شرطا قبول العمل

زكي اليوبي
1447/04/03 - 2025/09/25 17:09PM

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران: ١٠٢] ، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦوَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا﴾[سورة النساء:آية ١] ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا﴾[سورة الأحزاب: ٧٠-٧١]

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: إن العبادات تنبني على تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فلا تقبل العبادة إلا بشرطين: الأول: الإخلاص لله عز وجل، وهو ما تتضمنه شهادة أن لا إله إلا الله، قال الله تعالى: {قُلِ ٱللَّهَ أَعۡبُدُ مُخۡلِصٗا لَّهُۥ دِينِي} [سورة الزمر: آية 14] ، الشرط الثاني: اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهو ما تتضمنه شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ) أخرجه البخاري (2697) بنحوه، ومسلم (1718)، وقال الفضيلُ في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، قال: أخلصُه وأصوبُه. وقال: إنَّ العملَ إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا، لم يقبل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا، لم يقبل حتَّى يكون خالصًا صوابًا، قال: والخالصُ إذا كان لله عز وجل، والصَّوابُ إذا كان على السُّنَّة.  وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: "حظَّ العاملِ مِنْ عمله نيَّتُه، فإنْ كانت صالحةً، فعملُهُ صالحٌ، فله أجرُه، وإن كانت فاسدةً، فعمله فاسدٌ، فعليه وِزْرُهُ"، وقد ذكرنا أن النيةَ في كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وسلفِ الأُمَّة إنَّما يُرادُ بها غالباً.. الإرادة، ولذلك يُعبَّرُ عنها بلفظِ الإِرادة في القرآن كثيرًا، كما في قوله تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152]، ومن السنة قولُه صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ كانت هجرتُهُ إلى اللهِ ورسوله، فهجرتُهُ إلى الله ورسولهِ، ومَنْ كانت هجرتُه إلى دنيا يُصيبُها، أو امرأة ينكِحُها، فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه". 

 

وما أخرجه مسلمٌ من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه: سمعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقضى يومَ القيامةِ عليه رجلٌ استُشهِدَ، فأُتِي به، فعرَّفه نِعَمَهُ، فعرفها، قال: فما عَمِلتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيكَ حتَّى استُشْهِدتُ، قال: كذبتَ، ولكنَّكَ قاتلتَ، لأنْ يُقالَ: جَريءٌ، فقد قيل، ثمَّ أُمِرَ به، فسُحِبَ على وجهه، حتى أُلقي في النَّارِ، ورجلٌ تعلَّمَ العلمَ وعلَّمه، وقرأَ القُرآن، فأُتِي به، فعرَّفه نِعَمَهُ فعرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلَّمتُ العِلمَ وعلَّمتُه، وقرأتُ فيكَ القرآنَ. قال: كذبتَ، ولكنَّكَ تعلَّمت العلمَ، ليُقالَ: عالمٌ، وقرأتَ القرآنَ ليقال: هو قارئٌ، فقد قيلَ، ثمَّ أُمِر به، فسُحِب على وجهه حتَّى أُلقي في النَّار، ورجلٌ وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصنافِ المال كلِّه، فأُتِي به، فعرَّفه نِعَمَهُ، فعرفها، قال: فما عَمِلتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تُحبُّ أن يُنفقَ فيها إلَّا أنفقتُ فيها لكَ. قال: كذبتَ، ولكنَّكَ فعلتَ، ليُقالَ: هو جوادٌ، فقد قيلَ، ثمَّ أمِر به، فسُحب على وجهه، حتَّى أُلقي في النار"، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في اصناف الناس الذين يطلبون العلم: " من الناس من يريد الدنيا ومن الناس من يريد الآخرة، من الناس من يريد الجاه والرفعة والسيادة..، ومنهم من يريد الآخرة، أن يحفظ شريعة الله، وأن يعلم عباد الله، وأن يتعبد لله على بصيرة وما أشبه ذلك. ا.ه..  اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل يا ذا الجلال والإكرام

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ووفقنا للاقتداء بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وجعلَنا من المتّقين الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلانية: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الْحَشْرِ: 18]

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

أخلصوا نياتكم لله عز وجل، فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان له خالصاً.  قال ابن رجب رحمه الله: " تارةً يكونُ العملُ للهِ، ويُشارِكُه الرِّياءُ، فإنْ شارَكَهُ مِنْ أصله، فالنُّصوص الصَّحيحة تدلُّ على بُطلانِهِ وحُبُوطه، ففي "صحيح مُسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "يقولُ الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشُّركاءِ عن الشِّرك، مَنْ عَمِل عملًا أشركَ فيه معي غيري، تركته وشريكَه" وخَرَّج النَّسائيُّ من حديث أبي أُمامة، قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمِسُ الأجرَ والذِّكْرَ، ما لَهُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيءَ له"، ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لا يَقبلُ من العمل إلَّا ما كانَ خالصًا، وابتُغي به وجهُهُ" رواه النّسائي 6/ 25، والطبراني (7628) وحسَّنه الحافظ العراقي.  وهناك مسألة تتعلق بالنية، ألا وهي طروء الرياء أثناء العمل، وفي تلك المسألة قال ابن رجب رحمه الله: "وأمَّا إنْ كان أصلُ العمل للهِ، ثم طرأت عليه نيَّةُ الرِّياءِ، فإنْ كان خاطرًا ودفَعهُ، فلا يضرُّه بغير خلافٍ، وإن استرسلَ معه، فهل يُحبَطُ به عملُه أم لا يضرُّه ذلك ويجازى على أَصلِ نيَّته؟ في ذلك اختلافٌ بين العُلماءِ مِنَ السَّلَف قد حكاه الإِمامُ أحمدُ وابنُ جريرٍ الطَّبريُّ رحمهما الله، ورجَّحا أن عمله لا يبطلُ بذلك، وأنَّه يُجازى بنيَّتِه الأُولى، وهو مرويٌّ عن الحسنِ البصريِّ وغيره رحمهم الله.  وذكر ابنُ جريرٍ رحمه الله أنَّ هذا الاختلافَ إنَّما هو في عمل يرتَبطُ آخرُه بأوَّلِه، كالصَّلاةِ والصِّيام والحجِّ، فأمَّا ما لا ارتباطَ فيه كالقراءةِ والذِّكر وإنفاقِ المالِ ونشرِ العلم، فإنَّه ينقطعُ بنيَّةِ الرِّياءِ الطَّارئةِ عليه، ويحتاجُ إلى تجديدِ نَيَّةٍ.  وهذا يوضح ما رُوي عن سفيانَ الثَّوريِّ رحمه الله، أنه قال: ما عالجتُ شيئًا أشدَّ عليَّ من نيَّتي، لأنَّها تتقلَّبُ عليَّ. ا.ه.  فأمَّا إذا عَمِلَ العملَ للهِ خالصًا، ثم ألقى الله لهُ الثَّناء الحسنَ في قُلوبِ المؤمنين بذلك، ففرح بفضل الله ورحمته، واستبشَرَ بذلك، لم يضرَّه ذلك. قاله ابن رجب رحمه الله.  ولكن يجب التنبُه إلى أن الإنسان لا يُعجب بنفسه، ويستشعر أن ذلك من فضل الله عليه، فإن الإعجاب بالنفس من الأمور المهلكة، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌الْمُهْلِكَاتُ ‌ثَلَاثٌ: إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ، وَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُضِلٌّ» أورده ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة.

اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، ولا تجعل لأحد من خلقك فيها نصيب يا ذا الجلال والإكرام، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه فقال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا }، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،  اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم اصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وهيأ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم تول أمر إخواننا في فلسطين، اللهم كن لهم عوناً ونصيرا، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اللهم كل من أراد بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين بسوء ، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم، اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

المشاهدات 230 | التعليقات 0