فضائل صلاة الجماعة
أحمد بن صالح العجلان
الخطبة الأولى :الحمد للهِ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى فَضْلِهِ وَآلائِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلّا اللهُ وحده لاشريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وأتبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدين، أَمَّا بَعْدُ:فاتقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ-؛ فقَد نَجَا مَنِ اتَّقَى، وضَلَّ مَن قَادَهُ الهَوَى﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ واعْلَمُوا أَنَّ الْمَحْرُومَ الحَقِيقِيَّ، هُوَ الْمَحْرومُ مِنْ الإيمانِ، ومن الفَوْزِ بِرَحْمَةِ الواحد الديان. أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ تَطْهِيرِ العَبْدِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ ومَحْوِ خَطاياه: الْمُحافَظَةَ عَلَى الصِلاةِ جماعة فقد اتفقَ العلماءُ على أنَّ صلاة الجماعة من أَوْكدِ العباداتِ، وأجلِّ الطاعاتِ، وأعظمِ شعائرِ الإسلامِ ففيها من الأجور ومغفرة الذنوب وحط الخطايا ورفع الدرجات وطمأنينة القلب مالا يحصيه إلا الله تعالى وأنها أفضل من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة فعن بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ rقَالَ: (صَلَاةُ اَلْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ اَلْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. أي أن الرجل إذا صلّى في جماعة كانت صلاته أزيد ثواباً مما إذا صلاَّها وحده بسبع وعشرين مرة وأقل الجماعة اثنان؛ إمام ومأموم. ومن فضائل صلاة الجماعة في المساجد ومغفرة الذنوب أولا: مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ حين يتوضأ لأداء الصلاة فعن عثمانَ بن عفانَ tقَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ r"منْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوضوءَ، خَرَجَت خَطَايَاهُ مِنْ جسَدِهِ حتَّى تَخْرُجَ مِنْ تحتِ أَظفارِهِ" رواه مسلم. ثانيا: حط الخطايا ورفع الدرجات وكتابة الحسنات وذلك مِن خِلالِ مَشْيِهِ إلى الصلاةِ، قالَ r: (وذلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِد لا يَنْهَزُهُ إِلَاّ الصَّلَاةُ، لا يُرِيدُ إِلَاّ الصَّلَاةَ، لَمْ يَخطُ خُطوَةً إِلَاّ رُفِعَ لَهُ بِها دَرجةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطيئَةٌ حتَّى يَدْخلَ الْمَسْجِدَ) وقال r«إِنَّ لَكُمْ بِكُلِّ خَطْوَةٍ دَرَجَةً.» قال الشيخ الهَرَري الشافعي: بل الحاصل بالخطوة الواحدة ثلاثة أشياء وهي له بكل خطوة حسنة ويرفعه بها درجة ويحط بها عنه سيئة. ثالثا:كل خطوة يمشيها إلى الصلاة له بها صدقة قال r«وبِكُلِّ خَطْوَةٍ تمْشِيها إِلَى الصَّلَاةِ صدقَةٌ» رابعا: اعداد النزل له في الجنة قال r (منْ غدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أعدَّ اللَّهُ لَهُ في الجنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدا أوْ رَاحَ" متفقٌ عَلَيهِ. والنُّزل: ما يُهَيّأ للضيف من الكرامة. خامسا: أنه إذا دخل المسجد فإنه في صلاة ماكانت الصلاة تحبسه قال r«فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كانَ في الصَّلَاةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِيَ تحبِسُهُ» فلو بقيت منتظراً للصلاة وأنت جالس لا تصلي فإنه يحسب لك أجر الصلاة. سادسا:أنه إذا عمد إلى الصلاة فإنه في حكم المصلي، فينبغي له فعل ما ينبغي للمصلي فعله واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه كما قال r في صحيح مسلم«فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ".» فلا يسرع ولا يعبث ويغض صوته ويكف بصره ولا يشبك بين يديه لما روى كعب بن عجرة أن رسول rقال: " إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبك يديه. فأنه في صلاة ".سابعا: الملائكة يدعون لمن صلى مع الجماعة بالرحمة والمغفرة قبل الصلاة وبعدها مادام في مصلاه، ما لم يُحْدِث أو يُؤذِ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: ((لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف أو يُحْدِث )) وفي مسلم: ((والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يُؤذِ، ما لم يُحْدِث)) فيُندب للمصلي إذا خرج من صلاته بالتسليم أن يلبث فترة في مُصلاه لرواية عند بن خُزَيمة «ما لم يُحْدِث أو يقوم» . ولما روى عبد الله بن حبيب قال: سمعت رسول الله r يقول «إن العبد إذا جلس في مصلاه بعد الصلاة صلَّت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، وإن جلس ينتظر الصلاة صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه» رواه أحمد. قال الوَلَّوِي: ولا فرق في ذلك بين المسجد ومصلى البيت، فلو جلست المرأة في مصلى بيتها تنتظر وقت صلاة أخرى لم يبعد أن تصلي عليها الملائكة أيضًا؛ لأنها حبست نفسها لأجل الصلاة. اهـ. ثامنا: مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ بِسَبَبِ انتِظارِه الصلاةَ وَهُو في الْمَسْجِد، كَما سَمِعْتُم في الحديثِ، فَإِنَّ طِيلَةَ مُدَّةِ جُلُوسِهِ وانْتِظارِهِ، والمَلائِكَةُ تَدْعُو لَه: ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَه اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ). وهذا مِنْ أَكْبَرِ ما يُعِينُ العَبْدَ عَلَى الصَّبْرِ وَطُولِ الانْتِظارِ، لِأَنَّ مِن الناسِ مَنْ لا يُطِيقُ الاِنْتِظارَ فِي الْمَسْجِدِ، فَهُوَ فِي مَلَلٍ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ. فَإِذا تَذَكَّرَ هذا الفَضْلَ العظيمَ، هانَ عَلَيْهِ الاِنْتِظارُ.ثُمَّ اعْلَم أيُّها الْمسلمُ، أَنَّ هذا الدعاءَ مِن الْملائِكةِ مُسْتَمِرٌّ حَتى بَعْدَ فَراغِكَ مِن الصلاةِ، ما دُمْتَ في مَجْلِسِكَ الذي صَلَّيْتَ فيه، ما لَم تَنْقُضْ وُضُوءَكَ أَوْ تُؤْذِ أَحَدًا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية : الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الدَّاعي إلى رضوانه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .اخوة الأيمان: ويستحب الجلوس بعد صلاة الفجر في المسجد حتى تطلع الشمس وترتفع فعن جابر بن سمرة أن النبي :كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حسنا.» أي مرتفعة. فهذا التعلق بالمسجد يكسبك يوم القيامة الاستظلال تحت العرش حيث قال (سبعة يظلهم الله في ضله يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ. وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ. وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ. وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، ففاضت عيناه".) ومن فضائل صلاة الجماعة في المسجد ياعباد الله ومغفرة الذنوب التَّأْمِينِ خَلْفَ الإمامِ في الصلاةِ الجهريةِ، «ففي صحيح البخاري ومسلم» من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t : أَنّ النَّبِيَّ rقَالَ:( (إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ، وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ rيَقُولُ: (آمِينَ ويجهر بها صوته).» وقال r(إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}. فَقُولُوا آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). والْمُرادُ: أَنْ يَقُولَ المأمُومُ: آمِين، بَعْدَ فَراغِ الإمامِ مِنْ قَوْلِ: ( وَلَا الضَّالِّين )، لِأَنَّ هذا هُوَ الوارِدُ في الحَدِيثِ. فَلا يَسْبِقُه، ولا يَتَأَخَّرُ. بَلْ بِمُجَرَّدِ ما يَنْقَطِعُ صَوْتُ الإمامِ، لِأَنَّ الفاءَ تُفِيدُ الترتيبَ مَعَ التَّعْقِيبِ. وَمَعْنَى آمِينَ أَيْ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ. ومن فضائل صلاة الجماعة في المسجد ياعباد الله ومغفرة الذنوب قول المأموم بَعْدَ الرَّفْعِ مِن الرُّكُوعِ اللهم ربنا لك الحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ:(إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).وعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ:كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، قَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ). قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: (مَنِ الْمُتَكَلِّمُ). قَالَ: أَنَا، قَالَ: (رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} ) .هذا وصلوا وسلموا