فاعتبروا (مختصرة)
يوسف العوض
الخُطْبَةُ الْأُولَى
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ فَأَحْصَاهُمْ عَدَدًا، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عِندَهُ كِتَابًا، وَأَرْسَلَ رُسُلَهُ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾
عِبَادَ اللَّهِ:إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا خَلَقَ الْخَلْقَ عَبَثًا، وَلَا تَرَكَهُمْ سُدًى، بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، لِيُخَوِّفَ عِبَادَهُ، وَيُذَكِّرَهُمْ بِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ.
قَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَأَنْذَرَ قَوْمَهُ، وَخَوَّفَهُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ، وَعَذَابِهِ، وَسُوءِ الْمَصِيرِ لِمَنْ أَعْرَضَ وَكَفَرَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : اُنْظُرُوا كَيْفَ خَوَّفَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ بِالْآيَاتِ، قَالَ تَعَالَى::﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا، وَلَمْ يَتُوبُوا، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْآيَاتِ وَالنُّذُرَ لَيْسَتْ فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ فَقَطْ، بَلْ تَتَكَرَّرُ فِي حَيَاتِنَا، فَمَا نَرَاهُ مِنْ زَلَازِلَ، وَأَعَاصِيرَ، وَحَرَائِقَ، وَأَوْبِئَةٍ، وَفِتَنٍ، إِلَّا رَسَائِلُ رَبَّانِيَّةٌ لِتَخْوِيفِ الْعِبَادِ، وَرُجُوعِهِمْ إِلَى اللَّهِ قَالَ تَعَالَى:﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ فَلْنَرْجِعْ إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِنَوَاصِينَا، وَلْنَتُبْ إِلَيْهِ تَوْبَةً نَصُوحًا، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ.
نَفَعَنِيَ اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِهَدْيِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْـحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:اِعْلَمُوا أَنَّ مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ،وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ النَّجَاةِ: أَنْ تَخَافَ مِنْ رَبِّكَ، وَتَتَّعِظَ بِآيَاتِهِ، وَتَعْتَبِرَ بِالْمَصَائِبِ وَالْفِتَنِ الَّتِي تُصِيبُ الْخَلْقَ ، فَلَا تَأْمَنُوا مَكْرَ اللَّهِ، وَلَا تَغْتَرُّوا بِإِمْهَالِهِ، فَإِنَّ بَأْسَهُ شَدِيدٌ، وَعَذَابَهُ لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:"لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا" فَأَيْنَ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ؟ وَأَيْنَ الْخَشْيَةُ مِنْ وَعِيدِهِ؟ وَأَيْنَ التَّأَثُّرُ بِالْآيَاتِ وَالنُّذُرِ؟
يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ:اِسْتَيْقِظُوا مِنَ الْغَفْلَةِ، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً صَادِقَةً، وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِطَاعَتِهِ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، وَالدُّعَاءِ، فَفِي ذَلِكَ الْفَرَجُ، وَرَفْعُ الْبَلَاءِ، وَحُلُولُ الرَّحْمَةِ قَالَ تَعَالَى:﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا﴾
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَخَافُونَكَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْغَافِلِينَ، اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا، وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.