قصة همومه صلى الله عليه وسلم ومرضه ووفاته

راشد بن عبد الرحمن البداح
1447/05/08 - 2025/10/30 05:51AM

الحَمْدُ للهِ الذِيْ اخْتَارَ لَنَا خَيْرَ الأَدْيَانِ، وَأَنْزَلَ لِأجْلِنَا خَيْرَالكُتُبِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا خَيْرَ الرُّسُلِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهَ تَسْلِيْمًا. أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}.

أيُّها المؤمنونَ: أتدرُونَ ما أعظمُ إنجازٍ في تاريخِ البشريةِ؟! ثم أتدرونَ ما أعظمُ مصيبةٍ ابتُلِيَتْ بها الأمةُ الإسلاميةُ؟!

أما أعظمُ إنجازٍ فهوَ يومَ رجعَ نبيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد حجَّمعهُ مئةٌ وأربعةٌ وعشرونَ ألفَ صحابيٍ، رجعَ وهو ابنُ ثلاثةٍ وستينَ سنةً؛ هيَ أبركُ عُمُرٍ لإنسانٍ، رجعَ وقد حققَ أعظمَ إنجازٍ، ألا وهوَ بلاغُرسالاتِ اللهِ إلى الخلقِ، وإخراجُهم من الظلماتِ إلى النورِ.

أما أعظمُ مصيبةٍ ابتُلِيَتْ بها الأمةُ، فهيَ حينَ ودَّعَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الجموعَ، بعدَ ثلاثةِ أشهرٍ من هذا الإنجازِ.

وبدايةُ المصيبةِ كانت في اليومِ التاسعِ والعشرينَ من شهرِ صفرَ من السنةِ الحاديةَ عشرةَ للهجرةِ، حينَ بَدَتْ بوادرُ المرضِ على الجسدِالشريفِ، فدخلَ على عائشةَ وهي تجِدُ صُداعاً في رأسِها وتقولُ: وَارَأسَاهُ، فقالَ: بَلْ أنَا وَارَأْسَاهُ().

وصلَّى بهم صلاةَ المغربِ، وهو عاصبٌ رأسَهُ، يُغالِبُ الصداعَوالحمَّى، والناسُ قيامٌ يستمعونَ لأطيبِ الذكرِ من أطيبِ فمٍ، وما كانَيدورُ بخَلَدِ أيٍ منهم أن هذا آخرُ مَقامٍ يَسمعونَ فيه قراءتَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

فلما صلَّى انقلبَ إلى فراشِ المرضِ، فلما أُذِّنَ للعشاءِ أُغمِيَعليهِ، وبينَما الناسُ في المسجدِ ينتظرونَهُ إذ تحركتْ شَفتاهُ، فأنصتُوا يلتقطُونَ أولَ كلمةٍ تذرِفُ من فمِهِ المباركِ، فإذا هوَيقول: أَصَلَّى الناسُ؟ قالُوا: لا يا رسولَ اللهِ، هم ينتظرونَكَ. ثم تحامَلَ ليقومَ فيصلِّيَ بهم، ولكنهُ سقطَ بين أيديهِم ليعودَ إلى إغمائهِ، حتى إذا أفاقَ سألَ ذاتَ السؤالِ: أَصَلَّى الناسُ؟قالُوا: لا، هم ينتظرونَكَ. فاغتسلَ، ثم تحامَلَ ليقومَ فأُغميَعليهِ أُخرَى، فلما أفاقَ قالَ: أَصَلَّى الناسُ؟ لا يا رسولَ اللهِ، هم ينتظرونَكَ.. فاغتسلَ ثم تحامَلَ الثالثةَ فأغميَ عليهِ، فعلِم أنه لن يستطيعَ الخروجَ فقالَ: مُرُوا أبا بكرٍ فَلْيُصَلِّ بالناسِ().

فصلَّى بهم أبو بكرٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- خمسَ ليالٍ، حتى إذا كانَ يومُالاثنينِ، والصحابةُ وقوفٌ خلفَ أبي بكرٍ يخيِّمُ عليهمُ الحزنُ واللوعةُلغيابِ أحبِّ مخلوقٍ إليهم، فبينَما هم كذلكَ إذ فجأَهُم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرفعُ سترَ حُجرتهِ قائمًا يَنظرُ إليهم، متراصةٌ صفوفُهم، مؤتلفةٌ قلوبُهم، يُقيمونَ أعظمَ شعائرِ الدينِ خلفَ أحبِّ أصحابهِ الذي ارتضاهُإمامًا لهم.

وإذا بالوجهِ الشاحبِ من المرضِ تعودُ إليه نَضرةُ النعيمِ، فيُشرِقُبابتسامةِ الرضا والسرورِ، حتى كادَ الصحابةُ أن يُفتَنُوا من الفرحِ وهم يَنظرونَ إلى صفحةِ وجههِ تُزهِرُ كأنها ورقةُ مصحفٍ، وتأخرَ أبو بكرٍظانًا أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريدُ الصلاةَ، فأشارَ إليهم أنْ أتمُّوا صلاتَكُم، ثم أرخَى سِترَ حجرتِهِ، فكانت تلكَ آخرَ نظرةٍ نظَرَها أصحابُهُ إليهِ.

ثم أرادَ تهيئتَهم للمصيبةِ الكبرَى بقُربِ وفاتِهِ، فَقَالَ: إِذَا أُصِيبَ أَحَدُكُمْ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَذْكُرْ ‌مُصِيبَتَهُ ‌بِي، فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ.حسَّنَهُ ابنُ حَجَرٍ وصحَّحَهُ الألبانيُّ().

نعَمْ (المُصِيبةُ به أعْظَمُ من كلِّ مُصِيبةٍ يُصابُ بها المُسلِمُ بعدَهُ إلى يومِالقِيامةِ، انقطَعَ الوَحْيُ، وكانَ أوَّلُ ظُهُورِ الشَّرِّ بارتِدادِ العَرَبِ)().

وَمَا فَقَدَ ‌الْمَاضُونَ ‌مِثْلَ مُحَمَّدٍ … وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ

ومصيبةُ وفاتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عزاءٌ يخفِّفُ كلَّ مصابٍ:

فَإِذَا ذَكَرْتَ مُصِيبَةً تَسْلُو بِهَا … ‌فَاذْكُرْ ‌مُصَابَكَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ

حتى إذا تعالَتْ ساعاتُ الضحَى حضرَهُ الموتُ، فجعلَيُدخِلُ يدَهُ في ماءٍ عندَهُ، فَيَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ‌سَكَرَاتِ ‌الْمَوْتِ ().

ولكنَّ سكراتِ الموتِ هذهِ لم تكنْ لِتُذهِلَهُ عن أمتِهِ أن يوصيَها بأوثقِوُصاةٍ، فجعلَ يُسابِقُ آخرَ أنفاسِهِ لينادِيَ: الصلاةَ الصلاةَ. حتى جعلَ يُغَرغِرُ بها صدرُهُ، وما يكادُ يَفيضُ بها لسانُهُ().

الحمدُ للهِ هادِينا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا، أما بعدُ:

فهذهِ المشاهدُ المؤثرةُ إعلانٌ بمكانةِ الصلاةِ عمودِ الإسلامِ، فقد نطقَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصلاةِ كلَّما أفاقَ من إغماءاتِهِ، واغتسلَثلاثاً لعلَّهُ يَنْشَطُ ليصلِّيَ بهم، ثم تعاهَدَ صحابتَهُ في آخرِ صلاةٍفي حياتِهِ، ثم وصَّى بها أمتَهُ في آخرِ أنفاسِ عُمُرِهِ المباركِ، فجعلَالصلاةَ في مقدمةِ أولوياتِ الحياةِ.

بقيَ أن يتساءلَ كلُّ محبٍ لرسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هذا حظُّالصلاةِ مِن هَمِّ رسولِنا، فما حظُّ الصلاةِ مِن همِّنا؟! وأينَ الذينَ تفوتُهم الصلاةُ تِلْوَ الصلاةِ من وصيةِ حبيبِهِم ورسولِهِم؟

• فاللهم اجعلِ الصلاةَ همَّنا وشُغلَنا الشاغلَ.
• اللهم إنا آمنَّا بنبيِّكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحببناهُ، واتَّبعناهُ وما رأيناهُ، اللهم فلا تحرِمنا يومَ القيامةِ رؤيتَهُ.
• اللَّهُمَّ نسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ.
• اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ.
• اللهم احفظْ دينَنا وبلادَنا، وحدودَنا وجنودَنا.
• اللهم سدِّدْ ووفِّقْ إمامَنا ووليَّ عهدِهِ.
• اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.
• اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، وَاجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ.
• اللَّهُمَّ أَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا رَبِيعَهَا، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.
• اللهم صلِّ وسلِّمْ علَى عبدِكَ ورسولِكَ مُحَمَّدٍ.

المرفقات

1761792690_‎⁨قصة همومه صلى الله عليه وسلم ومرضه ووفاته⁩.docx

1761792703_‎⁨قصة همومه صلى الله عليه وسلم ومرضه ووفاته⁩.pdf

المشاهدات 311 | التعليقات 0