأُمَّةِ.
احْرِصُوا عَلَى الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تُذَكِّرُكُمْ بِاللهِ، فَإِنَّ الصَّاحِبَ سَاحِبٌ، وَالرِّفْقَةَ تَجُرُّ الإِنسَانَ إِلَى طَرِيقِهَا، إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ البَرَكَةِ أَنْ تَسْتَعْمِلَ شَبَابَكَ فِي خِدْمَةِ دِينِكَ، وَأَنْ تَجْعَلَ قُوَّتَكَ فِي مَرْضَاةِ رَبِّكَ.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
«اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ».
فَاغْتَنِمُوا أَيَّامَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَذْهَبَ، وَأَعْمَارَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَفْنَى، وَاشْكُرُوا اللهَ عَلَى نِعْمَةِ الشَّبَابِ وَالعَافِيَةِ وَالإِيمَانِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ شَبَابَ المُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ، وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، وَاصْرِفْ عَنْهُم قُرَنَاءَ السُّوءِ، وَاجْعَلْهُم مِنَ الهُدَاةِ المُهْتَدِينَ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا، وَزَيِّنْهُمْ بِالعِفَّةِ وَالصَّلَاحِ، وَاجْعَلْهُمْ قُرَّةَ عَيْنٍ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِنَا لِمَا فِيهِ خَيْرُ البِلادِ وَالعِبَادِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ لِنِعَمِكَ، المُقِيمِينَ لِشَرِيعَتِكَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ
المرفقات
1761207237_شَبَابُ الأُمَّةِ… أَمَلُ الحَاضِرِ وَرِهَانُ المُسْتَقْبَلِ.pdf