شروط الصلاة
تركي بن علي الميمان
عنوان الخطبة : شروط الصلاة
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا لعبادته، وجعل الفوز بالجنة مقروناً بطاعته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، جاءنا بالبينات والنور والهدى، وجعلنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا شريعته، وتمسكوا بأحكامه، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] عباد الله: العبودية الحقة لله جل وعلا تتحقق في الصلاة، بما فيها من الإخلاص والخشوع والتذلل والخضوع للخالق سبحانه، ويملأ العبد جوانبه بزاد روحي يكسبه قدرة على القيام بالواجبات، وترك المحذورات. وحتى يقف المسلم بين يدي الله سبحانه ليؤدي الصلاة، عليه أن يستعد قبلها بأمور تسبقها وتتعلق بها إلى نهايتها؛ ألا وهي شروط الصلاة، التي لا تصح صلاة العبد إلا بالإتيان بها. وشروط الصلاة تسعة، وكان العلماء يعلمونها الناس في المساجد مع أركان الصلاة وواجباتها، وكذلك الأصول الثلاثة، حتى يتفقهوا في أصول دينهم، لأن كل مسلم محتاج إلى ذلك. فمنها: الإسلام؛ وضده الكفر، والكافر عمله مردود، ولا تقبل الصلاة إلا من مسلم، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].
ومنها: العقل؛ أن يكون عنده عقل يميز بين ما يضره وما ينفعه، وبين الخير والشر؛ أما إن كان مجنوناً أو معتوهاً لا يميز، فلا صلاة له؛ لأن المجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق، كما روي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،أنه قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» [رواه أبو داود (4403)؛ وصححه الألباني].
ومنها: التمييز؛ وضده الصغر، وحده سبع سنين؛ ثم يؤمر بالصلاة من تم له سبع سنين، وهذا ليس أمر تكليف، وإنما هو أمر تأديب، ليعتادها وينشأ عليها؛ وإذا بلغ عشر سنين، ضُرب على ترك الصلاة وجوباً؛ وهذا الضرب غير شديد؛ لأن المقصود تأديبه حتى يألفها ويعتادها؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»[رواه أبو داود(495) ؛وقال الألباني: حسن صحيح]؛ ولفظ: «أَوْلَادَكُمْ»: شامل للذكر والأنثى.
=ومن شروط الصلاة: رفع الحدث؛ يعني الطهارة من الحدث الأصغر: بالوضوء، والحدث الأكبر: بالغسل، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة:6]؛ ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» [رواه البخاري(4954)، (135) وهذا لفظه؛ ومسلم(225)] والأمر برفع الحدث بالماء عند وجوده، أو التيمم عند عدم الماء، أو العجز عنه.
=ومن شروطها: إزالة النجاسة من ثلاث: من البدن والثوب والبقعة؛ فلا بدَّ أن يكون بدن المصلي طاهراً، واستدلوا عليه بوجوب التنزه من البول؛ ولا بدَّ أن يكون ثوب المصلي طاهراً، لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] ،وهذا يشمل طهارة الظاهر كتطهير الثياب من النجاسات، وطهارة الباطن كتطهير الأعمال من الشرك والمعاصي.
ولا بدَّ أن يكون مكان المصلي طاهراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصبِّ ذَنُوبٍ من ماء على بول الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد وقال: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ، لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» [رواه مسلم (285)]
-ومن رأى على ثوبه نجاسة بعد الصلاة ولا يدري متى حدثت؛ فصلاته صحيحة، وكذا لو كان عالماً بها قبل الصلاة، لكن نسي أن يزيلها؛ فصلاته صحيحة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه وبهما خبث، فلما أطلعه جبريل خلعهما، ولم يعد أول الصلاة [أبو داود(650)وصححه الألباني]
وإن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة وأمكنه إزالتها من غير عمل كثير، كخلع النعل والعمامة ونحوهما؛ أزالهما وأكمل صلاته، وإن لم يتمكن من إزالتها، بطلت صلاته. =والمداومة على الطهارة في الجسد والثوب والمكان، تجعل المسلم في جميع أوقاته طيب النفس، رفيع الذوق، سامي المشاعر، ولنتأمل ماذا كان
حالنا لو لم يشترط الشرع هذه الطهارة؟
لذا ينبغي للمسلم أن يطهر باطنه كما طهَّر جسده وثوبه ومكان صلاته ،حتى يقبل على الله وقد خلا قلبه من الحقد والحسد والرياء، فيسارع في التوبة والاستغفار، والعزم الأكيد على عدم العودة إلى ما يدنِّس النفس ويغضب الله تعالى.
=ومن الشروط لصحة الصلاة: ستر العورة؛ لقوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]، وفي الآية تعليق الأمر باسم الزينة لا بستر العورة، إيذاناً بأن العبد ينبغي له أن يلبس أحسن ثيابه وأجملها للوقوف بين يدي الله تعالى.
وقال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على فساد صلاة من صلى عرياناً وهو يقدر. ويجب ستر العورة بما لا يصف بشرتها؛ أي لا يصف لون البشرة سوادها وبياضها. وحد عورة الرجل في الصلاة: ما بين السرة والركبة، والسرة والركبة ليسا داخلين فيها؛ ومع أن الركبة ليست من العورة، فإن من الاحتياط ستر الجزء الملاصق منها للعورة، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فوجب سترها احتياطاً.
وأما العاتقان: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ»[رواه البخاري(359)،ومسلم(516)]؛ وعلى هذا فالأولى للمسلم أن يأخذ بالأحوط، فيصلي في ثوبين، يعني ما اعتاد عليه الناس من لبس الثوب وما تحته من السراويل، فهذا بمعنى الثوبين؛ ويستر عاتقه أو بعضه متى كان قادراً على ذلك.
وبهذا يتبين تقصير بعض الناس عندما يصلي في الصيف بالفنيلة ذات الحبل اليسير الذي يكون على الكتف-يعني الفنيلة العلاقية-، فمثل هذا لا تصح صلاته عند من يشترط ستر العاتق؛ وكذا ما يفعله بعض المحرمين في الحج أو العمرة عندما يصلي وعاتقه مكشوف مع أنه بإمكانه أن يضع عليه الرداء.
=وعورة المرأة البالغة في الصلاة: تغطي جميع بدنها ما عدا وجهها، بل يكره تغطية المرأة وجهها في الصلاة؛ إلا عند الرجال الأجانب، فيجب تغطيته؛ واختلف في يدي المرأة وقدميها؛ هل يجب سترهما في الصلاة؟
فالأولى والأحوط سترهما في الصلاة.
ويستحب للمرأة أن تصلي في قميص سابغ يغطي قدميها، وخمار يغطي رأسها وعنقها، وجلباب تلتحف به من فوق القميص.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}[هود:114]بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:56] عباد الله: ومن الشروط لصحة الصلاة: دخول الوقت؛ ودليلها من السنة :حديث جبريل عليه السلام، أنه أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم في أول الوقت وآخره، ثم قال: يا محمد: «الصلاة ما بين هذين الوقتين» [أبو داود(393) وصححه الألباني] وقال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]، أي مفروضاً في الأوقات؛ ودليل الأوقات قوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]
قال الشيخ السعدي في تفسيره: ومعنى{لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}:أي ميلانها إلى الأفق الغربي بعد الزوال، فيدخل في ذلك صلاة الظهر والعصر؛ {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}:أي ظلمته، فدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء؛{وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ}: أي صلاة الفجر؛ ففي هذه الآية ذكر الأوقات الخمسة للصلوات المكتوبات، وأن الصلوات الموقعة فيها فرائض، لتخصيصها بالأمر؛ وفيها أن الوقت شرط لصحة الصلاة، وأنه سبب لوجوبها، لأن الله أمر بإقامتها لهذه الأوقات؛ وأن الظهر والعصر يجمعان، والمغرب والعشاء كذلك، للعذر، لأن الله جمع وقتهما جميعاً. ا.هـ ومعنى كون الوقت من شروط الصلاة؛ أن الصلاة لا تصح قبله، كما أنه لا يجوز تأخيرها بعده، فالواجب الحرص على أداء الصلاة في وقتها، لأن تأخيرها عن وقتها من كبائر الذنوب التي يجب الحذر منها، {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون:4-5]، قال بعض السلف: هم الذين يؤخرونها عن وقتها.
=ومن شروط الصلاة: استقبال القبلة، وهي الكعبة المشرفة، قال الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة:144]؛ فلا بد أن يستقبلها المصلي في الفرض والنافلة إلا من عذر؛ كالمسافر في صلاة النافلة؛ أو مريض ليس عنده من يعدله للقبلة، وخاف خروج الوقت، فإنه يصلي حسب حاله، ولو لم يتجه للقبلة، وصلاته صحيحة، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].
وإن اشتبهت القبلة في سفر-على المصلي- اجتهد في تحديدها بالشمس والقمر، وكذلك يستدل بالنجوم على تحديد القبلة،{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16]، وأهم النجوم: (القطب)، لكنه نجم خفي لا يراه كل أحد، ويقع بالنسبة لنا في القصيم في الشمال الشرقي، وبقربه (الجدي)، وهو أوضح منه، وهو أقوى الأدلة وأعمها لمن يعرف النجوم؛ لأنه يستدل به في جميع الأماكن، وهو لا يتحرك إلا يسيراً.[فيجعل عندنا في القصيم: خلف الأذن اليمنى، وتكون أمامك القبلة]؛ وفي زماننا هذا ظهرت آلات دقيقة يستدل بها على القبلة، وهذا من رحمة الله تعالى، ونعمه على عباده.
وما أجمل الشعور بالوحدة التي تجمع المسلمين في صلاتهم، يعبدون رباً واحداً، ويتجهون قبلة واحدة، يضمهم وحدة الدين عقيدة وسلوكاً، إنه شعور يملأ النفس عزة وأمنا، قوة ويقيناً وثباتا.
=ومن شروط الصلاة: النية؛ وهي التي تتميز بها العبادات عن العادات، وكذلك تتميز العبادات بعضها عن بعض، كصلاة الظهر عن العصر، والفرض عن النفل؛ والنية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة؛ لأنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم التلفظ بها في الصلاة ولا في غيرها ؛والعبادات مبناها على الاتباع لا على الابتداع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»[رواه البخاري ومسلم]
=فلنتق الله تعالى-عباد الله-،ولنعلم أن الله أعلم بنيات القلوب ومقاصدها؛ فلا حاجة إلى التلفظ بها في الصلاة وفي جميع العبادات {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات:16].
وصلوا وسلموا على نبيكم محمد
المرفقات
1762831148_شروط الصلاة.docx
1762831173_شروط الصلاة.pdf