لا تيأس من فرج الله ورحمته 23/5/1447

أحمد بن ناصر الطيار
1447/05/22 - 2025/11/13 10:49AM

 

الحمد لله المحمودِ بكلّ لسان، المعبود في كلّ زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شانٌ عن شان، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزّه عن الصاحبة والأولاد.

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، سيدُ الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره، صلاةً تبلغّهم أعلى الجنان في دار الأمان، أما بعد.

فاتقوا الله معاشر المسلمين: واعلموا أنّ المؤمن الصادق لا يقنط من رحمة الله جَلَّ وَعَلَا في أيّ أمر من أموره، ولا يستبعد الفرج من الكرب، ولا ييأس من زوال الهمّ.

قالت أمُّ عبد الله بنتُ أبي حَثْمة: والله إنَّا لنترحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامرٌ – تعني زوجَها - في بعض حاجتنا، إذ أقبل عمر فوقف عليَّ وهو على شِرْكه؛ وكنَّا نلقى منه أذى لنا وشدَّة علينا، فقال: إنه للانطلاق يا أمَّ عبد الله؟ قلت: نعم والله، لنخرجنَّ في أرضٍ من أرض الله إذ آذيتمونا وقهرتمونا؟ حتى يجعل اللهُ لنا مخرجًا، فقال: صحِبَكُم الله، ورأيتُ له رِقَّةً لم أكنْ أراها، ثم انصرفَ وقد أحزنه -فيما أرى- خروجُنا، فجاء عامر بحاجتنا تلك، فقلت له: يا أبا عبد الله لو رأيتَ عمر آنفًا ورقَّته وحُزْنَهُ علينا، قال: أطَمِعْتِ في إسلامه؟ قالت: قلت نعم! قال: لا يُسلم الذي رأيتِ حتى يُسلمَ ‌حمار ‌الخطَّاب، قالت: يَأْسًا منه لما كان يُرى من غِلْظَتِه وقسوته على الإسلام.

وما هي أيام حتى أسلم عمر وأصبح الفاروق، ونصَر الله به الإسلام.

والله جَلَّ جَلَالُهُ قد نهانا عن اليأس، فقال جَلَّ وَعَلَا: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، وقال إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56].

وهذا عكرمةُ بن أبي جهلٍ طاغوتِ الأمةِ وفرعونِ الأمة، الذي كان يكْره النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحارب المسلمين في غزوة بدر، حتى رأى أباه صريعًا في غزوة بدر، فازداد حنقًا وغيظًا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يزل يُحارب النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابِه بلسانه وأفعاله؛ حتى أقبل النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة فاتحًا، فهرب عكرمة لشدّة كرهه للإسلام، ولم يفكر لحظة واحدة أن يدخل في الإسلام، وقد رأى كثيرًا من أصحابه وأصدقائه وسادات قريش قد دخلوا في هذا الدين، فهرب وأراد أن يركب البحر، فلما ركب السفينة مع أناس إلى المشركين هاج البحر وجاءت الرياح، فقال بعضهم لبعض: أيها الناس أخلصوا الدعاء فإنه لا ينجيكم الآن إلا الإخلاص، فتعجب عكرمة وقال في نفسه: "والله لئن لم ينجني في هذا البحر إلى الإخلاص، فلا ينجيني في البر إلا الإخلاص"، ثم قال: "اللهم لك عهد إن أرجعتني إلى محمد أن أضع يدي بيده، وأن أسلم لك"، فرجع إلى مكة وقد دخل الإسلام في قلبه فآمن.

فماذا حصل له بعد ذلك؟

أصبح عدوًا لمن عادى الإسلام، وقاتل مع الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وانشغل بالجهاد، قاتل مسيلمة الكذاب، وقاتل أهل عُمَان لما كفروا، وقاتل الروم في معركة اليرموك، وقاتل قتالًا عظيمًا حتى استشهد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وهذا خالد بن الوليد، قتل أبوه وأخوه في معركة بدر، وقاد الكفار في غزوة أحد، فماذا حصل له بعد ذلك؟ أسلم وآمن وأصبح سيفَ الله المسلول، فقاتل في سبيل الله، وقاتل الفرس والروم، ولم يُهزم في معركة واحدة.

 فأبشر أخي المسلم ولا تيأس من روح الله، فدين الله منصور، ودين الله غالب، نسأل الله جَلَّ وَعَلَا أن يثبتنا على دينه إنه سميع قريب مجيب.

**********

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: أخي المسلم: إنّ من أعظم الأمور وأشد الآثام أن تقنّط غيرك من روح الله، ورحمة الله، ومغفرة الله، فقد جاء في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر أن رجلاً من بني إسرائيل مرّ على أحدهم وهو يشرب الخمر، فنهاه عن ذلك، فلم ينته ولم يبالِ، وفي اليوم التالي رآه مثل ذلك فأنكر عليه فلم يبال، ورأى في قلبه القسوة، وفي اليوم الثالث رآه كذلك مستمرًا على المعاصي، وينهاه ولكن لا يرتدع، فقال: يا فلان ما لك لا تنته عن معصية الله؟ فلم يبال به، فقال: والله لا يغفر الله لك.

قال ذلك غيرةً على الدين، ولكنه أخطأ ونطق بكلمة عظيمة خطيرة، فقال الله جَلَّ وَعَلَا: «من ذا الذي يتألّى عليّ ألا أغفر لفلان؟»، أي من ذا الذي يحلف عليّ أنني لا أغفر له؟ «قد غفرت له وأحبطت عملك».

 فعاقبه الله فأحبط أعماله، وغفر لهذا العاصي، وربما هداه الله وأقلع عن هذه الذنوب، فتاب الله عليه.

اللهم تب علينا، واغفر ذنوبنا، وارزقنا إيمانًا بك، ويقينًا بك، إنك ربّنا رؤوف رحيم.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المشاهدات 358 | التعليقات 0