عناية الإسلام بالمرأة
شايع بن محمد الغبيشي
عناية الإسلام بالمرأة
الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ}
عباد الله إن من عظمة هذا الدين عناية الفائقة بالمرأة وإعلاؤه من شأنها وتكرار الوصية بها أوصى بها أماً قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} ([1]) وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}([2]) فوصى جل وعلا الإنسان بوالديه وحث على الإحسان إليهما وميز الأم وخصها بذكر معاناتها العظيمة في حملاها وولادتها قال ابن كثير رحمه الله: "{حملته أمه كرها} أي: قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبا، من وحام وغشيان وثقل وكرب، إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة، {ووضعته كرها} أي: بمشقة أيضا من الطلق وشدته ([3]) في بيان عظيم معناة الأم في حملها ووضعها وإرضاعها تنبيه على عظيم منزلتها ورفعة مكانتها والحق العظيم لها على ذريتها من البر والإحسان والرعاية وحسن الصحبة ولذا لما جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمُّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري
ولما قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: (أُمَّكَ) قُلْتُ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: (أُمَّكَ) قُلْتُ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: (أُمَّكَ) قُلْتُ مَنْ أَبَرُّ؟ قال: (أباك ثم الأقرب فالأقرب) رواه البخاري في الأدب وحسنه الألباني.
ولما مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. قَالَ: "وَيْحَكَ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، [يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم!]. قَالَ: "فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا". ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. قَالَ: "وَيْحَكَ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "وَيْحَكَ! الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ"
وأوصى بها زوجة قال في أعظم مجمع للناس في حجة الوداع: «ألا واسْتَوْصُوا بالنِّساء خيرًا، فإنّما هُنَّ عَوَانٍ عِندَكُم» رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وأوصى بها بنتاً وأختاً وبين أن الإحسان إليهما موجب للنجاة من النار وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَواتٍ، أوْ بِنتانِ، أو أُخْتانِ، فأحْسَن صُحبَتُهنَّ واتَّقى الله فيهِنَّ؛ فله الجنَّةُ" رواه الترمذي صححه الألباني.
وأمر الإسلام بالعدل بين الذكور والإناث تأمل هذا المشهد: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ جَاءَتْ بِنْتٌ لَهُ فَأَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ قَالَ: «فَهَلَّا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا" رواه الطحاوي وحسنه الألباني
وحذر الإسلام من استغلال ضعف المرأة وأخذ حقها أو العدوان عليها أو على مالها أو على ميراثها وهيج القلوب للعطف والإحسان إليها فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ! إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ" رواه ابن ماجة وصححه الألباني
وحث الإسلام على قبول المرأة والصبر عليها ومعاشرتها بالمعروف وتلمس الخير في ذلك قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } ([4]) هذا عباد الله إلماحة عن عناية الإسلام بالمرة فما أعظمه من دين أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمد عبده ورسوله أما بعد:
عباد الله لا يوجد دين أولى الرعاية والعناية بالمرة كدين الإسلام وقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم هي التطبيق العملي لهذه العناية الفائقة فقد قال صلى الله عليه وسلم: "خيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأهْلِهِ وأنا خَيْرُكُمْ لِأهْلي" رواه الترمذي وصححه الألباني. كان خير زوجٍ و خير أبٍ عرفته الدنيا أفاض من حبه وإحسانه وبره على زوجاته وبناته وكان النموذج الفريد لرعاية المرأة والإحسان إليها كان صلى الله عليه وسلم يحن إلى خديجة رضي الله عنها ويثني عليها ويكرم صاحباتها حتى بعد أن ماتت وقال عنها: " إني رزقت حبها" وسئل من أحب الناس إليك قال عائشة رضي الله عنها وارتوى زوجاته من معين حبه وجيل إحسانه وفائق رعايته أما بناته فنكتفي بهذا الخبر الذي تروي عائشة رضي الله عنها فتقول: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلًّا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» قَالَتْ: «وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا" رواه الترمذي وصححه الألباني.
عباد الله هذا هو ديننا وهذا جانب من رعايته للمرة فعلينا أن يتمثل ذلك سلوكاً واقعياً في حياتنا لنسعد ونسعد من حولنا، وصلوا وسلم عباد الله على خير خلق فقد قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56]
([1]) [لقمان: 14]
([2]) [الأحقاف: 15]
([3]) تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 280)
([4]) [النساء: 19]
المرفقات
1765494433_عناية الإسلام بالمرأة.pdf
1765494438_عناية الإسلام بالمرأة.docx