شكر الله، ومن ذلك شكره سبحانه وتعالى على نجاح موسم الحج
أحمد بن علي الغامدي
الحمدُ للهِ الحيِّ الَّذي لا يَموتُ، تفرَّدَ بالعِزَّةِ والكِبرياءِ، وطَوَّقَ عبادَهُ بطَوقِ الفَناءِ، وفرَّقَهُم إلى سُعداءَ وأشقياءِ، نحمدُهُ سبحانهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا.وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُهُ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آلِه وصحبِه، والتابعينَ، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.
أما بعدُ: فأُوصيكم ونفسيَ بتقوى اللهِ تعالى، فإنَّها وصيَّتُه للأوَّلينَ والآخِرين، قال اللهُ تعالى:﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾
عباد الله : خُلُقٌ عظيمٌ، ومقامٌ كريمٌ من مقاماتِ العبوديةِ للهِ، أمرَ اللهُ به، وأثنَى على أهلِه، وجعلَهُ سببًا لدوامِ النعمِ وزيادتِها، ألا وهو: الشُّكرُ -عباد الله-والذي لا يُهدى إليه إِلَّا الْخُلَّصُ الأوفياءُ مِنَ النَّاسِ . قال اللهُ تعالى:﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾
عباد الله : لمّا كان العبدُ مفتقراً إلى الله في كل حال، فإنه عاجزٌ عن شكرِ نعمَ ربِه إلا أن يعينَه الله سبحانه وتعالى، ولذلك كَانَ صلى الله عليه وسلم يُوصِي خَاصَّةَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْأَدْعِيَةِ الَّتِي فِيهَا طَلَبُ الْإِعَانَةِ عَلَى الشُّكْرِ ، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذِ بنِ جبل ((يامعاذ والله إني لأحبُك، أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ :لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أن تَقُولَ [ لأن الدعاءَ بعدَ التشهدِ الأخيرِ وقبلَ السلامِ من مظانِّ الإجابة ]: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ))
عبادَ الله: يخطئُ من يظنُّ أنَّ النِّعمَ تقتصرُ على المالِ والولدِ والصحةِ والمكانة فحسب، فيحرصُ على أن يشكرَ اللهَ على أولاء، ويغيبُ عنه نعمٌ هي أعظم مما سبق، كنعمة الإسلام والإيمان والقرآن والهداية. فما أعظمها هذه النعم والمنن ،قال اللهُ تعالى:﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ بل إنَّ الفاتحةَ، وهي أعظمُ سورةٍ في كتابِ الله، تضمَّنت دعاءً بطلبِ الثباتِ على هذه النعمة:
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾
فيا عبدَ الله تأمَّل: كم من الناسِ وُلِدوا لأبوينِ غيرِ مسلمين، أو ماتوا على الكفرِ، ومنهم أقرباءُ لبعضِ أولي العزمِ من الرسلِ ، عليهم أفضلُ الصلاةِ والسلام، بينما أُعطيتَ الإسلام من غيرِ طلبٍ منك.
فهلّا شكرتَ اللهَ على هذه النعمةِ؟ هلّا عظَّمتَها حقَّ تعظيمِها؟
عباد الله :من وسائلِ الشُّكرِ: أن تنظرَ إلى مَن هو دونَك، لا إلى من هو فوقَك.
قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:"انظُروا إلى من هو أسفلَ منكم، ولا تنظُروا إلى من هو فوقَكم؛ فهو أجدَرُ ألا تزدروا نعمةَ الله عليكم" [رواه مسلم].
ومن وسائلِ الشُّكرِ أيضًا: مجاهدةُ الشَّيطانِ، فهو عدوٌّ يسعى ليصرفَنا عن الشُّكر، كما أخبرَ اللهُ عن إبليس:﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾
عباد الله: إن الجحودَ وتناسيَ فضلَ المنعم : يوردُ صاحبَه مواردَ الهلكة، ولهذا السبب كانتِ النساءُ أكثرَ أهل النار، قال صلى الله عليه وسلم " وَرَأَيْتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَراً قَطُّ أفظعَ. وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: لا .ولكن يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ".
فإذا كان الجُحودُ لنعمةِ الزوجِ بهذه المنزلة، فكيفَ بمن يجحَدُ نِعَمَ اللهِ عليهِ كلَّ يومٍ؟!
قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ [ أي : ومن جحدَ النعمة ولم يشكرْها] فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } فالله جل وعلا غنيٌ عن شكرِ الخلقِ أجمعين، وهو مع ذلك كريمٌ يَعمُّ بخيره في الدنيا حتى الكافرين، ثم يحاسبُهم ويجازيهم في الآخرة.
أسأل الله أن يجعلنا شكارين له ،حمادين له ،إنه جواد كريم
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
أما بعد: فقد بدأت قَوَافِلُ الْحَجِيجِ في العودة إِلَى دِيَارِهَا، بَعْدَ مَوْسِمٍ نَاجِحٍ وَحَافِلٍ بِخِدْمَاتٍ مُتَكَامِلَةٍ، وَإِنْجَازَاتٍ جَلِيلَةٍ، وَجُهُودٍ تَعَاضَدَتْ فِيهَا كُلُّ الْقِطَاعَاتِ الَّتِي بَذَلَتْ عَمَلًا مُسْتَمِرًّا، وَطَوَّرَتْ فِكْرًا حَدِيثًا لِخِدْمَةِ الْحُجَّاجِ وَالزُّوَّارِ، وَشَهِدَ مَوْسِمُ هَذَا الْعَامِ تَطْبِيقَ أَحْدَثِ التِّقْنِيَّاتِ وَالْأَنْظِمَةِ الذَّكِيَّةِ.
وهذا النجاحُ المتميزُ نعمةٌ عظيمةٌ من الله سبحانه وتعالى ،قال تعالى ((وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّه)
أسألُ اللهِ سبحانه أن يجزيَ كلَ من شارك في خدمةِ ضيوفِ الرحمن من ولاة الأمور ، ومن رجالِ الأمن ومن رجالِ الصحة ومن رجالِ الدعوة إلى الله ومن رجالِ التقنية ومن كلِ القطاعاتِ المشاركة خيرَ الجزاءِ فإنّ أجرَهم عظيم إذا احتسبوا ذلك عندَ اللهِ سبحانه وتعالى .
عباد الله : صلوا وسلموا
المرفقات
1749732179_شكر الله، ومن ذلك شكره سبحانه وتعالى على نجاح موسم الحج.docx