عبادة عظيمة يسيرة ، وفضائلها كثيرة .

أنشر تؤجر
1447/04/10 - 2025/10/02 17:13PM

الحمد لله الذي خصَّ الذاكرينَ بمنازل الرفعة والتفضيل ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .

‎أمَّا بعدُ ، فاتقوا ربكم واذكروه ، وراقبوه ولا تعصوه ؛( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).

‎أيها المسلمون : ذكرُ اللهِ - تعالى- غذاءُ وشفاءُ للقلوبِ والأرواحِ ، وعلامةُ الهدايةِ والصلاحِ ، وسببُ التيسيرِ والفَلَاحِ ، فقد قال الحق تبارك وتعالى :( وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).

‎فمَنْ واظَب على ذِكْرِ اللهِ ، أشرقَتْ عليه أنوارُه ، ودرت عليه أرزاقه ، وتوافدَتْ عليه خيراتُه ؛ وكيف لا تحل عليه الخيرات والبركات ، والله معه إذا ذكره ؛ قال تعالى :( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ )[الْبَقَرَةِ: 152].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم-:"‌ يَقُولُ ‌اللَّهُ ‌- تَعَالَى-: ‌أَنَا ‌عِنْدَ ‌ظَنِّ ‌عَبْدِي ‌بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي "(مُتفَق عليه).

الذكرُ - يا عباد الله - هو العبادة الوحيدة التي أمرنا الله بالكثرة فيها ، فقال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )، وقال تعالى في سورة الجمعة :( فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ).

ومما يدل على أهمية الذكر ، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ‌إِنَّ ‌شَرَائِعَ ‌الْإِسْلَامِ ‌قَدْ ‌كَثُرَتْ ‌عَلَيَّ ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ ، فقَالَ له عليه الصلاة والسلام :" لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ".
ولما جاء فقراءُ المهاجرين يشكون إلى رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ، فَقالوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالدَّرَجَاتِ العُلَى ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ ، فَقالَ : وَما ذَاكَ؟ قالوا : يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ ، فَقالَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ :" أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ به مَن بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنكُم إلَّا مَن صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ "، قالوا : بَلَى ، يا رَسولُ اللهِ ، قالَ :" تُسَبِّحُونَ ، وَتُكَبِّرُونَ ، وَتَحْمَدُونَ ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً.....الحديث ".

ذكرُ اللهِ تعالى – أيها المؤمنون - علامةُ التوفِيقِ والصلاحِ ، وهو الزادُ الصالحُ ، والمتجرُ الرابحُ ، والميزانُ الراجحُ ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-:" ألَا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعِها في درجاتكم؟ وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة ، وخيرٌ لكم من أن تَلقَوْا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ، ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا : بلى ، قال : ذِكرُ اللهِ ."

الذِّكْر - أيها المؤمنون - بابُ طُمأنينةٌ وسكينةٌ وأمان ، يُرضيَ الرحمنَ ، ويطرُدُ الشيطانَ ، ويُقوِّيَ الإيمانَ ، ويُبدِّدَ الأحزانَ ، قال ربنا جل وعلا :( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )[الرَّعْدِ: 28].

قال أبو الدرداءِ  - رضي الله عنه -:" لكلِّ شيءٍ جلاءٌ ، وإنَّ جِلاءَ القلوبِ ذِكرُ اللهِ -عز وجل-".

والذِّكْرُ حرزٌ من الشيطان ، وحفظٌ من السحر وعين الجن والإنس ، وحمايةٌ للبيوت من أذية مردة الجان ، وحفظٌ للأسر والأزواج والأولاد ، فعن جابر بن عبد الله ، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم – يقول :" إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ : لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ ؛ وَإِذَا دَخَلَ ‌فَلَمْ ‌يَذْكُرِ ‌اللَّهَ ‌عِنْدَ ‌دُخُولِهِ ، ‌قَالَ ‌الشَّيْطَانُ : ‌أَدْرَكْتُمُ ‌الْمَبِيتَ ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ ، قال : أدركتم المبيت والعشاء " ( أخرجه مسلم ).

وقال - صلى الله عليه وسلم -:" لا تجعلوا بيوتكم مقابر؛ إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " (رواه مسلم ).

فأكثروا من الذكرِ – يا عباد الله - تُفلحوا ، وداوِموا عليهِ تهتدوا وتغنموا ؛ واقتدوا بالسابقينَ ، واحذروا من الغفلة ؛ فكم نجلس في مجالِسِنَا الساعات ، وقد نَحرِمَ أنفسَنا من ذكر الله وأحبِّ الكلامِ إليه ؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" مَا ‌قَعَدَ ‌قَوْمٌ ‌مَقْعَدًا ‌، لَا ‌يَذْكُرُونَ ‌اللَّهَ عز وجل ‌فِيهِ ، وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ "(أخرجه أحمد ).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم -:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 41-43]،

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله  ، وصلى اللهُ وسلم وبارك على نبيِّنا محمد ، وبعد :

أيها المسلمون : اعلموا أن ذكرَ الله أفضلُ القربات ، وأجل الطاعات ، وأيسر العبادات ؛ فمَنْ واظَب على كثرةِ ذِكْرِ اللهِ - تعالى- ، وتسبيحه وتكبيرهِ وتقديسهِ ، والثناءِ عليه بمحامده ، فقد وفق لعبادة عظيمة ، الأجورُ المترتِّبةُ عليها كثيرةٌ جداً ، يصعبُ حصرُها وعدُ فضائِلُها ، فمن ذلك :

ما جاء في صحيح مسلم عن سعدِ بنِ أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : كنا عندَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

فقال :" أَيَعْجَزُ ‌أَحَدُكُمْ ‌أَنْ ‌يَكْسِبَ كُلَّ ‌يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ "، فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ : كَيْفَ يَكْسِبُ أحَدُنا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟

قَالَ :" يُسَبِّحُ مِائَةً تسبيحة ، فيُكتَبُ له ألفُ حسنة ، أو يُحطُ عنه ألفُ خطيئة ".(رواه مسلم) .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنهُ - قال ، قال سولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم :" مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ ، وقالَ : تَمامَ المِئَةِ : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له ، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ ، غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ ". (رواه مسلم).

وقال – عليه الصلاة والسلام -:" مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، ‌لَهُ ‌الْمُلْكُ ‌وَلَهُ ‌الْحَمْدُ ، ‌وَهُوَ ‌عَلَى ‌كُلِّ ‌شَيْءٍ ‌قَدِيرٌ ‌فِي ‌يَوْمٍ ‌مِائَةَ ‌مَرَّةٍ : ‌كَانَتْ ‌لَهُ ‌عَدْلَ ‌عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ."

وقال ﷺ :" من قال : سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة ، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"( مُتفَق عليه ).  

هذا – يا عباد الله – بعض الأحاديث التي تدل على عظم أجر الذكر وأثره ، وإن السنةَ المُشَرَفَة ، مليئةٌ بمثلِ هذه الشواهدِ ، التي يطولُ بها الحديثُ .

فحافظوا على الأذكار والأدعية الصحيحة ، الواردة في الصباح والمساء ، وعند النوم والاستيقاظ ، وعند الدخول والخروج ، وفي الأحوال المختلفة ، وأكثروا من ذكر الله - تعالى- في كل حين ، وابشروا بخيرٍ عظيم ؛" فقد كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ " رواه مسلم .

اللهم أعنا على ذكرك ، وعلى شكرك ، وعلى حسن عبادتك .

اللَّهُمَّ صِلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَاِرْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ قَضَوْا بِالْحَقِّ وَبِهِ كَانُوَا يُعَدِّلُونَ: أَبِي بِكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَنْ بَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ، وَأَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجَمْعَيْنِ، وَعَنَا مَعَهُمْ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ يَا أكْرَمَ الْأكْرَمِينَ.

اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلِمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلدَ آمِنَاً مُطمَئنًا وَسائرَ بلادِ المسلمينَ. اللَّهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرَمينِ الشَريفينِ، وَوَليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وَترْضَى، يَا ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ .

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

‎عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

المرفقات

1759414412_ذكر الله 4.docx

المشاهدات 800 | التعليقات 0