مالك يوم الدين

اَلْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

أُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللَّهِ – وَنَفْسِي الْمُقَصِّرَةَ أَوَّلًا بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ.. مَا نَزَالُ نَتَدَبَّرُ مَعًا آيَاتٍ مِنْ أَعْظَمِ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، السُّورَةِ الَّتِي هِيَ أُمُّ الْكِتَابِ، فَاتِحَةُ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ، السَّبْعُ الْمَثَانِي الَّتِي لَا تَصِحُّ صَلَاةُ عَبْدٍ إِلَّا بِهَا، أَلَا وَهِيَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ.

وَحَدِيثِي مَعَكُمُ الْيَوْمَ مَعَ آيَةٍ جَلِيلَةٍ مِنْهَا، آيَةٍ تَهُزُّ الْقُلُوبَ وَتُوقِظُ الْغَافِلِينَ، آيَةٍ تُذَكِّرُكَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتَقِفُ بِكَ بَيْنَ يَدَيْ الْجَبَّارِ الْقَهَّارِ، أَلَا وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى ]مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[.

الْمَالِكُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ الَّذِي لَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ فِي حُكْمِهِ، وَيَوْمُ الدِّينِ هُوَ يَوْمُ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ، يَوْمٌ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

هَذِهِ الْآيَةُ تُذَكِّرُكَ – يَا عَبْدَ اللَّهِ – أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ، وَأَنَّكَ مَهْمَا مَلَكْتَ أَوْ حَكَمْتَ أَوْ تَصَرَّفْتَ فَسَيَأْتِي يَوْمٌ تُسْلَبُ فِيهِ كُلُّ مِلْكِيَّةٍ، وَتُرْفَعُ فِيهِ كُلُّ سُلْطَةٍ، وَلَا يَبْقَى إِلَّا مُلْكُ اللَّهِ وَحْدَهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَلَا ]لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ[.

عِبَادَ اللَّهِ... إِنَّ اسْتِحْضَارَ هَذِهِ الْآيَةِ ]مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[ يَغْرِسُ فِي الْقَلْبِ الْخَشْيَةَ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ، هَابَ مَعْصِيَةَ اللهِ، وَاسْتَعَدَّ لِلِقَاءِ اللهِ.

وَيَجِدُ الْعَبْدُ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ الْعَدْلَ وَالِاطْمِئْنَانَ، فَمَنْ ظَلَمَكَ فِي الدُّنْيَا أَوِ اعْتَدَى عَلَيْكَ، فَتَيَقَّنْ أَنَّ هُنَاكَ يَوْمًا تُرَدُّ فِيهِ الْحُقُوقُ، وَيُقْتَصُّ فِيهِ مِنَ الظَّالِمِ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) أَيۡ: أَنَّ اللهَ يُقْتَصُّ لِلشَّاةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا قَرْنٌ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ الَّتِي لَهَا قَرْنٌ، فَضَرَبَتْ أُخْتَهَا بِقُرُونِهَا فَآذَتْهَا كَثِيرًا. فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَضَى اللهُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ، وَاقْتَصَّ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ بَهَائِمُ لَا يَعْقِلْنَ وَلَا يَفْهَمْنَ؛ وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمٌ عَدْلٌ.

فِي هَذِهِ الْآيَةِ ]مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[ تَحَرُّرٌ مِنَ الدُّنْيَا، فَالْمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُلْكَ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ لِمَنْ يَمْلِكُ الْأَمْوَالَ أَوِ الْمَنَاصِبَ، بَلْ لِمَنْ يَنْجُو بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فِي يَوْمِ الدِّينِ.

تَأَمَّلُوا – رَحِمَكُمُ اللَّهُ – يَوْمَ الدِّينِ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ الْعَصِيبَ، يَوْمَ يُبْعَثَرُ مَا فِي الْقُبُورِ، وَيُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الرُّءُوسِ، وَتَتَنَاثَرُ النُّجُومُ، وَتُطْوَى السَّمَاوَاتُ، وَيُؤْتَى بِجَهَنَّمَ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا. هُنَاكَ تَتَقَطَّعُ الْأَسْبَابُ، وَتُفْضَحُ الْأَسْرَارُ، وَتُعْرَضُ الصَّحَائِفُ ]وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ[ فَلْيَتَذَكَّرِ الْعَبْدُ أَنَّ كُلَّ نَظْرَةٍ، وَكُلَّ كَلِمَةٍ، وَكُلَّ خُطْوَةٍ سَيُسْأَلُ عَنْهَا أَمَامَ ]مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[.

فَعَلَيْنَا – عِبَادَ اللَّهِ – بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَتَرْكِ الْمَظَالِمِ وَرَدِّ الْحُقُوقِ، فَدِينُ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَدْلِ، فَلَا تَدْخُلْ عَلَى اللَّهِ وَخُصُومُكَ يُطَالِبُونَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فَيَا عَبْدَ اللَّهِ، اسْتَعِدْ لِذَلِكَ الْيَوْمِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بَغْتَةً، وَأَنْتَ غَافِلٌ لَاهٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ النَّجَاةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

اَلْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تُنَجِّينَا مِنْ عَذَابِهِ، وَتُورِثُنَا رِضَاهُ وَثَوَابَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ.. تَذَكَّرُوا دَائِمًا أَنَّكُمْ مُلَاقُو رَبِّكُمْ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ، فَأَعِدُّوا لِذَلِكَ الْيَوْمِ عُدَّتَهُ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى ذَلِكَ بِسُورَةِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي نُكَرِّرُهَا فِي صَلَوَاتِنَا، فَهِيَ تُرَبِّي فِي الْقُلُوبِ مُرَاقَبَةَ اللَّهِ، وَالِاسْتِعْدَادَ لِلِّقَاءِ اللَّهِ.

وَالْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ.

فَاتَّقُوا اللَّهَ – عِبَادَ اللَّهِ – وَتَزَوَّدُوا مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، فَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ ثُمَّ نُعْرَضُ عَلَى ]مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ. اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ. اللَّهُمَّ نَجِّنَا مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الدِّينِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ ..

المرفقات

1759436721_مالك يوم الدين.pdf

1759436731_مالك يوم الدين.docx

المشاهدات 275 | التعليقات 0