كنز الحوقلة

أحمد بن علي الغامدي
1447/05/08 - 2025/10/30 07:34AM

أما بعد: ففي رياضِ الذكر تنشرحُ الصدور، وتطمئن القلوب، وتنزل السكينة، وتزول الهموم ، وأنفع الذكر أثراً : ما واطأ فيه القلب اللسان، فالذكر ليس كلمات لا معاني لها، ولا تمتمات لا أثر عليها، الذكر المبارك: يظهر أثره على صاحبه في سلوكه وخلقه، وفي اتزانه وديانته، وفي تعامله وأمانته.

عباد الله : الذكر من أسهل العبادات، لا يحتاج إلى جهد كبير كبقية العبادات، وصيغ الأذكار كثيرة، وأجورها عظيمة وفيرة.

وهذه وقفة مع ذكر عظيم، وتفويضٍ جليل، هو ذكرُ وقايةٍ وكفايةٍ، وانشراحٍ وهداية.هو كلماتٌ معدودات .بيد أنها مليئة بالمعاني والأجور الوافرات ، فيها ما فيها من التوحيد والإجلال ، والتوقير للرب المتعال .كلمات هي : كنزٌ من كنوز الجنة. "لا حول ولا قوة إلا بالله".

.عباد الله : إنّ معني هذه الكلمة الجليلة: أنّه لا حركةَ لنا ولا استطاعةَ ولا تحوُّلَ من حالٍ إلى حالٍ إلا بحَول الله وقوَّته ، وإعانتِه وتوفيقه وتيسيره. فجميعُ الخلق لا يملكون من أمرهم شيئاً، وليس لهم حيلة في دفع أي شر ، وليس لهم قوة في جلب أي خير إلا بمعونة الله وحده ، وحسبك بهذا إفراداً وتوحيداً .

    فلا حولَ للمريض ولا قوةَ على الشفاء إلا بالله وحدَه.

  ولا تحولَ للعبد عن إي معصية ولا قوةَ له على الطاعة إلا بالله وحدَه.

  ولا تحول للعبد عن الفقر ولا قوة على الغنى إلا بالله وحدَه.

  ولا حولَ على صلاح النفس والأبناء والأهل ولا قوةَ على هدايتهم إلا بالله وحدَه.

  ولا حولَ ولا قوةَ للخلقِ كلِهم من أولهم إلى آخرهم على أدنى شيء وأيسر شيء -ولو اجتمعوا عليه أجمعين- إلا بالله وحده لا شريك له .   

     وقد أوصى نبينا  جماعةً من أصحابه بهذا الذكر ،وحثهم على الإكثار منه.منهم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه الذي قال: أمرني خليلي بسبع ، وذكر منها : وأن أُكثر من قول : "لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنزٍ تحتَ العرش.

وقد ذكرَ جماعةٌ من المُفسِّرين والمُحدِّثين قصةً حسَّنها بعضُهم بمجمُوع طُرقِها، وهي:أن عوفَ بن مالكٍ الأشجعيِّ  رضي الله عنه أسرَ المُشرِكون ابنًا له يُسمَّى "مالِكًا"، فقال: يا رسولَ الله! أسرَ العدوُّ ابنِي، وشكَا إليه الفاقةَ أيضًا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقِ الله واصبِر، وأكثِر من قولِ: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله». ففعلَ الصحابيُ ذلك. فبينما هو في بيتِه إذ أتاه ابنُه وقد غفلَ وانشغل عنه العدوُّ، بل وأصابَ ابنه إبلاً فغنِمَها وجاءَ بها إلى أبيه، واغتنى عوف رضي الله عنه من الفقر ".رضي الله عنهم أجمعين .

قال ابن القيم رحمه الله: ولما كان الكنز: هو المال النفيس المجتمع الذي يخفى على أكثر الناس، وكان هذا شأن هذه الكلمة ؛ كانت كنزا من كنوز الجنة،فأوتيها النبي صلى الله عليه وسلم من كنزٍ تحت العرش( أي من الجنة: لأن العرشَ سقفُ الجنة).

وقال ابن القيم رحمه الله: (وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معالجة الأشغال الصعبة، وتحملِ المشاق، ومن يُخاف، وفي ركوب الأهوال، ولها أيضا تأثير عجيب في دفع الفقر، وفي دفع الشياطين).

عباد الله أقول هذا القول وأستغفر الله ........

 

 أما بعد :فإنّ هذا الذكر العظيم (لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ) مما يشرع أن يقوله المسلم مرارا في يومه ،  فيقولُه المسلم مَع المؤذنِ إذا قَالَ: حَيَّ على الصَّلاةِ، حَيَّ عَلى الفَلاحِ، إقرَاراً بأنَّهُ لا حَولَ لَه ولا قُوةَّ على القِيامِ لأَعظِمِ العِباداتِ إلَّا بِعَونِ اللهِ تَعالى وتوفيقه فلا قوة له على المحافظة على الصلوات جماعة في أوقاتها ،ولا قوة له على الخشوع فيها إلا بالله وحده، و يسن أيضا أن يقُولُ المسلم :"(لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ)  في الأَذكَارِ بَعدَ الصلوات الخمس ، اعتِراَفاً بأنّه مَا صَلَّى إلا بِإعَانةٍ مِنَ اللهِ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ.

ويسن أيضا أن يقولها عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلِ :قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا ‌حَوْلَ وَلَا ‌قُوَّةَ إِلَاّ بِاللَّهِ يُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقيتَ. فَيَتَنَحَّى لَهُ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هديَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ

 ويسن أن يقول معناها عند لُبْسِ الثَّوْبِ أو النعال ، قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ لبِسَ ثَوْبا فَقَالَ: ((الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا  وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّة غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "

ويسن أن يقول معناها أيضا :عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ قال صلى الله عليه وسلم: من أكل طعاما فقال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا، وَرَزَقَنِيهِ، مِنْ غَيْرِ ‌حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) وينبغي  للمسلم حينما يقول هذا الذكر: أن يستشعر دوما أنّه يخرج عن حوله وقوته ،فلا يضيف شيئا من الإنجازات إلى نفسه بإي وجه من الوجوه ،فكأنه يقول ليس هذا الرزق بقدرة مني على المكاسب ولا بقوة مني في البدن ، ،وليس بخبرة ولا باحتراف ولا بصنعة، ولا بعلم توصلت به إلى هذا المطلوب ، وإنما رزقنيه الرب من غير حول مني ولا قوة فهو فضل من الله تبارك وتعالى ، هو الذي رزق وأطعم وسوّغه وجعل  له بعد ذلك مخرجا؛ليخرج منه الأذى.

   أسأل الله أن يجعلنا من الذاكرين له ذكرا كثيرا يتواطأ فيه القلب مع اللسان إنه سميع مجيب

المرفقات

1761799028_كنز الحوقلة.doc

المشاهدات 260 | التعليقات 0