ماذا بقي بعد الحج؟!

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/12/15 - 2025/06/11 22:53PM

لحمدُ للهِ الذي هَدَانا لنعمةِ الإسلامِ وكفَى بها نعمةً، والحمدُ للهِ أنْجعلَنا مسلمِينَ موحِدِينَ، لا نسجدُ للحجرِ، ولا نعبدُ البقرَ، والحمدُ للهِعلى تتابُعِ مواسمِ الخيراتِ والرحَماتِ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليهِ وسلمَ تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ:

فيا أيُها العائدونَ للهِ حُجاجًا، أو المُهرِيقونَ للهِ دمًا ثجاجًا: ومعَالشكرِ ذِكْرٌ، فلنحمدْ ربَّنا كثيرًا، ولنذكرْهُ كثيرًا، فربُنا تعالَى يقولُ: [فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا]. وهذهِ الآيةُ عامةٌ لمن حجَّ ولمن ضحَّى، فالمرادُ بقولِه: (مَنَاسِكَكُمْ) أي الحجُ والأضاحيْ().

وأما الذينَ ما وَجَدُوا ما يُنفقونَ، لا مالاً بهِ يُضحُّونَ، ولا سبيلاً إليهِيَحُجونَ، فنسألُ اللهَ أنْ يعطيَهم بِنِيّاتِهم كأجورِ مَن حجَّ أو ضحَّى.

أيُها المؤمنونَ: لنشكرْ ربَّنا كثيراً، فلقد وهبَنا بفضلهِ مواسمَ كثيرةًتُضاعَفُ فيها الحسناتُ، ونَزدادُ فيها من الصالحاتِ؛ لأن اللهَ -تعالى- يريدُ أن يرحمَنا، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} يريدُ أن يَغفرَ لنا، يدعُونا أن نَدخلَ الجنةَ: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ). إنه الرحيمُ الودودُ، يَقبلُ توباتِنا إذا تُبنا، بل يفرحُ، بل يُحبُنا لأننا تُبنا و{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}.

ولقد كانتِ الأشهرُ الأربعةُ الماضيةُ حافلةً بالعُروضِ الربانيةِ الكبرَى، فمِن شعبانَ إلى رمضانَ إلى عَشرِهِ، إلى ليلةِ القدرِ، ثم ستِ شوالَ، ثم أشهرٍ حرمٍ، وفيهنَّ عشرُ ذي الحِجةِ، والحجُ، ويومُ عرفةَ ويومُ النحرِ وأيامُالتشريقِ، وكلُّهنَّ خيراتٌ من الربِّ حِسانٍ، وذكرٌ ودعَاءٌ وتكبيرٌ للرحمنِ.

لكنْ لَئِنِ انقضَى التكبيرُ فإن ذِكرَ اللهِ باقٍ، فلنكُنْ منَ {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}. ولئن كسِلْنا في العشرِ عن الاجتهادِ لمضاعفةِ الحسناتِ، فثمتَ التبكيرُ والمشيُ للجمعةِ والجماعاتِ.

ولئن قصّرْنا بالدعاءِ يومَ دنوِ الربِ عشيةَ عرفةَ. فثمتَ الدعاءُ المفتوحُ،والدنوُ الممنوحُ، وذلكَ كلَ ليلةٍ، إنه اللقاءُ المَهيبُ بالربِ–جلَّ جلالُهُ–، إنه اللقاءُ الذي قَالَ عنهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: [أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ] مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ [مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَهُ عَنْهُ؟أَلا سَقِيمٌ يَسْتَشْفِي فَيُشْفَى؟] [فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ]().

اللهُ أكبرُ! هذا الحديثُ ما أهيبَهُ، وما أطيبَهُ! فلنُصَلِّ ولو بِضْعَ دقائقَ قبلَ أذانِ الفجرِ، ولنكنْ من المستغفرينَ بالأسحارِ، وما دُمنا ابتُلِينا بالسهرِ فلا نحرِمْ أنفسَنا من ركعاتٍ، تُنيرُ لنا دروبَنا، وتمحوْ ذنوبَنا.

أيُّها الخارجونَ من أيامِ العشرِ والتشريقِ:

تذكرُوا أننا لا نَزَالُ في شهرٍ حرامٍ، وبعدَهُ شهرٌ آخرُ حرامٌ، فالأشهرُالحُرُمُ هنَّ ذُو القَعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ ومُحَرَّمٌ وَرَجَبٌ. وتفكرُوا كيفَ أنَّ اللهَ قالَ في هذهِ الأشهرِ الأربعةِ: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}[التوبة36] فهذا أمرٌ بالتَّرْكِ، أيْ: تَرْكُ الظلمِ والعصيانِ، وفِيْ العَشْرِ كانَ فيها حثٌ على الفِعْلِ؛ ليَتعبَّدَنا اللهُ بالتَركِ وبالفِعْلِ في آنٍ واحدٍ: يَتعبَّدُنا بتركِ المعاصِي والظلمِ، ويتعبدُنا أيضاً بفعلِ الطاعاتِ.

فإذا دعتْكَ نفسُكَ للمعصيةِ فتذكرْ قولَ اللهِ لنبيهِ المعصومِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّيْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الأنعام15] وإذا قاربْتَ أو قارفْتَ المعصيةَ فخاطِبْ نفسَكَ قائلاً: {أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}[الفرقان15] فنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ‌شُرُورِ ‌أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا.

الحمدُ للهِ يُعطِينا، ويَشكرُنا إن أَعطَينا، والصلاةُ والسلامُ على هادِينَا، أما بعدُ:

فالحمدُ للهِ ثم الحمدُ للهِ، ثم الحمدُ للهِ، أنْ أحيانا على التوحيدِ والسُنَّةِ ببلدِ التوحيدِ والسُنةِ، فلا شركياتٍ، ولا بِدعياتٍ، ولا حِزبياتٍ: ﵟمِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ هُوَ ‌سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَٰذَاﵞ[الحج78] 

وأما الحجُ فقد نَجَحَ، لا بلْ تفوَّقَ بفضلِ اللهِ، فلنبتهِجْ ولنَلْهَجْ، ولنُوقِنْ أن اللهَ لا يُضِيعُ أهلَ بيتهِ الذينَ يَبذِلونَ للحجِ الملياراتِﵟفَإِنَّ ٱللَّهَ لَا ‌يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَﵞ[يوسف90].

أما التفوقُ الباهرُ في إدارةِ حشودِ الحجيجِ بانسيابيةٍ، وبحسنِ تلطُّفٍومعاملةٍ أخويةٍ؛ فهو أمرٌ ظاهرٌ متواترٌ، تسمعُهُ من ثناءِ الحجاجِ من مئتَيْ دولةٍ، وهذا التفوقُ إنما هوَ بفضلِ اللهِ، ثم بفضلِ الإلزامِ والالتزامِ بشعارِ: لا حجَّ إلا بتصريحٍ.

• فالحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ تتمُّ الصالحاتُ، والحمدُ للهِ على مغادرةِ حُجاجِ العالَمِ آمنِينَ شاكرِينَ مُثْنِينَ.
• وأجزلَ اللهُ أجرَ ملوكِها، وأعزَهم بالإسلامِ وخدمةِ الحرمينِ، ورحمَ اللهُ موحِّدَ الجزيرةِ وبانِيَها على التوحيدِ والسُنةِ.
• ووفقَ اللهُ وسدَّدَ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِهِ لهُداهُ. وجعلَ عمَلَهما في رضاهُ.
• اللهمَ اجزِهمْ على خدمةِ الحرمينِ، واجزِ جنودَنا ومنظمِي الحجِ على الرفقِ بالحجيجِ.
• اللهمَ لكَ الحمدُ كالذي تقولُ وخيرًا مما نقولُ.
• لك الحمدُ على نعمةِ التوحيدِ والسنةِ ببلدِ التوحيدِ والسنةِ.
• اللهمَ احفظْ دينَنَا وبلادَنا وأدِمْ أمنَنا، وادحرْ أعداءَنا، وأجبْ دعاءَنا.
• اللهمَ وَهبتَنا مالاً، فَبَذَلْنا منه بفضلِكَ نُسُكًا ومَنْسَكًا.
• اللهمَ برحمتِك فاقبلْ النسُكَ والنسائكَ.
• اللهمَ اكتُبْنَا فيمَن أُعتِقَتْ رقابُهُم وكُفّرَتْ خَطيئاتُهُمْ لسَنَتَيْنِ.
• اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
• اللهمَّ وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.
• اللهمَ صلِ وسلِمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1749671606_‎⁨ماذا بَقِيَ بَعْدَ الحَجِّ؟!⁩.docx

1749671606_‎⁨ماذا بَقِيَ بَعْدَ الحَجِّ؟!⁩.pdf

المشاهدات 407 | التعليقات 0