كسب القلوب مقدمٌ على كسب المواقف

عبدالله محمد الطوالة
1447/05/30 - 2025/11/21 08:21AM

الحمدُ كلُّ الحمدِ أولهُ وآخره.. لله ربّ الكونِ أحمدهُ وأشكره.. الحمد لله حمداً لا منتهى لحده، ولا حساب لعدده، ولا انقطاع لأمدهُ.. سبحانهُ وبحمده، لا تُحصى نِعمُهُ، ولا تُكافئُ عطاياهُ، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ}.. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، ولا ربَّ لنا سواهُ، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}.. وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ ومصطفاهُ، وخليلهُ ومجتباهُ، طوبى لمن والاهُ وتولاهُ، واتبعَ سنَّتهُ واهتدى بهداهُ، ﷺ، وعلى آله وأصحابهِ واتباعه ومن والاه، وسلِّم تسليماً كثيراً لا حدَّ لمنتهاه.. 

أمَّا بعدُ: فـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}..

معاشر المؤمنين الكرام: نقف في هذه الخطبة مستعينين بالله، نقفُ مع قاعدةٍ عظيمةٍ من قواعد السلوك والأخلاق.. قاعدةٍ رائعةٍ تُطفَأ بها العداوات، وتُكتسب بها المودّات، وتُهنأ بها البيوتُ والمجتمعات.. قاعدةٌ جليلةٌ من طبقها هدأت نفسه، واطمأنّ قلبه، وحسنت سمعته، وأحبَّ الناسَ وأحبّوه، وأحبَّه قبل ذلك ربُّ الناس.. قاعدةٌ مميزة يصفو بها العيش، وتطيب بها الحياة، ويعيش معها المرء في راحةٍ وسعادةٍ.. إنها قاعدة: كسبِ القلوب مقدمٌ على كسب المواقف..

فالقلوبُ شأنها شأنٌ عظيم، بل إنّ فوزَ الدنيا والآخرة مدارهُ على سلامة القلوب، تأملوا قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.. ومن هو القلبُ السليم؟؟.. القلبُ السليم: هو القلبُ السالمُ من الشرك والبدع، ومن المعاصي والذنوب، ومن أدواء القلوب وأدرانها.. ومن أمراض الشبهاتِ والشهوات.. ومن كل مالا يرضي الله جل وعلا.. في الحديث الصحيح أنّ رسولَ الله ﷺ سئل أيُّ الناس أفضل؟.. قال: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لا إِثْم فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلا غِلَّ وَلا حَسَدَ"، والمخموم هو النظيف، من خمَّ البيتَ إذا نظفه.. وفي توجيهٍ نبويٍّ آخرَ يقولُ ﷺ: "لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر".. فإذا قيل هذا في حقِّ الطاهرِ المطَهرِ ﷺ، فهو في حقِّ غيرهِ أولى وأحرى، فهنيئًا لمن داومَ على إصلاح قلبهِ، وتعاهَدَهُ بالعنايةِ والتربية، وعمِلَ على تطهِيرهِ وتزكيته..

كسبُ القلوب مقدمٌ على كسب المواقف، فالقلوب دائمة، والمواقف مؤقتة.. كسبُ القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف.. فالقلبُ هو محلُ نظرِ الرب جلّ وعلا، وموطنُ صلاحِ العبدِ أو فساده.. ففي صحيح مسلم يقولُ النبي ﷺ: "إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ"، وفي الصحيحين يقول النبي ﷺ: "ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ"..

كسبُ القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف.. فكُنْ راقياً مترفقًا.. فالرفقُ سجيّة النبلاء، وخلقٌ الأنبياء.. {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.. وفي الحديث الصحيح، قال ﷺ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».. وفي صحيح مسلم، قال رسول الله ﷺ: "إنّ اللهَ رفيقٌ يحبُّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف".. وفي رواية صحيحة: "إنّ اللهَ رفيقٌ يحبُّ الرفقَ في الأمر كله".. وفي رواية ثالثة: "من يُحرَم الرفق يُحرَمِ الخير كله"..

كسبُ القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف.. فكُنْ متسامحًا، يعفو ويصفح، ويقابلُ الإساءة بالإحسان.. عسى أن تكونَ من المحسنين، ففي محكم التنزيل: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.. وفي صحيح مسلم، قالَ عليه الصلاة والسلام: «مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ»..

كسب القلوب مقدم على كسب المواقف.. ففي صحيح مسلم أنَّ رسول الله ﷺ قال: (تُفتَحُ أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا)..

كسبُ القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف.. فتخير الفاظك، وانتق كلماتك.. فالكملة الطيبة صدقة، والكلمة الخبيثةُ سهمٌ مسموم.. وفي صحيح البخاري ومسلم، قال ﷺ: "من كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت".. ولقد بلغ ديننا العظيم من الذوق والرقي أن يأمر المتحدث إن كان لديه أكثرَ من كلمةٍ تؤدِّي نفس المعنى، أن يختارَ الأحسَنَ من بينها؛ تأمل: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فهو لم يأمر بالقول الحسَن، وإنما القول الأحسن..

كسبُ القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف.. فكن دائم الابتسامة، هين الجانب، لين القول، سهل المعاملة، في الحديث الصحيح، قال ﷺ: "ألا أخبرُكم بمَن يُحرَّمُ على النَّارِ، وبمَن تُحرَّمُ علَيهِ النَّارُ؟ علَى كلِّ قَريبٍ هيِّنٍ سَهلٍ".. وفي رواية: " تحرُمُ النارُ على كلِّ هيِّنٍ ليِّنٍ، قَريبٍ سَهلٍ"..

كسبُ القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف.. فتغافل عن الهنات، ولا تُضخّم الزلات، فالتغافل عن الزلات من شيم الأكابر، وتدقيق النظر في الهنات يورث التناكُّر.. قال الإمام أحمد رحمه الله: "تسعة أعشار العافية في التغافل".. وقال الإمام سفيان الثوري: "الكيّسُ العاقلُ هو الفَطِنُ المتغافل".. وقال ابن الجوزي: "من لم يُدارِ الناسَ مات همًّا"..

كسبُ القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف.. فإياك وسوء الظن، فإنه يفتح أبواب الفتنة، ويغلق نوافذ الود.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.. وفي صحيح البخاري: "إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا".. وفيه أيضاً: "المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ"..

كسبُ القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف.. فتحلَّى بالحِلم، فهو سيّد الأخلاق، وتاجُ المروءة، ومَلاك العقل.. ففي محكم التنزيل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}.. وفي الحديث الصحيح، قال ﷺ: لأَشَجِّ عبْدِ الْقَيْس: إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْم، وَالأَنَاة"..

كسبُ القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف.. ففي الحديث المتفق عليه، قال النبي ﷺ: "لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه".. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون}..

كسب القلوب مقدمٌ على كسب المواقف، وسلامةُ الصدر راحةٌ في الدنيا قبل أن تكون نجاةً في الآخرة.. ولهذا كان من دعاء النبي ﷺ: "ربِّ تقبَّلْ توبَتي، واغْسِلْ حَوْبَتي، وأجِبْ دعْوَتي، وثَبِتْ حُجَّتِي، واهدِ قَلْبِي وسدِّدْ لساني، واسْلُلْ سَخِيمةَ قَلْبِي"، أي أخرج ما فيه من الأدواء.. فإذا كان سيدُ الخلق ﷺ يسألُ ربَّه صفاءَ الصدر، فكيف بنا ؟..

كسب القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف، وتلك هي وصية القرآن، ودعوة الصالحين لبعضهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم}.. وفي صحيح مسلم: "لا تختلِفوا فتختلِفَ قلوبُكم"..

ألا فاتقوا الله، عباد الله.. واعلموا أنّ مكارم الأخلاق لا تظهرُ إلا في المواقف الصعبة، وكريمُ الخلقِ لا يفقِدُ خُلُقهُ مع من لا خُلُق له، وهل تكونُ المُداراةُ إلا مع السُّفهاء وأصحاب الطِّباع الشَّرِسة، ومن صفا قلبه؛ صفا له عيشه، ومن أحبَّ لإخوانه ما يحبّ لنفسه؛ كان من أهل الإيمان، ومن أصلح ما بينه وبين الله؛ أصلح الله ما بينه وبين الناس..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}..    

أقول ما تسمعون...

.

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى..

أما بعد: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}..

معاشر المؤمنين الكرام: كسب القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف..

ومن علامات التوفيق: أن يُرزَقَ العبدُ ذوقًا راقِيًا، وأدباً عالياً، وخلقاً مهذباً، يحترِم المشاعر، ويقدر الآخرين.. ويبتعدُ عن كل ما يؤذي المشاعر.. وتذكروا رحمكم الله أن: البشاشة مصيدةٌ المودة، وأن البرُّ شيءٌ هينٌ: وجه طليقٌ وكلامٌ لين.. وأنَّ الجوابَ الرقيق يُطفئ الغضب، وأنَّ الصوتَ الهادئ أقوى من الصُّراخ.. وإنَّ الذوقَ يهزمُ الوقاحةَ.. ومن أراد أن يكونَ ذا ذوقٍ رفيع، فليتذوق كلامهُ قبلَ أن يُخرجهُ من فمه، فإن وجدَ كلمةً مُرةً، فليستبدلها بأخرى حلوة، فإنما هي كلمةٌ مكان كلمة، {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.. وفي الحديث الصحيح: "شرُّ الناسِ عند الله منزلةً يوم القيامة من تركَه الناسُ اتِّقاء فُحشِه"..

احبتي الكرام: نحن عادةً ما نقومُ باختيار أفضلِ أنواع الطعامِ لنرتقي بصحتنا ورشاقتنا.. فلمَ لا ننتقي أفضلَ الكلمات لنرتقي بأخلاقنا وتعاملاتنا.. ولئن كان الجمال يجذبُ العيون، فإنَّ اﻷ‌ﺧﻼ‌ﻕَ تأسرُ القلوب.. ولئن الكلامُ مهماً، فإنّ الطريقة التي نتكلمُ بها أهمُّ.. {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}..    

من أراد أن يكون صدره وقلبه سليماً، فليتذكر أن كسب القلوبِ مقدمٌ على كسب المواقف، وليأخذ بما استطاع من أسباب تزكية النفس وسلامة الصدر، وأولها: إخلاصُ العمل لله تبارك وتعالى، فالإخلاص هو الأساس.. ثم مجاهدةُ النفس على اتباع مرضاة الله.. {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين}.. وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون}.. كما أن مما يُعين على سلامة الصدر: تلمُّس الأعذار للآخرين؛ قال أحد السلف: "إذا بلغك عن أخيك شيءٌ، فالتمِس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرِفه"..

ومنها أن نعلم أن الشيطان لنا بالمرصاد، حريص على زرع الفتنة بيننا، قال تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}.. وفي صحيح مسلم، قال ﷺ: "إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ"، فلنحذره يا عباد الله..

ومن أراد السلامة لقلبه والشفاء لما في صدره، فليحسن صحبة القرآن؛ قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.. {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}.. فبقدر إقبال العبدُ على كتاب الله يكون شفاءي صدره، وسلِم قلبه..

كما أن مِن أعظم ما يُعين على سلامة القلب كثرة الدعاء لإخوانك المسلمين، وفي محكم التنزيل علَّمنا ربنا دعوة عظيمة: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.. وقد كان من دعاء نبيِّنا عليه الصلاة والسلام: "وأسألك قلبًا سليمًا"..

ألا فاتقوا الله عباد الله، واجتهدوا في تزكية أخلاقكم، وإصلاح ذات بينكم، والتعالي على حظوظ النفس، ومسببات الخلاف..  {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}..

يا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفرقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

اللهم صل على محمد...

المشاهدات 300 | التعليقات 0