صلاة العصر (مشكولة + مختصرة)
صالح عبد الرحمن
خطبة عن صلاة العصر (مشكولة + مختصرة) 11-04-1447هـ
الخطبة الأولى:
الْـحَمْدُ لِلـهِ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ إِلَىَ الْـخَيْرِ فَلَيْسَ عَنْهُ يَعْدِلُوْنَ وَحَبِّبَ إِلَيْهِمُ الْعَمَلَ الْصَّالِحَ فَلْيسَ فِيْ غَيْرِ مَرْضَاتِهِ يَطْمَعُوْنَ وَأَثَابَهُمْ عَلَىَ أَعْمَالِهِمْ ثَوَابا جَزِيْلا فَإِيَّاهُ يَحْمَدُونَ وَيَشْكُرُوْنَ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه صَاحِبُ الْـخُلُقِ الْعَظِيمِ صَلَّىَ اللَّـهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَىَ جَمِيْعِ آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالْتَّابِعِيْنَ لَـهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَىَ يَوْمِ الْدِّيِنِ.
أَمَّا بعدُ: فأوصيكم بتقوى الله عز وجل، فهي وصيته للأولين والآخرين قال سبحانه: (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله).
معاشر الكرام: ثمة فرضٌ من فروض الصلوات الخمس له شأنٌ عظيم عند الله، وردت أحاديثٌ بفضله، وأحاديثٌ بالتوعد لمن تركه، قال ابنُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ العَصْرِ، كَأَنَّما وُتِرَ أَهْلُهُ وَمالُهُ)، عجيبٌ هذا الوعيد لمن ترك صلاة العصر أو فرط فيها.
هَذَا فِيمَنْ تَرَكَها نَاسيَّاً مَعذُوراً لا يَعلَمُ، وأَمَا مَن تَرَكَها مُتَعَمِّدَاً فَالأمرُ أَعظَمُ، كَمَا قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَتَّى تَفُوتَهُ، فَقَدْ أُحْبِطَ عَمَلُهُ)، فَكَم هِيَ صَلاةٌ عَظيمةٌ، لَهَا مَكَانَةٌ كَريمَةٌ. صَلاةُ العَصرِ هِيَ الصَّلاةُ الوُسطَى التي أَكَّدَ اللهُ تَعَالى بِالمُحَافَظَةِ عَليهَا خَاصَّةً، فَقَالَ سُبحَانَهُ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى)، وَقَد دَعَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ عَلى مَن شَغَلَهُ عَنهَا يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَقَالَ: (مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ)، فَمَا عُذرُ مَن يُفَرِّطُ بِهَا وَهو فِي أَمنٍ فِي البلدان، وعَافيَّةٍ فِي الأبدان؟
في كُلِّ صَلاةِ عَصرٍ يَحضُرُ مَلائكَةٌ كِرامٌ، ثُمَّ يَعرُجُونَ إلى ذِي الجَلالِ والإكرامِ، فَمَاذا يَسألُهُم؟، ومَاذا يُجِيبُونَ؟، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ ربُهم وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟، فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ)، فَهَل كُنتَ فِي صُفُوفِ المُصلِّينَ؟، أَم كُنتَ مِنَ الغَائبينَ المَحرُومينَ؟.
المحَافظةُ عَلى صَلاةِ العَصرِ مَعَ صَلاةِ الفَجرِ سَببٌ لِلنَّجاةِ مِنَ النَّارِ، ودُخولِ الجَنَّةِ دَارِ الأَبرارِ، يَقُولُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (لَنْ يَلجَ النَّارَ أَحدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) يَعْني: الفَجْرَ والعَصْرَ، وقَالَ فِي الحَديثِ الآخَرِ: (مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ)، وَالبَرْدَانِ: الصُّبحُ والعَصْرُ، فَمَنْ حَافَظَ عَليهِمَا فِي الأَوقَاتِ، فَازَ فِي يَومٍ تَكثُرُ فِيهِ الخَسَاراتُ، (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ).
مَعَ صَلاةِ العَصرِ والفَجرِ.. دُخُولُ الجَنَّةِ لَيسَ هذا هو نِهَايةُ المَطَافِ، وَإنَّمَا هُو بِدَايةُ النَّعيمِ والأَلطَافِ، نَظَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا).
اللهم إنا نسألك الجنةَ ونعيمَها.
أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ، فَاستغفروه إنَّهُ هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ حَمدًا يَليقُ بجَلالِ وَجهِهِ وعَظيمِ سُلطانِه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَه، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُه، صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه وأَتباعِه، أمَا بَعدُ:
أيُّها الأحبة: هُنَاكَ مَن يَأتي مِن عَملِهِ فَيَنامُ إلى قَبلِ المَغربِ ثُمَّ يَقُومُ يُصلي العَصرَ خَفيفةً سَريعَةً، فَهَل تَعلَمونَ مَا هو اسمُ هَذِهِ الصَّلاةِ فِي أَحكَامِ الشَّريعةِ؟، إنَّهَا صَلاةُ المُنَافقِينَ كَمَا أَخبَرَ بِذَلِكَ سَيِّدُ المُرسَلينَ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ، حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا)،
فَيَا مَنْ أَرادَ السَّلامَةَ في الدِّينِ، إيَّاكَ وَعمَلَ المُنَافقينَ.
صَلاةُ العَصرِ قَد أَضَاعتْهَا الأُمَمُ الخَاليَةُ، فَضَاعَفَ اللهُ أَجرَها لِهَذِهِ الأُمَّةِ العَاليَةِ، يَقُولُ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ صلاة الْعَصْرَ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ)،
قَالَ: وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ، يَعني بَعدَهَا وَقتُ نَهيٍّ عَن الصَّلاةِ حَتى تَغيبَ الشَّمسِ.
خَرجَ عُمرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَومًا إلى حِائطٍ لَهُ -أَيْ: بُستانٍ-، فَرَجَعَ وَقَد صَلَّى النَّاسُ العَصرَ، فَقَالَ عُمرُ: إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعونَ؛ فَاتَتني صَلاةُ العَصرِ في الجَمَاعةِ، أُشهِدُكم أنَّ حَائطي عَلى المَساكينِ صَدَقَةٌ، فاللهَ اللهَ بالمحافظة على الصلوات الخمس وخصوصاً صَلاةُ العَصرِ مع الجماعة، قَبلَ أَن تَوَسَّدَ فِي القَبرِ، فَمَنْ فَرَّطَ فِيها فَمَا هُو العُذرُ؟ ما هُوَ العُذرُ؟
اللهم اجعلنا وذرياتنا من مقيمي الصلاة اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم.
تركي العتيبي
عضو نشطبارك الله فيك ياشيخ موضوع مهم لله درك
تعديل التعليق