محبة الله لعباده

عبدالرحمن سليمان المصري
1447/02/06 - 2025/07/31 18:26PM

محبة الله لعباده

الخطبة الأولى

  الحمد لله الذي أكرم الطائعين بمحبته ، وأعلى درجاتهم في دار كرامته ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

عباد الله : إن أجلّ مقامات العابدين ، وأعظم منازل السائرين ؛ محبة رب العالمين ، وخالق الخلق أجمعين ، فإن هذه المحبة هي رأس الإيمان ، وأساس العبودية للملك الديان ، فبكمالها يكمل الإيمان ، وبنقصها ينقص توحيد الإنسان، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾البقرة: 165.

فالقلوب مفطورة على حُب خالقها ورازقها وهي سر شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب ، بالمحبة والتعظيم والذُّل له سبحانه .   

عباد الله : إن مما يزيد من محبة الله في قلب المسلم ، تذكر نعم الله عليه ، واستشعارها في كل وقت وحين ، ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ النحل:53.، وهو سبحانه من يكشف الضر ويدفع البلوى ، ويزيل

الكرب ويسمع الشكوى ، ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الأنعام:17.

عباد الله: وكل الخلائق تدّعي محبة الله تعالى ، حتى مِلَلَ الكفر على اختلافها ، وقد امتحنهم الله بهذه الآية ، ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ آل عمران:31 ، فجعل الدليل على صدق محبته سبحانه ؛ اتباعهم للنبي صلى الله

عليه وسلم ، فليس الشأن أن تُحِب الله ، وإنما الشأنُ كلَّ الشأنِ أن يُحبك الله جل في علاه .

عباد الله: إن غاية كل مؤمن نيل محبة الله تعالى ، وما تعبد المتعبدون إلا للوصول إليها، ولا تركوا الشهوات

المحرمة إلا لتحصيلها، ولا بذل الشهداء أرواحهم إلا لأجلها ، ومن الأسباب الجالبة لمحبة الله جل جلاله:

التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض ، فإنها أسرع طريق ، لينال المرءُ ولايةَ الله ومحبته ، قال الله تعالى في الحديث القدسي: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ " رواه البخاري.

فأقل درجات المحبة أن يأتي المؤمن بالفرائض ، وأن يكُفَّ عن المحرمات ، ثم يتحبب إلى الله تعالى بالنوافل ، وكلما زاد في طاعته ؛ كلما كمل محبة الله عز وجل له .

ومن الأسباب: تقديم ما يحبه الله ، على ما تحبه النفس عند غلبة الهوى ، قال صلى الله عليه وسلم : " «‌ثَلَاثٌ ‌مَنْ ‌كُنَّ ‌فِيهِ ‌وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا " رواه البخاري.

ومنها ؛ قراءة القرآن الكريم والاستماع له ، بالتدبر والتّفهُّمِ لمعانيه ،  وينبغي للمؤمن ألا يمر عليه يوم ؛ إلا وقد قرأ فيه شيء من القرآن ،

ومنها: دوام ذكر الله عز وجل باللسان والقلب ، وعلى كل حال ، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره . ومجالسة الصالحين ، وقيام الليل والخلوة بالله ، ومناجاته وانكسار القلب بكليته بين يدي ربه ،  خاصة في وقت السحر ، وختم ذلك

بالاستغفار والتوبة، قال تعالى: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾الذاريات: 17، 18.

والتواضع للمسلمين وعدم التكبر عليهم ، وإظهار العزة على الكافرين، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ

لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾المائدة: 54.

عباد الله : والسعى في قضاء حوائج الناس مما يحبه الله ، قال صلى الله عليه وسلم: " ‌أَحَبُّ ‌النَّاسِ ‌إِلَى ‌اللَّهِ ‌أَنْفَعُهُمْ ‌لِلنَّاسِ " رواه الطبراني

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.         

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا  ،    أما بعد :

عباد الله: إن أعظم سبب لتفاضل الناس في الأجور ؛ هي أعمال القلوب ، وإن من أجلِّ أعمال القلوب ، محبة الله عز وجل ، وقد كان نبي الله داود عليه السلام  يقول في دعائه :" ‌اللَّهُمَّ ‌إِنِّي ‌أَسْأَلُكَ ‌حُبَّكَ ، وَحُبَّ ‌مَنْ يُحِبُّكَ ، وَالعَمَلَ الَّذِي

يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ" ، ومثله روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن من يُحرم محبة الله ، كان من جملة الأموات ، وكالغرِيق في بحار الظلمات ، وأما من نال محبة الله من أهل الإيمان، حفظه ووفقه وأعانه ، وكشف عنه الهموم وأجاب

دعاءه ، "فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ  " رواه البخاري.

قيل المعنى: أن الله عز وجل يحفظ عليه هذه الأعضاء من التلف ، كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " «‌اللَّهُمَّ ‌مَتِّعْنِي ‌بِسَمْعِي ‌وَبَصَرِي وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَ مِنِّي " رواه الترمذي .

وقيل: أن الله يحفظها عن المعصية ، فيقرب إليه الطاعات ويحببها إليه ، ويصرف عنه المعاصي ويبعدها عنه . 

عباد الله : إن المؤمن إذا أحبه الله ؛ ملأ قلبه بلذة الإيمان وحلاوته ، قال صلى الله عليه وسلم: " ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا " رواه مسلم .

وإذا أحب الله المؤمن:  ثبته عند الموت وأحسن له الختام ، و أمَّنَهُ من عذاب القبر، ومن فزع يوم العرض ، ويَمَّنَ كتابه ويسر حسابه ، وحرم جسده على النار ، وأدخله الجنة مع الأبرار ، قال تعالى:﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا

يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾الزمر:61

اللهم إنا نسألك حبك وحب رسولك وعبادك المؤمنين ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا؛ وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾

 

 

المرفقات

1753975516_محبة الله لعباده خطبة2.docx

1753975516_محبة الله لعباده خطبة2.pdf

المشاهدات 437 | التعليقات 0