لو كان آخر يوم في حياتك ماذا ستفعل ؟

د.عبدالحميد المحيمد
1447/05/30 - 2025/11/21 19:58PM

إن الحمد للّه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللّه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،  وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله  اللَّهم صلَّ على محمدٍ وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللَّهم بارك على محمدٍ وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد .

عباد اللّه ، أوصيكم ونفسي بتقوى اللّه.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )

هناك حكمة تقول:”إذا عشتَ كلَّ يومٍ وكأنه آخرُ يومٍ في حياتك، فحتماً ستكون ذاتَ يومٍ على حق “

هذه المقولة وهذه الحكمة تُنبئُنا بأمرٍ هامٍّ جداً: أن هذا اليوم سيأتي. ففي يومٍ من الأيام سيكون آخرَ يومٍ يعيشه الإنسان فوق هذه الأرض.

ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يعلِّم الصحابة هذا المعنى العميق، وكان الصحابة يعيشون أيامهم وكأنها آخرُ يومٍ في حياتهم. لماذا نحتاج إلى هذه الحِسبة؟ لماذا نحتاج أن نضع ونتصوّر آخرَ يومٍ في حياتنا؟ لأن هذا مهمٌّ جداً، إمّا أن يدفعنا إلى إنجازات، وإمّا أن يمنعنا من المنكرات.

عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَخَذ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلمبِمَنْكِبِي فقال: كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ.

وَكَانَ ابنُ عمرَ رضي اللَّه عنهما يقول: "إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لمَرَضِكَ، ومِنْ حياتِك لِمَوتِكَ"

إذن الإنسان يتزوّد في كل يوم وكأنه هذا آخرُ يومٍ عنده في الحياة. معنى ذلك أنه لا يؤخّر الصلاة، لأنه لا يعلم هل يعيش يوماً آخر ليصلي . معنى ذلك أنه لا يَظلِم، لأنه لا يعلم هل يعيش يوماً آخر ليردَّ المظالم. معنى ذلك أنه يُصلح نفسه ويتوب، لأنه لا يدري هل يعيش يوماً آخر ليجدّد هذه التوبة.

إذن هذا المعنى هامٌّ جداً في حياتنا اليوم؛ لأننا عندما نقرأ القرآن نجد أن هناك أمنياتٍ ذكرها القرآن، وهي أمنياتٌ مستحيلة، ولذلك قالوا: الفرق بين الأمنية والهدف. قالوا: الأمنية أنها من المستحيل أو صعبةُ الوصول، ويقولها الإنسان على سبيل التحسّر، وأما الهدف فإن الإنسان يكون متيقّناً أو عنده همّةٌ بأن ينجز هذا الهدف.

فاللَّه عز وجل يذكر لنا قصصَ من غفلوا عن آخرِ يومٍ في حياتهم، فداهمهم الموت. فماذا قال أحدهم؟

(وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ). [ المنافقون : 10 ]

هنا يذكر الأمنية:

(فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ). [ المنافقون : 10 ]

ذكر الصدقة لأنها فيها نفعٌ للناس، وربما كان غافلاً عن نفع الناس، أو ربما كان منشغلاً بإيذائهم. قال: (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ )؛ تغييرٌ كاملٌ لنهجه وحياته بأن يكون من الصالحين: مع الصالحين في أقوالهم، من الصالحين في سلوكياتهم، من الصالحين في انتظامهم في الطاعات، من الصالحين في محافظتهم على الصلوات.

إذن، ولذلك هذه الأمنيات كثيرٌ منها أخبرنا بها القرآن. أخبرنا بأن هؤلاء خرجوا من الدنيا مُفالِس. وكذلك المغتاب الذي خرج من الدنيا قبل أن يتوب؛ يتمنى الرجوع. لماذا؟ حتى يُسامحني فلان وفلان.

أمّا الناس عند المقبرة فيقولون:”يا جماعة سامحوه “

وهل يحضر عند المقبرة كلُّ الناس الذين ظلمهم!؟

مَن يوفّي ويُسدّد عنك؟ الورثة إذا كان فيهم خير يُسدّدون قروض البنوك والديون، لكن لن يردّوا عنك مجالس الزور، ولا الغيبة، ولا البهتان .

لن يردّوا عنك المظالم، فتُفلِسْ يوم القيامة !

إذن، إذا تذكّر الإنسان وعاش كلَّ يومٍ كأنه آخرُ يومٍ في حياته، فسيكون مُحقًّا في يومٍ من الأيام؛ ذلك اليوم سيأتي

فنسأل اللَّه حُسنَ الخاتمة، وأن يعفوَ عنّا، وأن يتوبَ علينا، إنه هو التواب الرحيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر اللَّه.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

مسألة أن يعيش الإنسان يومه بيومه، ويعيش يومه كأنه آخرُ نهاية هذا العمر، ليست أن يتوقّف الإنسان عن عمل الخير، بل العكس؛ المقصود أن تزرع الخير ولو في آخر لحظاتك.

عندما حضرت الوفاة أحدُ السلف وكان يتلوّى، قام إلى مِحرابه يصلّي. فقيل له: يرحمك اللَّه، أفي مثل هذا الموضع تصلّي؟ فقال: دعوني أُبادر الموت قبل أن يأتي. فكان يصلّي حتى قُبِض وهو في الصلاة. والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وضع لنا هذه القاعدة العظيمة :

فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم:”إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها “

تزرع لأنك تريد الأثر الطيب، تزرع لأنك زرعت معها هذه النيّة الصالحة. والنيّة الصالحة ليست بالضرورة أن تبلغ نهاية العمل، ولكن النيّة الصالحة يُكتب لك بها الأجر. وكما ذكرنا في خُطبٍ سابقة: ليست العبرة أن تبلغ نهاية الطريق إلى الحق، ولكن العبرة أن تموت وأنت على طريق الحق.

فنسأل اللَّه أن يُصلح أحوالنا، وأن يردّنا إليه ردًّا جميلاً، وأن يجعلنا ممّن يبذلون المعروف، وأن يجعلنا ممّن يُصلحون إذا فسد الناس، وأن يغفر لآبائنا وأمّهاتنا، وأن يصلح أبناءنا وبناتنا.

اللَّهم تولَّنا فيمن تولّيت، وعافِنا فيمن عافيت.

اللَّهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، ونقِّنا من خطايانا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس.

اللَّهم اسقِنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهم اغث البلاد والعباد، اللَّهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، سقيا تُحيي بها الزرع، وتُدرّ بها الضرع، وتجعلها رحمةً لنا يا رحمن يا رحيم.

اللَّهم اغثنا، اللَّهم اغثنا، اللَّهم اغثنا يا رحمن يا رحيم، اللَّهم اغثنا يا وليّ يا حميد، اللَّهم اغثنا يا ذا الجلال والإكرام.

وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين .

 

المرفقات

1763744488_لو_كان_آخر_يوم_في_حياتك_ماذا_ستفعل_؟.docx

المشاهدات 103 | التعليقات 0